2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
رسميا.. حوالي 40 في المائة من السجناء معتقلين احتياطيا

ارتفع عدد نزلاء السجون المغربية في نهاية سنة 2019 إلى 86.384 من بينهم 38.99 في المائة مازالوا احتياطيين، ويعد الاعتقال الاحتياطي من بين المواضيع التي تحظى بنقاش قانوني وحقوقي واسع منذ سنوات، حتى أضحى موضوعا يناقش ضمن الإشكاليات الكبرى المرتبطة بحقوق الإنسان، على مستوى الحق في الحرية، واتخاذ كافة السبل الكفيلة بمتابعته وضمان حسن سير العدالة دون وضعه رهن الاعتقال، خصوصا أن آثاره ملحوظة بالنسبة للفرد والمجتمع على حد سواء، فضلا عما يكلفه من أعباء مالية لخزينة الدولة.
ووفقا لما جاء في تقرير رئيس النيابة العامة حول تنفيذ السياسة الجنائية وسير النيابة العامة 2019، الصادر اليوم الثلاثاء، اطلعت عليه “آشكاين” فإن عدد الوافدين الاحتياطيين على السجون عرف ارتفاعا ملحوظا من 70043 سنة 2001 إلى 107.402 سنة 2019، أي بنسبة زيادة حوال 38.36 في المائة.
سبب ارتفاع المعتقلين احتياطا يرجع لنقص عدد القضاة
وفي هذا السياق، صرحت النيابة العامة في تقريرها لسنة 2019، الذي تأخر إصداره بسبب تأثير جائحة كورونا على سير أشغاله، بأن “نقص عدد قضاة الأحكام وقضاة التحقيق المكلفين بقضايا المعتقلين ولا سيما على صعيد محاكم الاستئناف، ساهم في تراكم أعداد المعتقلين الاحتياطيين بما يفوق قدرات القضاة في إصدار الأحكام”.
التقرير نفسه، أشار إلى أن أغلب المعتقلين الاحتياطيين يدانون بعقوبات سالبة للحرية النافذة، مما يؤدي إلى بقائهم في السجن، وأن وضعيتهم الجنائية وحدها تتغير بحيث يصبحون سجناء مدانين بدل معتقلين احتياطيين.
ويضيف التقرير، الذي اطلعت “آشكاين” على نسخة منه، إنه “إذا كان عدد الساكنة السجنية سجل ارتفاعا، فبالمقابل فإن عدد المعتقلين الاحتياطيين عرف انخفاضا، وعدد المعتقلين الوافدين على السجون في انخفاض حيث نزل من 110.534 وافد جديد سنة 2017 إلى 107.402 وافد سنة 2019، مما يعني أن مشكل تضخم السجون لا يرجع لعدد المعتقلين الاحتياطيين وإنما إلى هيمنة العقوبة السالبة للحرية على النظام العقابي المغربي”.
ولتقليص نسبة المعتقلين احتياطيا، أشار تقرير النيابة العامة، “يلاحظ دائما تضخم قضايا المعتقلين أمام الهيئات القضائية بمحاكم الاستئناف، ونعتقد أن عدد المعتقلين الاحتياطيين يمكن أن يتقلص بنقطتين إضافيتين على الأقل، لينحدر إلى 37 في المائة في حالة توفير العدد الكافي من القضاة للبث في قضايا المعتقلين على مستوى محاكم الاستئناف التي تعرف تضخما في عددهم”.
وسجل التقرير، أنه برسم سنة 2019 تم الإفراج عن 19.519 معتقلا أي ما نسبته 18,2 في المائة من مجموع الوافدين على السجون، الذين صدرت في حقهم أوامر قضائية بالوضع رهن الاعتقال الاحتياطي، وذلك بمقررات موجبة للإفراج مثل الحكم بغرامات أو بعقوبات موقوفة التنفيذ أو بالإعفاء من العقوبة أو بالبراءة، أو السراح المؤقت، أو إيقاف سير الدعوى العمومية وغيرها من المقررات القضائية التي من شأنها إنهاء حالة الاعتقال نهائيا أو مؤقتا.
