2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
بين بنكيران والعثماني.. أي مستقبل لمشروع تفعيل الامازيغية؟

رغم دعوات رئيس الحكومة سعد الدين العثماني يوم الثلاثاء الماضي إلى تكثيف الجهود، وتعبئة كل الطاقات الكفيلة بتنزيل مقتضيات القانون التنظيمي 16-26، المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، والتسريع بالأوراش الاستراتيجية ذات الاولوية التي ينص عليها، وعلى رأسها جرد مختلف النصوص التشريعية والقانونية التي يتعين ملاءمتها مع مقتضيات القانون، إضافة إلى ملف إدماج الأمازيغية في منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، إلا أن نشطاء الحركات الأمازيغية لم يتلقوا الأمر بترحيب كبير، إذ اعتبروا أن اجتماع لجنة الشؤون القانونية المتتبعة لمشروع الأمازيغية في هذا التوقيت، يدخل في إطار التسخينات التي تسبق التطبيل الانتخابي لا أقل ولا أكثر، والاستعداد لاستغلال الأمازيغية كورقة سياسية لا غير، سواء من طرف الحكومة أو من يدعي معارضتها في إطار المزايدات السياسية.
لم يُراوح مشروع القانون التنظيمي المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية وكيفية إدماجها في مجال التعليم ومجالات الحياة العامة ذات الأولوية في بعدُ مكانه، رغم دسترة الأمازيغية كلغة رسمية سنة 2011، حيث يحظى بكثير من النقاشات والسجالات، ويربط البعض أسباب جموده بحزب العدالة والتنمية، الذي لم يتردد منذ اعتلائه السلطة في إقبار ملفّه، فمن عهد عبد الإله بنكيران إلى عهد سعد الدين العثماني، لم يلُح بعد بصيص أمل يُبشر بإطلاق فعلي لا نُكوصي لمشروع تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، حسب ما ترتضيه بعض الأحزاب من جهة، وفعاليات الحركة الامازيغية من جهة ثانية.
عمد بنكيران منذ ترأسه الحكومة، إلى تأخير إحالة مشروع القانون التنظيمي الخاص بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية لسنوات، ووضعه في ذيل المخطط التشريعي، وبالتالي تأجيل إحالته على المجلس الوزاري، ما جعل الحركة الأمازيغية، تتنبأ في عهده، بأن عملية التفعيل الحقيقية لن تتم أبدا بأي حال من الأحوال خلال ولايته الحكومية، بل وزاد من حجم التشاؤم، حين ندد صراحة شهر نونبر 2014، وهو ما يتعارض مع صريح الدستور، أن حرف “تيفيناع” الذي يُشبه حروف “الشينوية”، غير صالح للنهوض بالأمازيغية، ما أجج موجة استنكار عارمة، ودفع أحزابا سياسية إلى التمرد عليه، مطالبة بسحب الملف بشكل كامل من يده، وتشكيل لجنة ملكية لوضع قانون متوافق عليه، وقد طالبت هذه القوى بـ “التحكيم الملكي”، خشية إعادة سيناريوهات سابقة لحكومة بنكيران، حين قامت عمداً بتعطيل عدد من الملفات الحساسة وإقبار أخرى.
من جهة أخرى، اتهمت الحركة الأمازيغية، ومعها بعض الأحزاب، بنكيران وحكومته بمحاولة صنع مجتمع مدني على مقاسه، ولأغراضه الخاصة، معتمدا أساليب ملتوية لتهميش المجتمع المدني الحقيقي، بمكوناته الرئيسية التي تشكل اللغة والثقافة الامازيغيتان أهم ركائزه، التي أسهمت بفعالية وتضحيات كبيرة في تطوير المغرب الحديث، كما نبّهت إلى ما اعتبرته “تمريرا لمشروع مجتمعي يتعارض في جوهره مع متطلبات دولة القانون والمواطنة والحداثة، التي تعمل الحركة الأمازيغية جاهدة من أجل تحقيقها”، وأن هذه الحكومة “جمدت وتجاهلت كل المشاريع المتعلقة بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية”.
في عهد سعد الدين العثماني شهدت مسألة تفعيل الطابع الرسمي للغة الامازيغية بعض الانفتاح، إذ حاول أن يقوم بمبادرات عدة تُجاهها، موجها في أول تنصيبه على رأس الحكومة عددا من المنشورات إلى مختلف الإدارات العمومية لاستعمال الأمازيغية في مراسلاتها وخدماتها، كما دعا إلى تدريسها في عدد من المعاهد العمومية العليا، غير أنها ظلت، كما اعتبر ناشطون بارزون من الحركة الأمازيغية، مبادرات لا أثر كبير لها ولا تقييم لمدى تطبيقه، خاصة وأن إهمالا لهذا الملف قد أعقبها، والذي دام من سنة 2017، زمن تنصيبه رئيسا جديدا للحكومة، إلى سنة 2019، تاريخ دخول مقتضيات تفعيل الأمازيغية حيز التنفيذ، بعد صدور القانون التنظيمي رقم 26.16 في الجريدة الرسمية عدد 6816، والمحدد لمراحل تفعيلها، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم، وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية باللغة المعيارية بحرف “تيفيناغ”، كما أعدها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وفق قرار المحكمة الدستورية.
ورغم تفعيل قانون الأمازيغية، إلا أن تحديات جمة ظلت تلاحق هذا الملف، والنتيجة اليوم، أن هذا القانون، الذي أحيل على مجلس النواب سنة 2016، في آخر ولاية بنكيران، صودق عليه في سنة 2019 في زمن العثماني، إلا أنه يبقى دون مضمون جيد يحقق للأمازيغية المكانة المستحقة، فقد وصل اليوم إلى مجلس المستشارين للمصادقة عليه، قبل أن يعود إلى مجلس النواب في إطار قراءة ثانية، وهي المرحلة الأخيرة، لكن هذا قد يأخذ وقتاً طويلا مع قرب نهاية الدورة الربيعية للبرلمان.
و يؤكد نشطاء الحركة الأمازيغية، أن هذا المشروع، لو سار في نسق تاريخي طبيعي بين بنكيران والعثماني، “كان سيشكل رسالة لبداية التفاهم لو تم اعتماده في زمنه التشريعي لسنة 2012، على الأقصى للانتهاء من محطاته التأسيسية على الأقل في أفق 2027، وليس كما أريد له الآن أن يكون مخطط لزمن قد يتجاوز سنة 2050″، إلا أنه، كما يقول النشطاء، “تم إعداده خارج الزمن الدستوري والمؤسساتي، ناهيك عن غياب أي دراسة أو حصيلة أو تقييم جدية لما هو قائم على أرض الواقع”.