لماذا وإلى أين ؟

عصيد يكتب: نهاية “الصحوة الإسلامية” ما العمل ؟

كانت “الصحوة الإسلامية” شعارا سياسيا رُفع خلال القرن العشرين، من قِبل حركات دينية ذات طموح سياسي، وكان الهدف منه استعادة الدولة الدينية بعد سقوط الخلافة سنة 1924، حيث لم يفهم المسلمون من هذه الواقعة أن الخلافة تجربة تاريخية نسبية انتهت إلى الفشل، بعد أن استهلكت قرونا طويلة من حياة الشعوب الإسلامية، وأنها غير قابلة للإعادة لأن التاريخ لا يعيد نفسه، كما لم يفهم المسلمون بأنّ السياق الذي ظهرت فيه الخلافة وتوسعت لم يعد قائما في الواقع الجديد، بل اعتمدوا ترسانة الفقه القديم ليستمروا في الاعتقاد بأن المسلمين لا شرعية لوجودهم بدون خلافة دينية.

وقد أدّى ذهاب الدولة وبقاء الفقه المرتبط بها والذي أنتج في ظلها، إلى نوع من عدم التلاؤم بين الفكر والعمل، حيث صارت مؤسسات الدولة الحديثة وأسسها الفلسفية متناقضة تماما مع مبادئ الفكر الفقهي القديم، الذي لم يعد يستجيب لحاجات المجتمع الجديد.

لم تنجح “الصحوة” بل انتهت إلى أسوأ مآل، حروب ودمار واقتتال شنيع بين المسلمين كالذي بدأ به تاريخهم واستمر عليه طوال أربعة عشر قرنا. وعوض أن تكون الصحوة لاهوت تحرير يحقق استقلالية بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط عن البلدان الامبريالية والاستعمارية، فقد جعلت من هذه البلدان والأنظمة ألعوبة في يد القوى العظمى التي استطاعت ضمان حماية مصالحها بالإبقاء على الوصاية الدينية والاستبداد السياسي في البلدان المذكورة.

فشلت “الصحوة” لكنها عمليا نجحت في عرقلة بناء دول حديثة وناجحة في الرقعة الممتدة من شمال إفريقيا إلى الشرق الأوسط، حيث تم ترويج بضاعة “الصحوة” بشكل مكثف تحت مظلة أمريكية، ولعقود طويلة، ما أدى بهذه البلدان إلى نوع من الشلل والعجز عن اللحاق بتجارب كالتي عرفتها شعوب آسيا وأمريكا الجنوبية، بل وبعض الشعوب الإفريقية نفسها، ووحدها تركيا بفضل اختيارها العلماني الحاسم، واعتمادها مسلسلا ديمقراطيا سلميا، استطاعت النهوض وبناء نموذج متفوق.

لم تفشل “الصحوة” فقط في عرقلة مسلسل التحديث والدمقرطة، بل فشلت كذلك فشلا ذريعا في استعادة دولة الشريعة والفقهاء، ولم تسفر محاولاتها المتكررة بهذا الصدد إلا عن مسوخ أشبه بالكاريكاتور (الطالبان ـ القاعدة ـ داعش ـ أنصار الشريعة ـ بوكو حرام إلخ…) كما أن الدول الدينية التي حافظت على النظام الشرعي الإسلامي التقليدي (السعودية ـ إيران ـ السودان ) لم تقدم أي نموذج يمكن الاقتداء به، بل على العكس تماما ظلت مثار نفور واستنكار دائم، سواء من داخل مجتمعاتها التي ضاقت ذرعا بالاستبداد الديني، أو على الصعيد الدولي.

