لماذا وإلى أين ؟

ماذا يريد “البيجيدي” ؟

محمد العطلاتي
لقد شاءت الصدف، و ربما اعتدال النظام السياسي في المغرب، أن يمر من عواصف ” الربيع العربي” و من موجات ” الشرق الأوسط الجديد” ناجيا بأقل الخسائر، و استطاع بقدرة قادر تجاوز الإكراهات السياسية التي نتجت عن هذا الربيع المزعوم، لكنه، مقابل ذلك، دفع ثمنا سياسيا ثقيلا، وذلك بعد تمكن حزب، “عازف” على ألحان الإسلام، من تصدر نتائج الانتخابات التشريعية و توليه رئاسة الحكومة بناء على قواعد الدستور الجديد.

ورغم التدبير العشوائي الذي طبع عمل “حزب الإسلاميين” في إدارة شؤون الدولة، بقيادة رئيسها السابق بنكيران، فإن هؤلاء استطاعوا، مرة ثانية، حصد أصوات الناخبين والوصول مرة أخرى إلى كرسي الرئاسة الحكومية، و ذلك بعد تسجيل فشل كبير لحق بالأحزاب المنافسة له.

نحن الآن، في أواسط شهر يونيو، أي أسابيع قليلة قبل انطلاق المنافسات الانتخابية حول مقاعد مجلسي البرلمان، منافسات لا يبدو أنها مرشحة للإتيان بالجديد الانتخابي، فكل المؤشرات القبْلية تؤكد استمرارية عزوف فئة عريضة من الناخبين المغاربة عن المشاركة في الاقتراع العام المنتظر تنظيمه خلال هذا العام.

لكن الحزب، الذي يبدو أنه أصيب بأعراض التخمة الفكرية و السياسية، لا يزال متشبثا بالعودة مرة ثالثة إلى دواليب الإدارة عبر باب الانتخابات القادمة، وهو مستعد، في سبيل تحقيق هذا الطموح المفرط، للقيام بكل المناورات الممكنة لضمان كسبه الرهان، وهو بصدد التخطيط لذلك.

آخر “التخطيطات” المنسوبة لحزب الاخوان، إقدامه على استضافة قائد “حماسي” من المنتمين لحركة الإخوان المسلمين ببلاد فلسطين، و يتعلق الأمر برئيس سابق لوزراء السلطة الوطنية الفلسطينية إسماعيل هنية، فما هي الدلالات الرمزية و السياسية لهذه الاستضافة؟

حول موضوع الزيارة الاخوانية لحزب العثماني، باعتباره أمينا عاما للحزب الحاكم، قال الأخير إنها لم تأت على عجل، كما يظن البعض و يكتبون، على حد تعبيره، و إنما تم التخطيط لها منذ أشهر”.

الزيارة، التي تأتي في خضم الاستعدادات العلنية للأحزاب لاستقبال الموسم الانتخابي، ويبدو أن الأمين العام لحزب العدالة و التنمية، الذي يشغل منصب الرجل الثاني في الدولة، قد عمد لتوخي الحذر في خطاب استقباله رئيس المكتب السياسي لحماس و مرافقيه، إذ حاول التركيز في هذا المقام على “الموقف المغربي، ملكا و حكومة و شعبا، الثابت لدعم الشعب الفلسطيني حتى يبني دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف”، على حد تعبيره، مؤكدا في ذات الآن على أن “المغرب يعتبر القضية الفلسطينية قضيته أيضا”، ولربما كان خطاب العثماني ليبدو مقبولا من العموم، اعتبارا لطبيعة الزائر الفلسطيني “المُسْتَضاف” من قِبَلِه، لكن رئيس الحكومة لم يقف عند هذا المستوى المقبول، بل عمد إلى إجراء مقارنة مُبالَغٍ فيها، بِشَكْلٍ “مَرَضي” ملحوظ، بين قضية الفلسطينين من جانب و قضية الصحراء المغربية من جانب آخر، ذلك أن الرجل لخَّصَ “نظريته” إزاء مشكلة الشرق الأوسط و نَسَبَها لعاهل البلاد، فقد زعم أن “الملك يضع القضية الفلسطينية في منصب قضية الصحراء المغربية” !، وهذا تقدير مُخطِأٌ و مُجانب للصواب من عدة أوجه، و لا تُعْقَلُ تسوية ما لا يمكن تسويته، مع وجود فوارق لا حصر لها بين القضيتين، فالمغرب استعاد صحراءه باعتبارها قطعة من الوطن بإجماع وطني، أما فلسطين، التي لم يتفق فلسطينيوها بعد على شكل وحدود الدولة المطلوبة، فمنهم من يكتفي بحدود “ما قبل النكسة”، أو أقل منها، ومنهم من لا يقنع إلا بحدود “ما قبل النكبة”، وبين هؤلاء و أولئك تستمر فلسطين في وجودها، فقط ككائن افتراضي.

قد يُتَّفَق على القول إن قضية فلسطين، بالنسبة لمن يؤمن بها، ليست قضية جنس بشري أو كيان دولتي، بل هي قضية الإنسان، مُطلق الإنسان، لكن أن يسوي أمين عام العدالة و التنمية بين قضية الصحراء المسترجعة و بين قضية الشرق الأوسط، فهذا قول لا يستقيم مع منطق الجغرافيا و التاريخ و السياسة، فهو بهذا الفعل يريد التعبير عن “شيء” ينتمي لعالم الإخوان المسلمين، فماذا يريد البيجيدي ؟

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

 

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

2 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
المعزوزي
المعلق(ة)
26 يونيو 2021 10:59

لا علاقة بين القضية الللسطينية و تسيير أمور الدولة..فالبيجيدي أهلك الحرث والنسل لمدة عشر سنوات قضاها في تسيير أمور الشعب المغربي و لم نر منه إلا انتزاع الحقوق المكتسبة التي راكمها المغاربة طيلة ستين سنة…
لذا فقضية فلسطين لا علاقة لها كما قلت بما فعله البيجيدي بالمغاربة…
سنعاقبهم إن شاء الله وسنخييب آمالهم بالرجوع لتسيير أمور البلاد….
وعل قول المعلق السابق ولو يجيبوا أفلاطون لن يحصلوا على أصواتنا….

ولد زعير
المعلق(ة)
25 يونيو 2021 23:38

واخا يجيبو أفلاطون منصوتوش عليهم

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

2
0
أضف تعليقكx
()
x