لماذا وإلى أين ؟

خوف الجزائر من مطالبة المغرب باسترجاع صحرائه الشرقية يعود للواجهة

رغم أن الحدود البرية بين المغرب والجزائر تم تسويتها قبل سنوات، بموجب الاتفاقية الموقعة بين الطيبي بنهيمة وعبد العزيز بوتفليقة، في الرباط بتاريخ 15 يونيو 1972، وتم الانتهاء من إجراءات التصديق من طرف البلدين، وتم نشرها في الجريدة الرسمية الصادرة بتاريخ 24 يونيو 1992، إلا أن الجزائر لازالت متخوفة من أن يطالب المغرب بصحرائه الشرقية، التي اقتطعها الاستعمار الفرنسي وضمها للأراضي الجزائرية عقب معركة إسلي سنة 1844م.

تخوف الجزائر برز من خلال خرجات بعض مسؤوليها بتصريحات في الموضوع، وأخرهم نذير العرباوي، سفيرها السابق لدى مصر والجامعة العربية، الذي صرح لإعلام جزائري مقرب من العسكر، محذرا مما أسماه “مزاعم وأطماع توسعية في جنوب شرق الجزائر”، حيت اعتبر أن  اتفاقية ترسيم الحدود البرية المغربية الجزائرية “دليل مادي وقانوني قاطع لا يترك مجالاً للشك والتفسير” لما وصفها بـ “التصريحات غير المسؤولة”.

وفي تعليقه على السفير الجزائري السابق، قال كريم عايش، الباحث في العلوم السياسية وعضو المركز المتوسطي للدراسات والأبحاث الدولية والتشاركية، إن “تصريح نذير العرباوي السفير السابق بخصوص ترسيم الحدود المغربية الجزائرية فيه الكثير من المغالاة والمزايدات والاستعراض، إرضاء لحكام قصر المرادية، إذ لم يخل تصريحه من اتهامات تصب في منحى كلام الرئيس تبون ومعه جنرالات الجيش، قصد إيهام الرأي العام الجزائري بالخصوص بوجود مؤامرة وأطماع وتهديدات خارجية لتبرير القمع والتنكيل الذي يعيشه النشطاء الحقوقيون والشعب الجزائري بصفة عامة”.

وزاد عايش، في حديثه مع “آشكاين” أن اتفاقية ترسيم الحدود المغربية الجزائرية “منشورة بالجريدة الرسمية الصادرة بتاريخ 24 يونيو 1992 وهو نفس الموضوع الذي أشار إليه الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه في كلمته للقمة الإفريقية يوم 15 يونيو 1972 حين قال (أعتقد أن الأجيال المقبلة ستكون لها مشاكل، لا على صعيد هذه الأرض، بل على صعيد الأفلاك)”.

مطالبات بفتح ملف الحدود

وفي السياق ذاته، أكد عايش، “وهو ما وصلنا إليه من مطالبات بفتح ملف الحدود وسعي قصر المرادية إلى إشعالها خدمة لأجندة الخراب الذي تحلم به قصد القضاء على معالم التنمية والتقدم التي تسير إليها المنطقة وإفريقيا عامة بقيادة حكيمة من الملك محمد السادس”، مؤكدا أن “الأنبوب المغربي النيجيري خير مثال على ذلك”.

وختم عايش مؤكدا مهما يكن الأمر، فمهاجمة بعد المطالب الشعبية المغربية بإعادة فتح ملف الحدود، ما كان له أن يكون مبررا من ديبلوماسي خبر ردهات المنظمات الدولية وتعلم أبجديات السلوك الدبلوماسي والاخلاق، لكن يبدو أنه يعمل بمثل عربي قديم عن قائله سبط بن التعاويذي «إذا كان رَبُّ البيتِ بالدفِّ ضارباً/ فشيمةُ أهلِ البيت كلِّهِمُ الرَّقصُ”.

الحدود الموروثة عن الاستعمار

من جهته، أكد منعم أمشاوي، أستاذ زائر بجامعة محمد الخامس ورئيس مركز تفاعل للدراسات والأبحاث، أن “ملف ترسيم الحدود من القضايا الشائكة التي ورثتها القارة الإفريقية غداة الاستقلال، حيث أن القوى الاستعمارية عبثت بشكل خطير بما يمكن اعتباره التمايزات والخصوصيات التي كانت تميز بين مجتمعات القارة، وضربت عرض الحائط الحمولة التاريخية والثقافية التي كانت توحد بعض المجتمعات، وسعت القوى الاستعمارية وفي مقدمتها فرنسا إلى تمزيق منطقة المغرب الكبير وتقسيمه وفق اعتبارات السيطرة العسكرية والأمنية بالدرجة الأولى”.

“بعد الاستقلال تمسكت جل النخب التي ورثت الدول الفتية في إفريقيا بالحدود الموروثة عن الاستعمار”، يضيف أمشاوي في حديثه مع “آشكاين”، مردفا “وهذا راجع بالأساس إلى التسويات التي أدت إلى استقلال مجموعة من الدول، وكذلك إلى أن تلك الحدود شكل الإطار الجغرافي لنضالات مجموعة من الحركات التحررية، ولذلك نجد فقط المغرب والصومال من رفض إقرار مبدأ الحدود الموروثة عن الاستعمار”.

واستحضر أمشاوي في السياق ذاته، الحمولة التاريخية للمغرب ولخصوصية “النضال التحرري ضد الاستعمار، الذي كان ذو أبعاد مغاربية بدليل أن لجنة تحرير المغرب العربي التي قادها محمد بن عبد الكريم الخطابي، وحتى القصر الملكي كان يتقاسم هذه الهواجس حيث رفض الملك الراحل محمد الخامس عرض فرنسا بترسيم حدود المغرب مع الجزائر، معتبرا أن الأمر سيتم حله مع الأشقاء الجزائريين بعد نيلهم استقلالهم”.

الاتحاد المغاربي

إلى ذلك، زاد أمشاوي “بعد استقلال الجزائر وباقي البلدان المغرب الكبير، عمل المغرب على مشروع الاتحاد المغاربي وكان الطموح آنذاك يتجاوز نقاش الحدود” مشيرا “وفي نفس السياق أبرم المغرب مجموعة من التفاهمات مع الجزائر كمعاهدة إفران 1969 والتصريح المشترك بتلمسان في ماي 1970 وصولا الى معاهدة الرباط 15 يونيو 1972 المتعلقة بخط الحدود بين البلدين”.

وختم أمشاوي، بالقول إنه “رغم توقيع الاتفاقية بين الطرفين إلا أن الموضوع ظل شائكا خاصة بالنظر إلى التطورات المؤسفة للعلاقات بين البلدين، حيث أنه لم تنشر الاتفاقية في الجريدة الرسمية إلا بعد مرور عشرين سنة “22 يونيو 1992” ونشر النص دون الخريطة المرفقة والموضحة لتلك الحدود”، مردفا “ربما رهان المغرب كما سبقت الإشارة كان كيفية تجاوز الحدود نحو اتحاد مغاربي موسع، والمغرب راهن ويراهن وسيراهن مستقبلا على وصول نخب عاقلة في البلدان المغاربية وخاصة في الجزائر لبناء اتحاد مغاربي قوي لا يحتاج إلى أي حدود”.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x