وقد احتاج المسلمون إلى قرن كامل من التجارب والإحباطات والصراعات، ليدركوا بأن الخلافة وهمٌ كبير لا طائل من ورائه، وليعلن بعضهم نهاية “الصحوة” التي تحولت إلى “كبوة” و”غفوة”، وليشرع بعضهم الآخر في نقد ذاتي مؤسس، بل ويعتذر بعضهم عن النتائج الكارثية للصحوة كما فعل مؤخرا أحد فقهاء الوهابية السعودية.

وقد عمّق من معاناة التيار المحافظ ذلك الفشل الكبير الذي مُني به التيار الإخواني الانتخابي الصاعد بعد انتفاضات 2011، سواء في مصر أو في تونس أو المغرب، وزاد هذا الفشل من إحباط التيارات الدينية وتراجعها، كما لم تستطع قوى الإسلام السياسي بلورة فكر ديني جديد بفقه اجتهادي قادر على رأب التصدّعات الكبرى التي تعرضت لها المنظومة الثقافة التراثية.

ومن أسباب فشل “الصحوة” حرص أهلها على نشر جميع محتويات الفقه القديم مُرفقة بالنصوص الدينية المؤسسة على الأنترنيت، اعتقادا منهم بأنهم بذلك سيعيدون عقارب الساعة إلى الوراء في وعي الناس، غير أنّ ما حدث كانت له نتائج عكسية أيضا، حيث أدّى إلى تعرية ذلك الفقه وفضح حقيقة دولة الخلافة عبر التاريخ، عندما اكتشف الجيل الجديد من الشباب الكثير من المعطيات الصادمة التي كانت بحاجة إلى بحث طويل في المراجع والمصادر الورقية قبل ظهور العالم الافتراضي، ما جعلها لا تتوفر في السابق إلا لدى نخبة محدودة من الفقهاء والكتاب والمثقفين، فصارت اليوم متاحة للجميع.

غير أن نقطة الضعف في هذا التحول كله، هو أنّ اعتراف تيار الإسلام السياسي بفشل “الصحوة” لم يأت من نقد ذاتي داخلي تلقائي، بل جاء للأسف مرة أخرى بإيعاز من قوى خارجية، من أمريكا تحديدا، فـ”الصحوة” انطلقت تحت مظلة أمريكا ضدّ الثورة الخمينية وفي مواجهة الاتحاد السوفياتي، وها هي تنتهي بقرار أمريكي، عندما أصبحت “الصحوة” وبالا على أمريكا والغرب بكامله، إذ لم تعد تعرقل تطور البلدان الإسلامية فقط بل صارت تشكل خطرا حتى على بلدان الغرب المستقرة نفسها، والتي اعتقدت في لحظة ما أن هذه “الصحوة” تخدم مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية. هذا يعني أنّ جميع التحولات الطارئة يقودها الغرب مرة أخرى، وتغيب المبادرة النابعة من تربة البلدان الإسلامية ذاتها، وبإرادة المسلمين أنفسهم.

تصفية تركة الصحوة:
إذا كانت ميراث الصحوة كارثيا بجميع المقاييس، فإن تصفيته يقتضي برنامجا مُحكما من الإجراءات العملية على المدى القريب، المتوسط والبعيد، وأهمّ هذه الإجراءات باختصار شديد ما يلي:

1) القيام بمراجعة إصلاحية حاسمة لتمييز “الحي” من “الميت” في التراث الديني، ويتمثل الحيّ في القيم الإنسانية الكونية التي توجد في جميع الثقافات والتي قامت عليها كل الحضارات، حيث تتلاءم اليوم مع منظومة حقوق الإنسان ومع التزامات الدولة الحديثة ومكتسبات الحياة العصرية، والتي ساهمت فيها الحضارة الإسلامية بنصيبها بين الحضارات السابقة.

