لماذا وإلى أين ؟

لائحة الثلاثين .. إساءة للوطن والمواطنين

إن أي محاولة لقياس منسوب الديمقراطية بين الشعوب لا يستقيم دونما قياس مدى قدرة  السياسيين على تفضيل وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، وقدرتهم على جعل مصلحة الوطن أولا محددا رئيسيا للممارسة السياسية والتدافع الحزبي.

وإذا ما حاولنا تطبيق هذا المعيار على ممارسة السياسيين المغربية سنجد أن الهمْ الأول لجلهم، لكي لا نقول كلهم، هو مصلحتهم الشخصية والحزبية، حتى ولو كان ذلك على حساب مصلحة الوطن المواطنين، وهنا سنسوق مثالا واضحا، “وضوح الشمس فنهار جميل”، للتعبير عما نقول، ومثالنا هو المقترح المطالب بإضافة 30 برلمانيا وبرلمانية لمجموع أعضاء مجلس النواب.

ما الحاجة إلى 30 برلمانيا وبرلمانية؟

مطلب إضافة 30 برلمانيا قدم رسميا ضمن طلب لفريق الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بمجلس النواب، يقضي بالرفع من عدد البرلمانيين من 395 حاليا إلى 425، من خلال تخصيص “كوطا” لمغاربة العالم تتمثل في 30 برلمانيا. لكن هذا المقترح وخلال مشاورات الأحزاب السياسية فيما بينها، ومشاوراتها مع وزارة الداخلية، أصبحت له أهداف وتسميات أخرى، أبرزها لائحة الكفاءات، التي اقترحها حزب “الأصالة والعاصرة”، فيما رأى آخرون أن تضاف المقاعد الثلاثين إلى اللائحة الوطنية للنساء، وفي المحصلة إجماع، إن لم نقل تسوية بين الأحزاب الممثلة في البرلمان على هذه الإضافة، حتى من طرف أحزاب أبدت معارضة شرسة لهذه الفكرة بداية، ك”البيجيدي” القائد للحكومة، ذو الوجهين.

هذا التسوية لم تلق أي اعتراض من طرف أم الوزارات، فخلال اللقاء الأخير بين الأحزاب ووزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، الذي يشرف على المشاورات بصفته الرئيس بالنيابة للجنة الانتخابات، حصلت الأحزاب السياسية على موافقة مبدئية منه بالرفع من عدد أعضاء الغرفة الأولى”، بحسب ما نقله مصدر حزبي حضر اللقاء.

ما العيب في إضافة 30 برلمانيا؟

يجب التأكيد بداية أن هذا المقترح لا يخالف الدستور، لكون هذا الأخير لم يحدد عدد أعضاء مجلس النواب، وهو أمر يختص به القانون التنظيمي، عكس مجلس المستشارين المحدد أعضائه دستوريا بين 90 و120 عضوا، لكنه يخالف روح الدستور والخيار الديمقراطي المنصوص عليه، كما أنه  ليس كل ما لا يخالف الدستور حرفا لا يسيء للوطن والمواطنين. لماذا؟

لأن الحديث عن لائحة كفاءات هي إساءة مباشرة لكل البرلمانيين والبرلمانيات، وسبة في حقهم. فماذا تعني إضافة لائحة للكفاءات غير أن هؤلاء الـ 395 عضوا المتواجدون حاليا تحت قبة مجلس النواب غير أكفاء ولا يحق لهم التقرير في مشاريع قوانين تحكم حياة المواطنين وأن ما يصرف لهم من أموال هو هدر للمال العام.

ولأن هذا المقترح عامل من عوامل تشجيع العزوف السياسي والمشاركة الانتخابية، لكونه سيكرس تلك الصورة المرسومة في مخيلة عدد من المغاربة عن السياسيين والفاعلين الحزبيين بكونهم “انتهازيين وأصحاب مصالح”، وهو ما أظهره مقترحهم هذا الذي جاء كتسوية وترضية للخواطر في إطار مشاورات أقرب منها إلى مساومات من أجل تعديل منظومة القوانين الانتخابية بما يتلاءم وخدمة المصالح الذاتية الضيقة.

ولأن إضافة 30 برلمانيا بمتوسط مجموع تعويضات قدرها 35 ألف درهم سيكلف خزينة الدولة ما يناهز مليون درهم شهريا؛ أي 12 مليون درهم سنويا و60 مليون خلال فترة الولاية التشريعية، وهو مبلغ مهم في زمن يعيش فيه الاقتصاد المغربي ضائقة بسبب ما فعلته به جائحة كورونا.