اعتماد النصوص الجنائية على العقوبات السالبة للحرية
وأكد التقرير، أنه “خلال السنوات الأخيرة صدرت عدة نصوص جنائية عن المشرع المغربي، أغلبها تعتمد على العقوبات السالبة للحرية، ولذلك فإنه إذا كان ما زال مطلوبا من القضاء الزجري بذل بعض الجهود للتقليص من عدد المعتقلين الاحتياطيين، فإن المقاربة التشريعية نفسها يجب أن تُغلب المبدأ القانوني الرامي إلى اعتبار الاعتقال الاحتياطي استثنائيا، بالإضافة إلى ضرورة الإقدام على التشريع لعقوبات بديلة عن العقوبات السالبة للحرية، وإلى المزيد من ضبط معايير إعمال الاعتقال الاحتياطي، وتوفير وسائل للطعن في قرارات اتخاذه”.
وزاد التقرير، “بالرغم من التوفر على إطار قانوني ينظم شروط تفعيل الاعتقال الاحتياطي، والأهداف المتوخاة من إقراره، إلا أنه لا يسلم من الانتقاد اعتبارا لتعارضه مع مبدأ صون الحرية الشخصية، وعلى غرار العديد من التشريعات حرص المشرع المغربي على تقييد إعماله، بدء بالتنصيص على كونه تدبيرا استثنائيا، يتعين استعماله في أضيق الحدود”.
الواقع ينطق بتناقضات عدة
التقرير الذي يعتبر التزاما قانونيا بمقتضى المادة 110 من القانون التنظيمي عدد 100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، يضيف أن “ الواقع ينطق بتناقضات عدة، لا يجب إغفالها وتفرض مقاربة شمولية وواقعية للإشكال الذي يطرحه اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي، منها ما يتصل لمحدودية بدائله في التشريع المغربي والتي تختزل في الكفالة وحدها بالنسبة للآليات المتاحة لدى النيابات العامة، والتي تصطدم بإكراهات اقتصادية لدى فئة عريضة من المتهمين، بالإضافة إلى أن عدم استعماله في الكثير من الحالات، يؤدي بضحايا الجرائم إلى اتهام نظام العدالة بغياب الفعالية والنجاعة”.
وبحسب تقرير النيابة العامة، فإنه إذا كان الالتزام المحدد بمقتضى ميثاق النجاعة الذي اعتمدته وزارة العدل، قبل تأسيس السلطة القضائية، يرمي إلى تخفيض نسبة المعتقلين الاحتياطيين من 42 في المائة من الساكنة السجنية التي كانت تسجلها قبل سنة 2017، إلى 35 في المائة فقط، فإن بلوغ هذا الهدف كان مرتبطا بتوفير عدة آليات، في مقدمتها المصادقة على مشروعي القانون الجنائي والمسطرة الجنائية، اللذين كان يفترض أن يوفرا بدائل للاعتقال الاحتياطي من جهة، وللعقوبات السالبة للحرية من جهة أخرى”.
لا بدائل للاعتقال الاحتياطي
وبخصوص الانتقادات الموجهة للاعتقال الاحتياطي، تُبرره النيابة العامة، بالقول “تقييم الاعتقال الاحتياطي يجب أن يراعي الأدوار المتعددة المرتبطة به، ولاسيما الإمكانيات التي يتيحها التشريع الجنائي لاستعماله والبدائل التي يوفرها لتفاديه، وكثرة المتدخلين في تدبيره، حيث يتم تقريره من طرف النيابات العامة، وكذلك من طرف قضاة التحقيق بشكل أساسي ورئيسي، ومن طرف بعض الهيئات القضائية في حالات قليلة، بحيث إن هذه الجهات هي التي تتخذه وتقرره، ولذلك فإنها معنية بالنقاش الدائر حول مدى وجاهة اتخاذ تدابير الاعتقال الاحتياطي، ولكن استمرار هذا الاعتقال يتعلق في كل الأحوال بالهيئات القضائية المكلفة بقضايا المعتقلين، المسؤولة عن البت في طلبات السراح المؤقت، وعن الأحكام النهائية”.
ويضيف المصدر ذاته، “إن تقييم الاعتقال الاحتياطي يخضع لتجاذبات شتى، من شأنها أن تضع مصداقية نظام العدالة في الميزان، علما أن معايير التقييم المجتمعي تختلف عن المعايير والأسس التي يحددها القانون لإيقاع الاعتقال الاحتياطي، وبطبيعة الحال فإن هذا الوضع قد يضر بصورة العدالة رغم أنها لم تخطئ من الناحية القانونية في التعامل مع تدبير الاعتقال الاحتياطي”، مشيرا “كما يحدث في الكثير من الحالات التي ينتقد فيها مستعملو الوسائط الاجتماعية وغيرهم عدم اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي في حق بعض الأشخاص في قضايا معينة”.