2) ترسيخ مبدأ الفصل التدريجي بين الدين والسياسة، إذ بدون هذا الفصل يستحيل الإصلاح وتجاوز مطبات “الصحوة”، حيث ظهر بالملموس أنّ الخلط بينهما يؤدي حتما إلى الإساءة إلى الدين بجعله موضع نقد وتجريح، وكذا الإساءة إلى السياسة بإقحام المقدس فيها، وجعلها قائمة على نصوص ثابتة قطعية، تتعارض مع دينامية الواقع وحركيته وتعوق المجتمع عن التطور. وينبغي لدينامية الفصل هذه أن تؤدي إلى ترسيخ التعاقد القاضي بأنّ الدولة ـ كما الوطن ـ للجميع بغض النظر عن كل الفوارق والاختلافات في العرق أو اللون أو العقيدة أو اللسان.

3) بناء النظم التربوية على قيم الحرية والمواطنة والمبادرة والنسبية والعقلانية العلمية، عوض الخرافة والعنف والترهيب، وكذا العناية بالتربية الفنية المهذبة للأذواق، والمانحة للنزعة الإنسية الضرورية في صقل شخصية المواطن.
4) جعل الإعلام ورشا وطنيا في خدمة التنمية الفعلية، وفي خدمة الخبر والتثقيف والترفيه الهادف، وتطهيره من الدعاية السلطوية ومن الأصوات الداعية إلى العنف والكراهية، والممجّدة لثقافة اللامساواة واحتقار المرأة، والمتعارضة مع التزامات الدولة وتعهداتها الحقوقية.

5) الإرشاد اليومي والتحسيس بالتطورات القانونية والاجتماعية والسياسية عبر حملات إعلامية لجعل المواطنين يدركون معنى تلك التطورات وقيمتها ومردوديتها على حياتهم الفردية والجماعية.

6) تجريم الفكر الإرهابي وكل أشكال التكفير وخطابات الكراهية، التي لا تعتمد الحوار والنقاش الفكري والسياسي الهادف إلى التفاهم والتبادل السلمي والحق في الاختلاف. وجعل الحوار الوطني رأسمالا غير قابل للمساومة والاختيار الديمقراطي غير قابل للتراجع.

7) التوزيع العادل للثورة ومحاربة الفقر من أجل قطع الطريق على من يقوم بتوزيع الصدقات واستغلال فقر الفقراء لنشر الجهل والوصاية .
تنبيه هام:
سوف لن تنجح الخطوات المشار إليها إذا لم يتوفر شرطان اثنان:
ـ إرادة سياسية لدى الأنظمة التي أصبح التطرف الديني يشكل خطرا عليها.
ـ جبهة اجتماعية قوية ومنظمة تضم كل الديمقراطيين القادرين على التعاون من أجل إحداث الثورة الثقافية المطلوبة، تزامنا مع الإصلاحات الرسمية.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

4 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
عبدالله
المعلق(ة)
23 يونيو 2019 00:24

البرنامج الذي اقترحته لتصفية التركة هو المعمول به منذ الاستعمار إلى الآن ،وهذه الوضعية التي وصلنا إليها اليوم هي النتيجة ،أتمنى أن تقول خيرا أو تصمت .فقد خربت وأمثالك البلد منذ الاستقلال .

عبد ربه
المعلق(ة)
22 يونيو 2019 00:12

لم تكن هناك صحوة حقيقية حتى تنتهي, الصحوة الحقيقية التي نعيشها اليوم هي صحوة الإلحاد في ظل غياب الوعي الديني وتخصيص المنابر لمثل هؤلاء المنافقين الرافضين الإعتراف بما جاء به الإسلام ودعى إليه من مساواة وشورى في الأمر وعدالة إجتماعية وطلب العلم والتحلي بالأخلاق الحميدة والوحدة والأخوة والقضاء على الفقر.

