لماذا وإلى أين ؟

أنا مؤثر: مرض التدوينية الطفولية

خالد البكاري

كانت خرجة عمدة فاس حول “تحالف” البيليكية والديبشخية مناسبة للحديث عن وهم وجود مؤثرين في الحقل السياسي من بوابة الشبكات الاجتماعية.

ولذلك اخترنا عنوانا لكرونيك اليوم مستعارا من مقولتين، واحدة للنين والأخرى لإلزا غودار.

كتبت إلزا غودار عن هوس الناس بصور “السيلفي” كتابا عنونته ب : “je selfie donc je suis: les métamorphoses du moi à l’ére du virtuel” ، وقد ترجمه للعربية بأناقة سعيد بنگراد (أنا أوسلفي، إذن أنا موجود: تحولات الأنا في العصر الافتراضي).

في الكتاب حديث عن أشكال الوهم والتيه والتضليل التي تخلفها عملية التقاط صور السيلفي، ثم تقاسمها، وهو وهم ينمو كلما صاحبت عملية التقاسم تقنيتا الفوطوشوب والفلتر، وهذه الأوهام هي تقريبا نفسها التي يمكن معاينتها حين يصاب المرء بداء توهم أنه مؤثر في الفضاء الافتراضي، حيث تقوم التعليقات المجاملة بدور الفلتر.

تعتبر غودار أن تضليل السيلفي في أنه يوجه العدسة باتجاه الذات، لا باتجاه الواقع المرئي بالعين حين تشتغل دون وسيط (كل وسيط يقوم بتضليل بناء على فخ الإخفاء والإظهار)، مما يؤدي بدل إدراك المحيط/ الواقع إلى إعادة إنتاج نسخ عابرة من الذات كما نريدها لا كما هي.

الأمر نفسه تقريبا يمكن ملاحظته عند المصابين بوهم “أنا أؤثر، إذن أنا موجود”، حيث إن وضعهم الحقيقي (طبقيا، ومعرفيا، وجدانيا،،) يختفي خلف تضليلية بديل افتراضي، إذ لا يحيون إلا في التدوينات التي يكتبونها، وضمن سيل التعليقات. فينشأ مع طول إدمان هذه “الوظيفية” نوع من التماهي المرضي، الذي لا يلبي الواقع الحقيقي انتظاراته، مما يجعل” المؤثر” يدخل في حالة إنكار للواقع، عبر نسج قصص متخيلة عن الناس الذين يلتقطون معه صورا في محطات القطار، وعن الذين يسألونه في الخاص، فيضطر لإجابتهم علنا.

إن هذا الانفصال عن الواقع هو الذي أسميه بمرض الافتراضية الطفولية، اقتباسا من لينين في نقده للأممية الثانية (كاوتسكي، آدلر،،)، إذ الانفصال والهوة العميقان بين خطاب يدعي تمثيل الواقع، وبين جماهير تعيش وتنفعل بأسئلة وهواجس أخرى،،

في دراسة إحصائية قام بها موقع globalinfluence حول المؤثرين، اعتمد فيها على تقسيمهم إلى فئتين: الفئة الأكثر تأثيرا في النت خارج المواقع الاجتماعية ( تكرار ورودهم على محركات البحث)، وفئة الأكثر تأثيرا في الشبكات الاجتماعية (الهاشتاغات، البحث، التقاسم..)

.

حين نبحث في نتائج هذه الدراسة بخصوص المغرب، لن نتفاجأ بعدم ورود اسم أي ممن يحسبون مؤثرين فيسبوكيين دون أن يقلدهم أحد هذا اللقب،، ففي الفئة الأولى نجد: أندري أزولاي وطه عبد الرحمان والمقرئ الإدريسي، اما في الفئة الثانية التي هي موضوع الكرونيك، فنجد: الشيخ سعيد الكملي، وناصر الزفزافي، وأمين رغيب.

إن الغرض من كل ما سبق هو تبيان أننا كنا على مدار أسبوع في حلقة من الوهم والتضليل: وهم اعتقاد البعض بأنهم مؤثرون، وتضليل متعلق بتصفية صندوق معاشات البرلمانيين.

لقد كانت ثمة معارك سابقة خرجت من الشبكات الاجتماعية (رفض العفو عن البيدوفيل كالفان، المقاطعة، تجميد مشروع قانون الكمامة، ،) ،ولكن لم يكن وراءها أي اسم معدود على المؤثرين تجاوزا، بقدر ما كانت تحركا جماعيا، بخلاف ما حصل مع تقاعد البرلمانيين، حيث الموافقة على تصفية صندوقه لم تكن نتيجة أي ضغط على الشبكات الاجتماعية، بل ببساطة لأنه كان قد وصل إلى الإفلاس، ومنذ ثلاث سنوات وهو لايؤدي أي تقاعد/معاش لأي برلماني سابق، ولم يكن من حل سوى تصفيته ( وهو ما كان ينادي به نواب البيجيدي وفيدرالية اليسار والبام) بعد فشل إصلاحه ( مقترح الأحرار والاستقلال والاتحاد الاشتراكي والحركة..).

إن عدم تمكن الأزمي من آليات التواصل الخطابي، هو الذي غذى وهم انتصار “المؤثرين الاجتماعيين”.

على أن خطورة كلام الأزمي في اعتقادي ليست هي دفاعه عن التعويضات (وليس المعاشات).

فيمكن أن نناقش منطقه في الدفاع عنها انطلاقا من أسئلة مرتبطة بزواج السلطة والثروة، وتحكم “الدوماليين” في المؤسسات المنتخبة، وكيف نزاوج بين حماية المؤسسات من شراء المنتخبين لخدمة لوبيات مالية، وبين حماية المؤسسات كذلك من التحول لمعبر نحو التسلق الطبقي فقط.

ولذلك لا أر بطولة عند من يستنكر على الأزمي وصفه للممتعضين من كلفة التعويضات وتعددها بالشعبويين، فيما هم يصفون بدورهم من ينتقد امتيازات وأشكال ريع أكبر من هذه التعويضات بالشعبويين والعدميين.

إنها حرب بوليميك متبادلة بطلقات فارغة.

الخطورة في كلام الأزمي حين يدعو لمواجهة رأي مخالف ( حتى ولو افترضنا أنه مدفوع) بإجراءات تشتم منها رائحة تقييد حرية التعبير رقميا.

إن هذه المسارعة إلى لغة التكميم سواء عند السلطة أو الأحزاب أو النخب او حتى عند من يعتبرون أنفسهم مؤثرين، تبين أننا لم نتخلص بعد من أسر سلطوية دفينة تعتبر الآخر لا يستحق غير النبذ، فالجميع يدعي الديمقراطية، فيما الجميع يسعى لإجماعات لا يستسيغها حتى الواقع. ولسان الجميع : انا الحقيقة.

يختصر الرئيس البرازيلي السابق لولا دا سيلفا جزء من هذه الملاسنات غير المنتجة بقولة وردت في آخر حوار له مع “إل باييس” : ” في السياسة حين يفتقر الواحد إلى شيء يقدمه، يهاجم الخصم، ويجعل منه موضوع أي نقاش”، ،

تلك حال الفريقين قبل واقعة الديبيشخي ، وسيستمر بعدها.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها حصرا.

 

 

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x