2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

تتأرجح العلاقات الإسبانية المغربية بين التصعيد والتهدئة من كلا الجانبين، إلا أن مياه أحداث كثيرة جرت تحت جسر الشراكة الثنائية بين الجارين، عجلت بالاهتزاز المتواصل لهذا الجسر، ما أزم علاقة الجانبين.
وشكل استقبال إسبانيا لزعيم جبهة البوليساريو، إبراهيم غالي، أحد أبرز المنعطفات الفاصلة التي عمقت أزمة الرباط ومدريد، والتي تشهد، منذ مدة، سحبا كثيفة في سمائها، بدأت بتجميد القمة الرفيعة التي دأب الجانبان على عقدها، علاوة على الإغلاق المتواصل لمعبري سبتة ومليلية المحتلتين، لأسباب أرجعها الجانبان لظروف الجائحة التي تفرض هذه التدابير.
وبعد الضغوطات المغربية والإعلام الإسباني ومسؤوليه، على ضرورة الاستماع لغالي، بخصوص تهم “التعذيب والاغتصاب والإباداة الجامعية”، خضعت الأخيرة إلى تلك المطالب، إلا أنها لم تتخذ في حقه أية إجراءات من تلك التي طالب بها ضحاياه، من قبيل سحب جواز سفره وفرض الإقامة الجبرية عليه، تاركة إياه يعود في حال سبيله لاستكمال استشفائه في الجارة الشرقية الجزائر، وهو ما يضع علاقة إسبانيا بالمغرب في “كف عفريت”.
وتنوعت ردود فعل المغرب تجاه إسبانيا بين استقبال الأخيرة لغالي ومحاكمته، إلا أن عودته بهذه الطريقة إلى الجزائر، فتحت النقاش على مصراعيه، عن مآلات العلاقات بين الجانبين، وكيف سيتصرف المغرب مع هذه الأحداث في مستقبل الأيام؟.
وللإجابة عن هذه التساؤلات، وملامسة الغموض في خلفيات هذه الأحداث، ومعرفة مآلات العلاقات الإسبانية المغربية، تستضيف جريدة “آشكاين” في هذا الحوار، المحلل السياسي المغربي والخبير في العلاقات الدولية، تاج الدين الحُسَيني.
وفي ما يلي نص الحوار:
بداية..ماذا بعد مغادرة غالي لإسبانيا؟
كل الاحتمالات تبقى ممكنة ، وأظن أن الوساطة الفرنسية يمكن أن تلعب دورا مهما في تسوية الوضعية الحالية، لأنه لحد الآن لا تزال هناك ضبابية كبيرة تغلف موقف إسبانيا، فالأخيرة حاولت بطريقتها الخاصة أن تأخذ العصا من الوسط، ولكن مع كثير من التأرجح نحو الموقف الجزائري.
سمعنا في وسائل الإعلام أن طائرة تابعة للرئاسة الجزائرية حاولت دخول الأجواء الإسبانية بالأمس لهذه الغاية لكنها أعيدت دون أن تتمكن من النزول، ثم بعد ذلك سمعنا أن تم كراء طائرة معينة، وجاء فيها أشخاص جزائريون وغالي غادر على متنها فعليا التراب الإسباني.
هذه الأخبار في حد ذاتها وطبيعة تقديمها تؤدي إلى الكثير من التساؤلات، كيف يقبل مثلا أن يقال أن الحالة الصحية لإبراهيم غالي تمنعه من المثول أمام القضاء، ويتم إجراء المقابلة معه عن طريق الفيديو، لكنه في نفس الوقت يتمكن من التحرك ومغادرة المكان الذي يقيم فيه نحو المطار لأخذ الطائرة نحو الجزائر؟.
كيف يعقل أن تتم المتابعة ويفتح الملف دون أن يحسم فيه، ومع ذلك لا يحجز جواز سفره ولا تقدم أية ضمانات فيما يتعلق بطبيعة هذه المحاكمة؟، ثم أن القضاء الإسباني اتخذ هذه القرار بالإفراج عنه دون الاستماع إلى الضحايا المعنيين بالمتابعات وهم كثر، وأقوالهم مدعمة بحجج دامغة؟.
فهذه كلها نقاط استفهام تطرح بهذه الخصوص، وإذا قارناها بأحداث مشابهة على الصعيد الدولي، فالمقارنة تثبت العكس، تثبت أن إسبانيا متواطئة مع الجزائر في كل ما حدث؛ فمثلا قضية بينوشي كان محورها كذلك إسبانيا، حيث كان فيها قرار بالتسليم واعتقال الشخص المعني وتوجيهه نحو بريطانيا.