يونس العمراني
المعلق(ة)
21 يونيو 2019 21:04

قامت في أوروبا الدول الحديثة التي نقلت السلطة للشعب وفصلت الدين عن الدولة وصاغت مجموعة من القوانين التي نظمت الحياة بكل جوانبها ورسخت مفهوم حرية الفكر والعقيدة للإنسان. وصلت هذه الأفكار في النصف الثاني من القرن التاسع عشر إلى منطقة الشرق الأوسط وتمظهرت ببروز جمعيات سياسية وعلمية وشخصيات واتجاهات علمانية وقومية، وكثرت المدارس والمطابع والصحف. وانتشر التعليم نسبيا وتوجهت بعثات إلى أوروبا وعادت حاملة الرغبة بالعمل على الاستفادة من التجربة الأوروبية في تحديث مجتمعاتها وبلدانها. حتى الحرب العالمية الثانية، كانت إيران الشاه وتركيا الأتاتوركية والدول العربية المحكومة من سلطات انتداب أوروبية، تقوم ببناء مؤسسات دولة حديثة على أسس مدنية، وفي هذا الوقت كان هناك شكل معتدل من التدين الشعبي في كل دول الشرق الأوسط. وافريقة هناك نساء محجبات وغير محجبات بنسب متفاوتة حسب البلد والمنطقة، وحتى الحجاب كان شكليا في الكثير من الحالات ولم تكن أغلبية دول الشرق الأوسط وشمال إفريقية قد تعرفت على النقاب بعد. في أغلب المدن والبلدات كان هناك المساجد وهناك الملاهي والحانات وكانت العلاقة حسنة بين من يرتادهما فقد كان التدين سموحا وودودا وكانت الموعظة الحسنة هي الوسيلة الوحيدة للعائلة والمجتمع لتوجيه الشباب، وترافق ذلك مع حيوية سياسية وثقافية، لقد كان الشرق الأوسط في ذلك الوقت مشابها لبقية العالم.

في القرن العشرين ظهرت شخصيات وحركات ذات توجهات إسلامية ترفض ما تسميه موجة التغريب هذه وتريد العودة إلى أمجاد الماضي وعصر الخلافة والفتوحات، وتوسعت هذه الحركات بعد استيلاء ديكتاتوريات عسكرية فاسدة على السلطة في أغلب دول الشرق الأوسط. طرحت هذه الحركات شعارات عامة وقدمت وعودا لجمهورها بحل كل المشاكل التي تعاني منها البلاد دون توضيح كيفية تحقيق ذلك. في الربع الأخير من القرن العشرين تحولت هذه الحركات إلى قوة كبيرة، في ما اصطلح على تسميته بالصحوة الإسلامية. كان من أوائل مظاهرها الثورة الإيرانية عام 1979. كما رافق هذه الفترة الفورة في أسعار النفط وفائض للثروة عند الدول النفطية التي تم توظيف قسم منها في افتتاح مدارس وجمعيات دينية بأهداف دعوية عبر العالم. لم يكن لهذه المراكز برامج سياسية ظاهرة ولكنها أدت في الواقع إلى وجود مئات الآلاف من خريجي المدارس الدينية والذي تحول قسم منهم إلى النشاط السياسي بأشكاله المتدرجة من الأحزاب الإسلامية حتى التنظيمات المتطرفة. ثم أصبحت الأحزاب الإسلامية في الشرق الأوسط هي الأقوى والأكثر تنظيما وساعدها على ذلك تمويلها الجيد ونشاطها خصوصا في إنشاء مدارس وجمعيات خيرية في بيئات فقيرة سكانها بحاجة ماسة لأي مساعدة، وحافظت هذه التنظيمات على قوتها حتى تمكن بعضها من الوصول للسلطة.

