لماذا وإلى أين ؟

هل تنجح المقاطعة في شل اقتصاد فرنسا؟

اجتاحت حملة مقاطعة المنتوجات الفرنسية دولا عربية عدة على خلفية تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أثناء مراسم تأبين الأستاذ المقتول لنشره رسوما كاريكاتورية مسيئة للرسول، حيث اعتبرها الكثيرون هجوما على الإسلام و “سخرية من المقدسات”، لكن تزامنا مع هذه الحملة يتساءل عدد من المتتبعين عن جدوى هذه المقاطعة مادامت تستهدف فقط المنتجات الغذائية ولم يتم إقرارها رسميا من طرف الحكومات.

المقاطعة التي دعا إليها أشخاص من مختلف الدول الإسلامية على مواقع التواصل الاجتماعي، تعتبر حرية للتعبير عن الغضب وشكلا احتجاجيا قد يؤتي أكله، لكن هذه المقاطعة يعتبرها آخرون، في ذات الوقت، رسالة رمزية تمكنت من إخافة فرنسا على اقتصادها، إلا أنها لن تتخطى العالم الافتراضي، وإن فعلت ستكون منعزلة على عدة اعتبارات على رأسها مسألة الوقت والانتقائية في المقاطعة وكذا عدم اتخاذ المقاطعة قرارا رسميا من طرف الدول.

العديد من الأفراد الذين دعوا إلى مقاطعة بضائع فرنسا ركزوا بالأساس على المواد الغذائية بالمتاجر والأسواق التجارية الكبرى، غافلين أن البلد يصدر أشياء ذات قيمة أكبر من الحليب ومشتقاته، خاصة بدول شمال إفريقيا التي تعد فيها الجمهورية الفرنسية الشريك التجاري الأول، بقيمة صادرات بلغت السنة الفارطة 6 مليارات دولا للمغرب وفي الجزائر بلغت أكثر من خمسة مليارات، وفي تونس أكثر من 3.5 مليار دولار، بحسب موقع “خريطة التجارة”.

فإذا تمكن العديد من مقاطعة المواد الغذائية الفرنسية والتي ستكبد الشركات خسارة فادحة لا محالة، فإن الاقتصاد الفرنسي قد لا يتضرر لأنه يصدر أيضا الأدوية والسيارات والماركات الفاخرة للعطور والمواد التجميلية، وهذه الصادرات لم يتم إعلان مقاطعتها كما أنه من الصعب مقاطعتها، وبالتالي العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية بين فرنسا وأغلب الدول الإسلامية لن تتأثر خاصة إذا علمنا أيضا أن الدول المعنية لن تجرؤ على إلغاء صفقات التجارة والتسلح.

ما يكمن قوله، أن مقاطعة اقتصاد دولة كفرنسا يبقى رهينا بعدة عوامل لم تتحقق بعد، رغم أن الوضعية الحالية التي يشهدها العالم اليوم جراء تفشي الجائحة، أضعفت جميع اقتصادات العالم بدرجات متفاوتة، وفرنسا ليست في منآى عن ذلك إذ ساء اقتصادها حتى قبل ظهور الفيروس، وبالتالي قد تكون المقاطعة مجدية في حالة ما تبنتها الحكومات المعنية وأوقفت جميع مبادلاها التجارية بدون استثناءات.

الإشكال اليوم ربما هو أكبر من كل أنواع الاحتجاج، القضية التي نحن بصددها لها بعدين كل طرف ينظر إليها من منظاره الخاص، حرية التعبير من جهة وازدراء الدين الإسلامي من جهة ثانية، والحل لا يكمن في طيات التصريحات والتصريحات المضادة واتخاذ موقف وإلإعلان عن موقف مضاد بقدر ما هو أزمة تواصل المؤسسات وأزمة تدبير الاختلافات، في ظل تشبت كل الأطراف بمبادئها منذ عقود من الزمن.

مواقف دول قد لا تعني بالأساس مواقف شعب، ومواقف الشعوب لا تجسدها إرادة الحكومات وبالتالي للكل الحق في الاختيار والتعبير عن مايراه حقا مشروعا، والمقاطعة كما أسلفت الذكر تبقى حرية شخصية وموقف يحترم إلا أن نتائجها مرتبط بتحديات وعوامل وإشكالات أخرى قد تكون لها تداعيات سلبية على العرب والمسلمين المقيمين بفرنسا لا على المستوى الاجتماعي و الاقتصادي والثقافي، ومع ذلك يبقى السؤال مطروحا: هل تنجح المقاطعة في شل اقتصاد فرنسا؟

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

2 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
abdeltif NAMISS
المعلق(ة)
29 أكتوبر 2020 19:29

خير من بلاش مقاطعة المنتوجات الفرنسية لا محالة ستضر بالاقتصاد الفرنسي .

حلوف الغابة
المعلق(ة)
28 أكتوبر 2020 22:45

فرنسا تعيش على ظهر افريقيا العز لرواندا قطعت كل علاقاتها بماهو فرنسي واصبحت سابع اقتصاد سريع النمو في العالم علينا القطع مع فرنسا وتعليم الانجليزية مفتاح التقدم والازدهار

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

2
0
أضف تعليقكx
()
x