إضافة إلى قضية “ديسكا”، ولو أنها تمت في الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن بسبب شكاية نادلة تشتغل في الفندق تم اعتقال مرشح لرئاسة الجمهورية الفرنسية، واعتقل واستنطق وبقي رهن الاعتقال مدة طويلة قبل أن يحاكم في ظل الإقامة الإجبارية.
فعندما تؤخذ هذه المقارنات بعين الاعتبار، نصل إلى نتيجة واحدة، هي أن التواطؤ الإسبانية الجزائري قائم بالفعل.
لكن دعني أقول أن نازلة إبراهيم غالي، هي ليست إلا الشجرة التي تغطي الغابة، والمغرب لا يمكن أن يهتم بشخص ذهب ليعالج ويعود أدراجه، هذا ليس هو المحور الحقيقي؛ فالمحور الحقيقي هو تلك الغابة التي تغطيها الشجرة، وهي طبيعة ونوعية العلاقات المغربية الإسبانية.
فكيف يقبل اليوم من إسبانيا التي هي أولا جار مهم للمغرب، شريك استراتيجي، يتبادل معها المصالح والمعلومات وله معها ارتباطات جد قوية على مستويات كثيرة لسنا في الحاجة للتذكير بها.
ومع ذلك تتنكر إسبانيا لهذه الشراكة، وتبادر إلى القول إنها لا تقر بالوحدة الترابية، ولا تقر بمغربية الصحراءـ، رغم أنها هي التي وقعت اتفاقية مدريد، التي بموجبها سلمت إقليما للمغرب، فهذا تراجع عن اعترافها بمغربية الصحراء.
خاصة أن اتفاقية مدريد جاءت كرونولوجيا في إطار مسلسل لتصفية الاستعمار، بدأ مع سنة 1956 باستقلال الجزء الشمالي، ثم باسترجاع طرفاية باتفاقية مماثلة سنة 1959، ثم سنة 1969 بعد أن وضع المغرب نفسه أما ملف تصفية الاستعمار، وسنة 1965 توصل الطرفان إلى تسوية النزاع بتسليم سيدي إفني، الذي كانت تعتبره إسبانيا في نفس مقام الصحراء، واسترجع سنة 1969، ثم بعدها تم استرجاع الصحراء سنة 1975.
واتفاقية مدريد جاءت مقرونة بمصادقة ما يسمى بالجماعة الصحراوية على هذا الاسترجاع، ناهيك عن كون إسبانيا تلاحظ أن سكان المنطقة قرروا مصيرهم بمشاركتهم في كل الاستحقاقات الجهوية والمحلية والبرلمانية والاستفتاءات، وفي كل المبادرات التي تهم التراب الوطني ، بل إن مشاركتهم في تلك الاستحقاقات كانت أكثر من ساكنة الداخل المغربي.
المهم الآن، هو أن إسبانيا لا يمكن أن تستفيد من شراكة مغربية ذات اتجاه واحد، هذه الشراكة ينبغي أن تكون قائمة على الأخذ والعطاء وتبادل المصالح، وإلا فالمغرب من حقه أن يبحث عن شركاء آخرين، خاصة أن السياسة المغربية في هذا المجال أصبحت تقوم على استراتيجية تعدد الشركاء ولا تضع كل البيض في سلة واحدة؛ فمنذ 2016 أقام المغرب علاقات استراتيجية مع الصين روسيا، تركيا وغيرها.
وتنويع الشراكات ربما يخدم مصالح المغرب بشكل أفضل؛ ليس فقط فيما يتعلق بالتبادل التجاري أو العلاقات الاقتصادية، ولكن حتى بالاتفاقيات المتعلقة بالصيد البحري في الشواطئ المغربية، والأسماك أصبحت عملة نادرة كغداء مطلوب لدى جميع الشعوب؛ وبالتالي إمكانية تعامل المغرب مع جهات أخرى تبقى مطروحة.
بكل صراحة، إسبانيا اليوم دخلت في مثلث يربطها مع ألمانيا والجزائر من أجل مصالحهم الخاصة بالغاز والبترول، وفي نفس الوقت حدوث تطورات كانت إسبانيا تتمنى وقوعها، مثل دخول الجبل البركاني “تروبيك” الواقع بين جزر الكناري والتراب المغربي وهو خاضعا لسيادتها، لكن ذلك نفاه المغرب بشكل قوي بعد ترسيم حدوده البحرية.
وكون جبل “تروبيك” الغني بالمعادن، ضمن السيادة المغربية، يخلق نوعا من الحساسية، ليس لإسبانيا فقط ولكن كذلك ألمانيا، التي كانت لها نوايا بأن تؤسس نماذج جديدة من إطلاق السيارات الكهربائية التي ستكون هي العنصر المهم ضمن 15 أو 20 سنة.