في تونس فازت حركة النهضة في انتخابات عام 2011 بـ 89 نائب من أصل 217 وحلت بالمرتبة الأولى وشاركت مع حزبين آخرين في السلطة. في انتخابات عام 2014 خسرت عشرين مقعدا وحلت بالمرتبة الثانية، وفي مؤتمر حزب النهضة عام 2016 أعلن راشد الغنوشي رئيسها أنه لم يعد هناك مبرر لمصطلح الإسلام السياسي في تونس اليوم، وأن الحركة تعبر عن مسلمين ديموقراطيين وهدفه جمع الإسلام مع الحداثة. بهذا المعنى، تخلت الحركة عن الدولة الإسلامية وتطبيق الشريعة، وكان من تبعات ذلك تبني تونس في 2017 لقوانين ثورية مثل السماح بزواج المسلمة من غير المسلم والمساواة بالإرث بين الجنسين ومناهضة العنف ضد المرأة.

التجربة المصرية كانت مختلفة تماما. فقد فاز مرشح الإخوان المسلمين المرحوم محمد مرسي بالرئاسة بفارق ضئيل على منافسه، ولكن سرعان ما أدت مجموعة من الإجراءات التي اتخذها إلى الاصطدام مع القضاء والصحافة. ورافق ذلك، اعتبار بعض الإسلاميين لأنفسهم كأوصياء على سلوك المصريين ولباسهم. وجرى افتتاح عشرات المحطات التلفزيونية الجديدة التي تقدم مجموعة من البرامج الدينية والدعوية يقوم بعضها بتفسير الأحاديث أو الأحلام بشكل متخلف لم تعرفه مصر سابقا. وعبر ممثلو التيارات الإسلامية عن رغبتهم في منع إصدار تراخيص لبيع الخمور أو إقامة حفلات راقصة وكان من أساليبهم شراء أمثال هذه المحلات وتحويلها إلى محال تجارية وقد نجحوا في بعض الحالات. وطالبت بعض قواعد الإخوان قياداتها بسرعة تطبيق الشريعة. كما عانى القطاع السياحي بشكل خاص من الركود وهو أهم مصادر العملة الصعبة بسبب ميول حركة الإخوان المسلمين لتقييد حركة وسلوك السياح وارتباك سياساتها. وارتفعت ديون مصر الخارجية خلال عام واحد من 34.4 مليار إلى 43 مليار دولار وارتفع الدين الداخلي من 180 مليار إلى 232 مليار دولار. نتيجة لكل هذا، تصاعدت المخاوف الشعبية من التوجه لتقييد الحريات تحت شعارات المجتمع الإسلامي مما أدى لظهور عدة فعاليات معارضة كان أبرزها حركة “تمرد” التي جمعت ملايين التواقيع للمطالبة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وهو ما رفضته جماعة الإخوان المسلمين لمعرفتها بخسارة السلطة في حال إجرائها. أدى ذلك، إلى نزول عشرين مليون مصري للتظاهر ضد حكم الإخوان المسلمين وتبعه من اضطرار الجيش المصري للتدخل وإنهاء حكم الإخوان المسلمين.

وهناك النظام الإسلامي في إيران والمستمر في السلطة منذ 39 عاما وكل الدلائل تشير إلى فشل كبير سياسي واقتصادي ومعيشي أكدته المظاهرات الأخيرة والتي أظهرت للعلن حجم وعمق المشاكل التي يعاني منها هذا النظام. وفي تركيا، يحكم حزب العدالة والتنمية في تركيا، الذي سرعان ما تحول، بعد الإنجازات الكبيرة التي حققها في السنوات الأولى من عام 2002 حتى عام 2018، إلى شكل من الحكم الفردي يدور حول شخص واحد هو الرئيس أردوغان. ولم تكن السنوات الأخيرة ناجحة، وترافقت مع اعتقال لعشرات الآلاف، فقد أعلن وزير الداخلية التركي سليمان صويلو في نيسان/أبريل 2017 عن توقيف 113260 شخصا في إطار التحقيقات بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، وتم تسريح عدد أكبر من ذلك من العمل لأسباب سياسية، وفرضت قيود واسعة على الصحافة وحرية التعبير وحق التظاهر في تراجع واضح يشمل كل مؤشرات الديموقراطية. ما لبثت أن تحولت التجربة التركية، التي كانت مثالا يتيما يستخدمه الإسلاميون للتدليل على إمكانية نجاح حكم حزب إسلامي، إلى نظام شبه ديكتاتوري وكثرت المشاكل حول سياسات تركيا الداخلية والإقليمية والدولية لتصبح مثالا جديدا على فشل الإسلام السياسي.

