لماذا وإلى أين ؟

هل ستنجح؟ .. أحزاب سياسية أمام إمتحان تنزيل أوراش ملكية

تؤكد مختلف الدراسات والتقارير الرسمية وغير الرسمية؛ المغربية منها والأجنبية، أن الوضع الإقتصادي والإجتماعي بالمغرب لا يبشر بالخير، قبل أن تحل علينا جائحة فيروس كورونا المستجد، لتفضح ذلك بجلاء، ليبقى الرهان اليوم على الأوراش الكبرى التي أطلقتها رئاسة الدولة، من أجل وضع البلاد على السكة الصحيحة نحو مسار التنمية.
 
فمن أبرز الأوراش الهامة التي سيشرع المغرب في تنزيلها خلال الأشهر القليلة المقبلة، ورش النموذج التنموي الجديد المنتظر، والذي جرى الإعلان عن الشروع في إعداده ؛ بعد الإعتراف بأن البلاد تسير نحو المجهول، ثم استكمال ورش الإنتقال الديمقراطي، خاصة أن الإختيار الديمقراطي أصبح من ثوابت المغرب بعد دستور 2011، لكن من المسؤول على العمل على تنزيل هذه الأوراش؟
 
من المسؤول؟
 
طبعا؛ المسؤولية محددة في دستور المملكة، من خلال صلاحيات كل طرف، بداية برئاسة الدولة والحكومة مرورا بالبرلمان والأحزاب السياسية وصولا إلى التنظيمات الجمعوية والنقابية، فكل جهة مسؤولة بقدر معين على تنزيل هذه الأوراش، التي ينتظر أن تجعل مستقبل هذا الوطن أحسن من حاضره.
 
لكن ما يهمنا في هذه المقالة، هو دور الأحزاب السياسية في تنزيل الأوراش المذكورة، وقد يتساءل سائل لماذا؟ ببساطة لأن الدولة الديمقراطية هي دولة الأحزاب السياسية، لأن هذه الأخيرة هي من تشكل الحكومة، ومنها يتشكل البرلمان، وهي المسؤولة عن تأطير فئة هامة من المواطنين، كما أنها تكلف ميزانية الدولة 25 مليار سنتيم سنويا، فهل هي قادرة على ذلك؟
 
هل هي قادرة؟
 
سؤال هل الأحزاب السياسية قادرة على تنزيل الأوراش الكبرى في المغرب؟ لا يمكن الإجابة عنه بشكل مباشر، لذلك سنعتمد على معايير محددة لمحاولة الإجابة، أبرزها الوضعية التنظيمية للأحزاب؛ وديمقراطيتها الداخلية، لماذا؟ لأن قوة تنظيم الأحزاب مؤشر على كفاءة قياداتها وأطرها، فلا يمكن للأحزاب الضعيفة والمهترئة داخليا أن تسهم في صناعة دولة قوية.
 
أما بالنسبة لمعيار الديمقراطية، فلا يمكن للأحزاب أن تتبنى قضية الديمقراطية إذا كانت هذه الأخيرة غائبة أو ضعيفة الوجود على مستوى هياكلها الداخلية. فهل تستطيع الأحزاب السياسية بوضعيتها التنظيمية الحالية وديمقراطيتها الداخلية الراهنة تنزيل الأوراش الكبرى للمغرب؟ خاصة أننا مقبلين على الاستحقاقات الإنتخابية التي ستغير مكونات الحكومة والبرلمان؟
 
كيف هي الوضعية التنظيمية؟
 
عندما نتأمل الوضعية التنظيمية للأحزاب السياسية اليوم، يعني قبل أشهر معدودة عن موعد الإنتخابات، فأقل ما يمكننا قوله في هذا الإطار هو أن “أحزابنا السياسية مريضة، وأوضاعها لا تسر صديقا ولا تغيظ عدوا”، فشباب الحزب القائد للحكومة انتفضوا قبل أسابيع مطالبين بعودة حزبهم إلى السكة الصحيحة، وأخنوش الذي يحلم برئاسة حكومة 2021، عازه تدبير حزبه الذي اندلعت “الحرب الأهلية” داخله.
 