وبالتالي وجود أمريكا واعترافها بمغربية الصحراء ودخولها في شراكات استراتيجية مع المغرب في المستقبل، سوف يؤثر على مصالح هذه الدول، لكن المغرب يشترط أن تكون الشراكات قائمة على تبادل المصالح والتعامل مع الجميع، دون أن يخضع لأي طرف بأي طريقة أو أسلوب كان.
هل خضعت إسبانيا للضغوط المغربية وطردت غالي؟
كما قلت سابقا، إسبانيا من عادتها في علاقتها مع المغرب أن تحاول بين حين وآخر، أن تأخذ العصا من الوسط، لكن طريقة أخذتها للعصا كانت تتأرجح إلى الجانب الجزائري.
نحن لا نعلم ما تخفيه الكواليس، هل هناك اتفاقات باطنية بين المغرب وإسبانيا لتجاوز المرحلة الراهنة بطريقة أخرى؟، هل الوساطة الفرنسية ستكون هي المحور الأساسي للتوصل إلى توافق؟، هذه أشياء كلها لا تزال طي الكتمان.
لكن ما تظهره ساحة الواقع وما يعرفه الملف، هو أن هناك نوعا من الانتظارية التي وضعت فيها إسبانيا كل الملفات بما فيها ملف إبراهيم غالي، فهي لم تفصح عن المتابعة من عدمها، ولم تستمع بعد، عن طريق السلطة القضائية، إلى الضحايا وإلى الشهود ولم تطلع على وثائق الإثبات، وهذه مسطرة قد تتطلب الكثير من الوقت.
كما أنها لم تتخذ موقفا واضحا بخصوص التراجع عن كونها لا تقر بمغربية الصحراء، وهذا شيء مطروح بقوة في العلاقات بين الطرفين، لأن المغرب ظل يتساءل: كيف لدولة عضو في مجلس الأمن ولها دور مهم في اتخاذ القرارات الخاصة بملف الصحراء، رغم أن حامل القلم، خصوصا في ملف الصحراء تعترف بسيادة المغرب، بينما إسبانيا التي هي شريك للمغرب ولا تقوم بذلك، بل تتواطؤ خفية مع الجزائر في عدة قضايا بينها قضية غالي، وهذا ما يحز في نفس الدبلوماسية المغربية للأسف.
وأعتقد أنه إذا كانت إسبانيا مستعدة لطي هذه الصفحة في المستقبل، فعليها ، أن تقوم بمواقف إيجابية في تحصين هذه العلاقة مع المغرب، بدل البحث عن وسائل تحطيمها وخلط الأوراق.
في نظرك..هل ستُسهم مغادرة غالي لإسبانيا قبل إنهاء علاجه في تليين موقف الرباط تجاه مدريد؟
لا أعتقد، لأن مسألة المغادرة جاءت على أساس أن حالته الصحية تسمح بذلك، وهذا ما قيل منذ البداية، وبالتالي لا أعتقد أن مثل هذا الموقف سيكون مُليّنا لموقف المغرب.
على العكس، فالمغرب كان يريد أن يبقى غالي هناك لتتم محاكمته ويستمع للشهود، وفي حال ما إذا ثبتت الأفعال أن يتم حتى اعتقاله من طرف السلطات الإسبانية، لأن إسبانيا نفسها تطبق مبادئ القانون الدولي الإنساني، ناهيك عن كل ذلك فبعض الضحايا يحملون الجنسية الإسبانية، وبالتالي فحق إسبانيا في محاكمته قائم.
والمغرب كان سيكون مرتاحا أكثر لو أن إسبانيا سحبت جواز سفره ومنعته من مغادرة ترابها إلى حين انتهاء المحاكمة، وأعتقد أن المغادرة عملة ذات وجهين.
أحدها قد تفسره إسبانيا على أنها طردت المعني من ترابها، والآخر قد يفسر على أنه تنصل إسبانيا من التزاماتها القضائية، خاصة أن الوكيل العام بإسبانيا، طلب أمام المحكمة الإسبانية أن يتم حجز جواز سفر غالي وفرض عدة إجراءات احترازية عليه؛ لكن المحكمة الم تستجب لتلك الطلبات التي وجهها الوكيل العام الإسباني.
معنى هذا، أن الوكيل العام الذي هو جزء من المؤسسة القضائية، وله علاقة قوية بالجهاز التنفيذي، يشكل هذا النوع من المطالبة من طرفه بتلك الإجراءات، وهذا يعتبر بمثابة اعتراف رسمي من طرف السلطات الإسبانية بأن متابعة غالي لها فعلا ما يبررها، من الناحية القانوننية والواقعية.
أحمد الهيبة صمداني – آشكاين
L’accord de Madrid à partagé le Sahara occidental en deux tranches. Une pour le Maroc et l’autre pour la Mauritanie. Doit on comprendre que le Maroc occupe une partie de la Mauritanie ?