فشل الإسلام السياسي أدى إلى تراجع التدين الشعبي، ففي إيران انخفضت نسبة التدين بين الشعب الإيراني بشكل كبير. وقال أستاذ العلوم الدينية والفيلسوف الإيراني محسن كاديفار: “إن الإسلام الذي تروج له الدولة دفعت معظم الإيرانيين للإعراض عن دينهم”. وتزعم المنظمة الإنجيلية “أبواب مفتوحة” على موقعها الإلكتروني أن عدد المسيحيين في إيران ارتفع من 300 ألف إلى 460 ألف شخص. ورغم عدم القدرة على إثبات هذه الأرقام، إلا أن الاتجاه لاعتناق دين آخر غير الإسلام لا يمكن إنكاره. ويقول علي صدر زاده “يدق حراس الفضيلة في إيران ناقوس الخطر فالمساجد في الجمهورية الإسلامية قد تفرغ من مرتاديها، والجيل الشاب على وجه الخصوص هو من يهرب من التدين إلى طوائف صوفية أو المسيحية”. ويحمل إقدام عدد من المتظاهرين خلال الاحتجاجات الأخيرة على إحراق حوزات ومقامات دينية في بعض مناطق إيران دلالة في الاتجاه نفسه، بالإضافة طبعا إلى نزع الحجاب للتعبير عن رفض للجمهورية الإسلامية.

ما يحدث في إيران من انخفاض في عدد المتدينين أو حتى كراهية الدين يتطابق مع ما حدث في العراق وسورية لمن خضعوا لحكم داعش وأشباهها التي تقول إنها تطبق الشريعة الإسلامية. فقد فتحت مشاهداتهم لعمليات قطع الرؤوس واليدين والممارسات الوحشية لهذه التنظيمات الباب للتساؤل حول الشريعة الإسلامية والحدود في الإسلام وكتب الحديث وزرعت عندهم شكوكا مشروعة حول كل ذلك، وبعد تحررهم من سلطة هذه التنظيمات سرعان ما خلعت النساء الثياب السوداء وأحيانا الحجاب تعبيرا عن رفضهن لكل ما شاهدوه تحت اسم تطبيق الشريعة، كما يمكن ملاحظة هذا التحول لدى موجات اللاجئين الذاهبين إلى أوروبا حيث يصبح سلوكهم وملابسهم أكثر انفتاحا وتحررا كلما ابتعدوا عن موطنهم.

كل ما نشاهده ونقرأه اليوم ومناخ الحيوية الثقافية والفكرية النسبي الذي يحدث في كل دول الشرق الأوسط وخاصة تلك التي تعرضت لتجربة حكم إسلامي مثل مصر، والبرامج والندوات التي تعقد للمطالبة بتجديد الخطاب الديني لم تكن لتحدث لولا فترة الحكم الفاشلة هذه، ولولا إخفاق حركات الإسلام السياسي بشكل عام في تقديم نموذج مقبول أو واقعي أو حلول لأي مشكلة يواجهها العالم الإسلامي. وبرزت إلى السطح الكثير من التساؤلات حول بعض القضايا التي كان يعتبر التطرق لها من المحرمات سابقا، لقد اتضح بعد هذه التجارب أن الحل للمشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية المعاصرة لا يمكن أن يكون بالعودة إلى الماضي وأن الإسلام ليس هو الحل.

ابراهيم
المعلق(ة)
21 يونيو 2019 20:10

هذا الانسان ممقوت سبحان الله

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

4
0
أضف تعليقكx
()
x