وحتى وهبي الذي جاء بحسبه ليمحو “خطيئة النشأة” عن “البام”، خرجت له حركة تصحيحية تتهمه بـ”أوصاف خطيرة”، ورحل عنه المئات من “مناضليه” سرا وعلانية نحو أحزاب أخرى، تماما مثل حزب “الكتاب” الذي استفاق على 1500 استقالة منه بمدينة مراكش لوحدها، أما حزب “القوات الشعبية” فقد تحول “180 درجة بعد سقوط قلاعه في يد لشكر”، شأنه شأن “أب الأحزاب السياسية”؛ حزب الاستقلال، أما بقية الأحزاب فتأثيرها محدود في الحياة السياسية المغربية.
 
هل تشفع الديمقراطية؟
لو كانت الديمقراطية داخل الأحزاب، لما أصبحت أحوالها التنظيمية كما سلف ذكره، فلا يحتاج القارئ لنذكره بمؤتمرات الأحزاب التي تتحول إلى “حلبة مصارعة”، لذلك سنقتصر على الحديث عن مؤشرين، أولهما ما صرح به “زعيم سياسي” مؤخرا بخصوص تحويل اللائحة الوطنية للنساء والشباب إلى “ريع سياسي حقيقي داخل الأحزاب”، حيث تضم أبناء وبنات وزوجات وأصهار قادة الأحزاب السياسية، فأين نحن من ورش الخيار الديمقراطي؟
 
المؤشر الثاني، هو النقاش المثار حاليا حول المنظومة القانونية المؤطرة للإنتخابات، حيث جرى حصر كل النقاش المتعلق بالاستحقاقات الإنتخابية المقبلة؛ في نقاش تقني، متعلق بالقاسم الإنتخابي و”الكوطة” وتوزيع “كعكة” المقاعد، بدل الإهتمام بالنقاش الحقيقي المتعلق بالرهانات المستقبلية للبلاد؛ خاصة بعد جائحة كورونا، فأين نحن من ورش النموذج التنموي الجديد؟

ماذا عن الحكومة والبرلمان؟

من الأحزاب السياسية تشكل الحكومة ومنها يتشكل البرلمان كذلك، وبالتالي لا ضير أن نلقي نظرة عل هذه المؤسسات، لأنها في آخر المطاف نتاج للواقع الذي تتخبط فيه الأحزاب، بحيث أن نخبها تفرزها منافسة التنظيمات الحزبية في الإنتخابات. فالبرلمان هو من يواكب تنزيل الحكومة لبرامجها عبر الرقابة والمساءلة، لكن أن تكون حصيلة أعداد من البرلمانيين “زيرو سؤال” طيلة الولاية أو أكثر من ذلك بقليل، فعن أية مراقبة و مساءلة نتحدث؟

أما الحكومة، فذاكرة المغاربة لن تنسى وزير الكراطة، ووزير الشكلاط، والكوبل الحكومي، ووزيري الضمان الاجتماعي، لكن أبلغ من ذلك كله، هو إسقاط الملك للحكومة، وإعلان تعديل حكومي، ليُفرز لنا ما سمي بـ”حكومة الكفاءات”، وهذا الوصف لوحده يؤكد أن الحكومة السابقة لا تضم الكفاءات، وبالتالي هناك إشكال عميق في الأحزاب السياسية.

الخلاصة

الأحزاب السياسية عماد الديمقراطية؛ نعم، لكن يجب العمل على تقوية هذه التنظميات، فما نملك اليوم غير قادر على تنزيل أوراش من حجم النموذج التنموي واستكمال مسار الانتقال الديمقراطي، طبعا؛ لا نعمم، فإن وجد حزب ذو كفاءات ويحترم ديمقراطيته الداخلية، أو حزبين أو ثلاثة، لا يمكن أن يعطي أي ضمانات للإطمئنان على المستقبل، ما دام النسق كله متمسك بممارسات لا تتقدم بالأداء المؤسساتي.

ثم ألا يمكن اعتبار تكليف عاهل البلاد لجنة تكنوقراط بإعداد نموذج تنموي جديد، فشلا للنخب السياسية من داخل المؤسسات الدستورية ومن خارجها في إنتاج نموذج تنموي؟ ألم تكن الحكومة بكل إمكاناتها مدركة أن النموذج التنموي الحالي بلغ مداه وقدم أقصى ما يمكن أن يقدمه كما جاء في الخطاب الملكي؟ أم أنها تعلم لكنها غير قادرة على الإبلاغ عن ذلك؟ ثم ألم يكن البرلمان بتقييمه الدوري للسياسات العمومية مدركا لعمق الأزمة التي كانت البلاد تواجهها؟

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x