اقتحام متقاعدي الأمن للـ”يوتيوب” يُثير التساؤلات

بلغته البسيطة والتلقائية، يطل على المغاربة كل يوم بقصصه البوليسية، التي يسرد عبرها تفاصيل قصص من عالم الإجرام والمجرمين. هكذا تحول الضابط المتقاعد؛ عبد القادر الخراز، من مواطن متقاعد من سلك الشرطة إلى “نجم” على منصة الـ”يوتيوب”، بفضل فيديوهاته التي تحصد ملايين المشاهدات.

لكن، الخراز ليس وحده عميد الشرطة المتقاعد الذي اقتحم منصة الـ”يوتيوب” بغية تحقيق نوع من “الفرجة” أو “الإفادة” للمغاربة، بل هناك عميد إقليمي متقاعد وأستاذ سابق بالمعهد الملكي للشرطة اسمه عبد الإلاه مالك، اختار هو الآخر الـ”يوتيوب”، من أجل القصد ذاته، وهو سرد القصص البوليسية.

مالك والخراز حققا شهرة واسعة في وقت وجيز على منصات التواصل الإجتماعي، ما يطرح عدة أسئلة حول أسباب هذا الإنتشار الواسع بين المغاربة، وهل ذلك مرتبط بالمحتوى الذي يقدمه هؤلاء والذي يركز أساسا على الجريمة؟ أم لكون ذلك “ظاهرة” جديدة اقتحمت مجالا كان يعتبر من المحظورات؟

فرجة الحكواتيين:

أستاذ علم الإجتماع؛ عبد الرحيم عنبي، يعتبر أن انتشار المحتوى الذي يقدمه متقاعدي الشرطة على منصة “يوتيوب”، راجع لأسباب عدة، أبرزها أن البناء الإجتماعي للمجتمع المغربي يتأسس على الفرجة أو “الفراجة”، مشددا على أن المغاربة يحبون الإستماع إلى القصص، خاصة منها التي تتحدث عن الجريمة.

وأكد عنبي؛ في تصريح لموقع “آشكاين”، أن الـ”يوتيوب” جاء لتوسيع المساحة التي يخصصها المغاربة لنقل هذه القصص. مشيرا إلى أن منصات التواصل الإجتماعي أسهمت في تقريب مجموعة من “الحكواتيين” وهم عدد من رجال الأمن المتقاعدين للمواطن المغربي بدرجة كبيرة.

التوعية و”التربية الأمنية”:

هذه المساحة التي يوفرها هؤلاء “الحكواتيين” لم تعد بحسب الأستاذ الجامعي المذكور مجالا للفرجة فقط، بل أصبحت تلعب دورا إعلاميا هاما، خاصة فيما يتعلق بالتوعية والإرشاد وتقديم النصح واستيعاب الدروس. مشددا على أنها تجاوزت ذلك إلى ما يمكن أن نطلق عليه “التربية الأمنية”، تُعلم الإنسان كيف يحمي نفسه.

ويرى الباحث في علم الإجتماع بجامعة ابن زهر أنه حين غابت المدارس والقنوات الإعلامية المغربية عن الجانب المتعلق بـ”التربية الأمنية”، حل مكانها مثل هذا المحتوى، خاصة أن المواطن المغربي يبحث عن بيئة آمنة، وبالتالي فهذه القصص البوليسية ستمنحه هذا الجانب المتعلق بـ”التربية الأمنية”.

الربح المادي والتقاعد:

في المقابل، يشدد متحدث “آشكاين”، على أن انتشار هذه “الظاهرة”، يطرح مجموعة من الإشكالات، أبرزها الجانب الأخلاقي، بحيث أن النبش في جرائم قديمة معروفة في منطقة معينة، من شأنه أن يعيد الجروح والأحزان إلى المواطنين الذين عاشوا هذه الجرائم.

وأشار عنبي، إلى أن انتشار هذه القصص يدر على أصحابها الأموال، فكلما كثرت المشاهدات كلما تلقوا مبالغ مالية كبيرة، الأمر الذي يطرح بحسب المتحدث السؤال حول أنظمة الحماية الإجتماعية والتقاعد بالمغرب. فلو كان لدى هؤلاء تقاعد مريح، فما كانوا سيهتمون بمجال الـ”يوتيوب”، بل سيبحثون عن المتعة والإستمتاع في أمور أخرى.

تعليم النصب والاحتيال:

وخلص أستاذ علم الإجتماع، إلى أن انتشار محتوى هذه القصص البوليسية، يمكن أن يقدم طرقا في الاحتيال لبعض المتتبعين، وتعلمهم كيف يصبحوا محتالين، ويلجون مجال النصب والخدعة من خلال هذه القصص التي تقدم تجارب، والتي من شأنها أن تلعب دورا سلبيا في المجتمع.

وطالب عنبي، بضرورة مراقبة هذا المحتوى، الذي أصبح يشهد انتشارا واسعا خاصة بين الشباب، مشددا في السياق ذاته على أنه “يجب على الأجهزة الأمنية أن تكون صارمة في مثل هذه الأمور”، وفق تعبير المتحدث.