لماذا وإلى أين ؟

عصيد يكتب: النهج الديمقراطي بين الإجماع والحق في الاختلاف

قد نختلف في الرأي مع حزب النهج الديمقراطي، لكننا لا نملك أن نغصبه حقه في الوجود والتعبير عن مواقفه الراديكالية المعارضة للنظام، حتى لا نكون أقل ديمقراطية من النظام نفسه الذي قبل بوجوده.

إن لليسار الراديكالي فلسفته واختياراته التي لا تتقبل قواعد اللعبة السياسية كما تفرضها السلطة وتنخرط فيها الطبقة السياسية، وعلينا إذا ما قبلنا بوجود تعددية حقيقية في حياتنا السياسية، أن نقبل ما يترتب عنها من اختلاف في الرأي والموقف السياسي والفكري.

تسابَق بعض المواطنين في التهجم على حزب “النهج الديمقراطي” ممثل اليسار الجذري المغربي، باعتماد أسلوب التخوين القديم والتجريد من الوطنية دون الحديث عن القذف والتشهير والسخرية، إنه نوع من استعراض “الوطنية” عبر التهجم على حق الغير في الاختلاف (وباسم “إجماع” ليس في حقيقته إلا نوعا من الحجر على الرأي). هؤلاء لا يساهمون كما يعتقدون في تدعيم الوحدة الترابية للبلد، التي ضامنها الحقيقي هو العدل والمساواة والترسيخ الديمقراطي. بل فقط يقومون بتصفية حسابهم مع من عبر عن موقفه السياسي الثابت عوض الركون إلى الصمت.

إن موقف الأغلبية الساحقة من المغاربة في قضية الصحراء معروف ومعلوم لدى الجميع، وهو ما يجعلنا نتساءل في اطمئنان عن الضرر الذي يمكن أن يحصل لبلدنا في هذا الملف بالذات، جراء موقف أقلية سياسية عبرت بشجاعة ووضوح عن رأيها الذي لا يغير شيئا من الموقف الوطني للدولة والطبقة السياسية والمجتمع المدني والنقابات وأفراد المجتمع بمختلف فئاتهم.

على المغاربة أن يدركوا بأن حرية الرأي والموقف السياسي أو الفكري لا يحكمها “الإجماع” ولا يحدها رأي الأغلبية ولا التيار العام السائد، ولا الانضباط لتعليمات جهة ما، إنها حق مبدئي لكل واحد ولكل طرف في الحياة السياسية، وحتى عندما يتعلق الأمر بأصلب المقدسات، فإن هامش الرأي المختلف يظل مساحة مقدسة كذلك.

من جانب آخر لا أفهم كيف يكون الحديث عن “الاستفتاء وتقرير المصير” خيانة للقضية الوطنية في الوقت الذي سبق لملك المغرب الحسن الثاني نفسه أن قبل بهذا المبدأ الدولي، مرتكبا بدوره خطأ اعتقال الزعيم الاتحادي عبد الرحيم بوعبيد الذي كان قد عبّر عن رأيه المعارض للملك برفض الاستفتاء، معتبرا الصحراء أرضا مغربية بدون استطلاع رأي أحد.

ويعلم الجميع السبب الرئيسي لعدم إجراء استفتاء ولا تقرير مصير في الصحراء والمتمثل في الخلاف الجوهري بين الدولة المغربية والبوليساريو حول من هم الصحراويون الذين يحق لهم التصويت في الاستفتاء، هل هم المتواجدون في الرقعة الجغرافية للأقاليم الصحراوية، أو جميع المنتمين إلى القبائل والعائلات الصحراوية حيثما وجدوا على التراب الوطني، وهذا الخلاف الجوهري هو الذي جعل اللجوء إلى الاستفتاء أمرا مستحيلا ومتجاوزا، ويجعل خيار الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب أكثر واقعية وقابلية للتنفيذ.

ومعنى هذا في النهاية أن القول بالاستفتاء وتقرير المصير ليس جريمة ولا خروجا عن الوطنية، كما أن موقف اليسار الجذري مرتبط بموقفه العام من النظام السياسي المغربي، وإذا كان هذا النظام قد قبل بوجود حزب “النهج الديمقراطي” فإنه عمليا يتقبل مواقفه المعارضة راديكاليا لمواقف الدولة، وعلى بعض المواطنين والفاعلين السياسيين والمدنيين – وهم يدعمون القضية الوطنية – ألا يكونوا أكثر ملكية من الملك.

أما حديث البعض عن “حل الحزب” فعلاوة على ما ينطوي عليه من نزعة فاشستية، فإنه يمثل ضررا كبيرا بالتجربة الديمقراطية المغربية، ونكوصا خطيرا إلى الوراء يجعل ماضينا القريب أفضل بكثير من حاضرنا، وهو ما لا نتمناه لبلدنا.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

 

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

5 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
مواطن مغربي قح
المعلق(ة)
23 نوفمبر 2020 13:17

حين تبلغ أغلبية المغاربة إلى المستوى الفكري الذي يتحدث عنه السيد احمد عصيد، بما يعنيه الأمر من وضوح في المنطق والرؤية، عندئذ يمكننا إن نجزم بأن بلدنا العزيز، يمكنه إن يصنف بدون ريب على قمة الدول العربية و الإسلامية والافريقية، بل سيكون أفضل حتى من فرنسا واسبانيا وكثير من الدول المسماة دؤمق اطية

المغربي
المعلق(ة)
22 نوفمبر 2020 19:27

اتقوا الله يابنو انسان! يارييت لو كانت وطنية احمد عصيد ككل المغاربة.

مغربي
المعلق(ة)
22 نوفمبر 2020 19:11

فلسفة الإختلاف في الرأي وحرية التعبير عن الموقف في أية قضية مجتمعية، لا يستوعبها إلا أهل الفكر والسياسة النزهاء نقطة عودة الى السطر

حسن
المعلق(ة)
22 نوفمبر 2020 16:43

وزير انجليزي قال يوما حين يتعلق الأمر بأمن بلدي و استقراره فلا تحدثوني عن حقوق الإنسان. انتهى الكلام. هؤلاء مجرد مرتزقة خونة يصطادون في الماء العكر

ملاحظ
المعلق(ة)
22 نوفمبر 2020 10:21

اعتقد ان الوحدة الترابية اجماع شعبي وهي ليس مرسوم او قرار صدر عن جهة مسوولة فيي الدولة يحق قبوله اورفضه. نعم اختلاف الراي امر عاد اما الخروج عن اجماع الامة فاعتقد انه شيء اخر. وكفى من البحث عن التبريرات واللعب على الكلمات الاسود اسود والابيض ابيض. نحن مع حرية الراي لكن رأي العقلاء المتزنين.

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

5
0
أضف تعليقكx
()
x