ولأن الذين وافقوا على هذه الزيادة ويخططون لشرعنتها قانونيا باستغلال السلطات التشريعية التي خولهم إياها المواطنون، (لكونه) لم يستحضروا الوضعية الاقتصادية لبلادهم ولم يتقوا الله في خزينة دولتهم التي تمول من جيوب المواطنين الذي انتخبوهم، يسيؤون أيما إساءة لوطنهم، فالأولى بهم أن يفكروا في صيغة لدعم خزينة الدولة لا أن يتحايلوا لمزيد من نزف مداخيلها.

شرارة شعبية لرفض زيادة مقاعد برلمانية

لم يستسغ نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، أو ما أصبح يعرف بـ”المؤثرين” فكرة إضافة ثلاثين مقعدا برلمانيا لمجلس النواب، فكانت تدويناتهم شرارة أولى لحملة رفض شعبية لهذ اللائحة الثلاثينية.

الرفض لم يبقى حبيس التدوينات بل تطور إلى عريضة رقمية وقّع عليها لحد الآن (نشر المقال) أزيد من 2000 من النشطاء المغاربة الذين يعتبرون أن مبررات الطبقة السياسية للتوافق على تعديل القانون التنظيمي لانتخاب أعضاء مجلس النواب رقم 27.11، وذلك بهدف الزيادة في عدد أعضاء اللائحة الوطنية “واهية ومضرة بالنجاعة البرلمانية”، ولها “تأثيرات سلبية على مصداقية العمل السياسي ومنسوب الثقة في المؤسسات الدستورية”.

العريضة التي تحمل تسمية “عريضة عدم الرضا” تسعى إلى دفع الأحزاب السياسية والحكومة والبرلمان، إلى “التراجع عن هذا الإجراء المتعسف والمستفز، الذي يحمل في طياته مسا بقيمة ومكانة القوانين التنظيمية باعتبارها جزء من الدستور ومكملة له، ويجعلها عرضة للمصالح السياسية”.

ما العمل؟

إن الوصول إلى مجتمعات ديمقراطية لا يمر دون محاربة الانتهازية التي تعيق أي تقدم مجتمعي لكونه سيحد من مصالحها الشخصية. وما تسعى إليه الأحزاب السياسية، وبمباركة من الجهة الوصية، هو استغلال للآليات التوافقية العرجاء من أجل مكاسب حزبية لن تخدم الوطن والمواطنين في شيء، وستعيق التطور الديمقراطي الذي بدونه لا يمكن إحداث أي تنمية اقتصادية ولا رقي مجتمعي أو نهضة ثقافية، لدا وجب على كل أنصار الديمقراطية رفض ما تخطط له هذه الأحزاب بإضافة مقاعد برلمانية بصيغة انتهازية.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

1 تعليق
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
مريمرين
المعلق(ة)
13 أكتوبر 2020 22:37

أحزابنا لا يهمها إلا الحصول على المقاعد في البرلمان وفي الحكومة ، من أجل التمتع بالأجور و التعويضات والامتيازات و عند انتهاء الولاية يكون بانتظارهم تقاعد ما أنزل الله به من سلطان (وسير انت تخدم 30 عام).
أحزابنا تطالب برفع عدد أعضاء البرلمان ، لتزداد فرصهم في الحصول على المقاعد وبالتالي تزداد فرص الاستوزار . أما المواطن فليذهب إلى الجحيم . سنسمعهم كماسمعناهم سابقا (أثناء الحملات الانتخابية) يتبجحون بالكلام عن محاربة الفساد و عن العدالة الاجتماعية و عن تكافؤ الفرص و عن دولة الحق و القانون و … و كله كذب في كذب .
في إيطاليا جرى الاستفتاء (أسطر تحت كلمة ‘ الاستفتاء’) على مطلب تقليص عدد البرلمانيين و قد فاز هذا المطلب بنحو %70.
أحزابنا ليست لها الشجاعة الأدبية و الشجاعة السياسية لتطالب بإجراء استفتاء على رفع عدد البرلمانيين ؛ لأنها
(الأحزاب) تعلم أن المواطنين يقفون بالمرصاد .

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x