2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

جدد الملك محمد السادس أمس السبت الدعوة إلى الجزائر بغية فتح الحدود البرية المغلقة بين البلدين، قائلا في خطاب الذكرى الـ22 لعيد العرش، إن “الطبيعي هو فتح الحدود بين البلدين وتجاوز خلافات الماضي وبناء علاقات أخوية متينة”.
وليست هذه هي المرة الأولى التي يدعو فيها الملك محمد السادس، الجزائر وحكامها إلى إعادة فتح الحدود بين البلدين، ونقاش القضايا العالقة من أجل تجاوزها وحلها والعودة إلى مسلسل بناء الصرح المغاربي.
دعوات مغربية قديمة
ما فتئ الملك يدعو الجزائر ومسؤوليها إلى فتح الحدود المغلقة، ففي سنة 2008 دعا الملك في خطاب ألقاه بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، الجزائر إلى فتح الحدود والتفكير في مستقبل العلاقات بين البلدين، وجدد ذلك في مناسبات عدة، كما أن مساعي المغرب الرسمية والشعبية لم تتوقف، فعدد من المسؤولين المغاربة كذلك حرصوا دائما على دعوة نظرائهم الجزائريين إلى فتح الحدود ومعالجة أسباب الأزمات التي تعرقل ذلك.
وفي خطاب ألقاه الملك بمناسبة الذكرى الـ43 للمسيرة الخضراء سنة 2018، إقترح تشكيل آلية تتناول قضايا الاستثمار وتعزيز التشاور الثنائي اتجاه التحديات الإقليمية والدولية، وأهمها مكافحة الإرهاب وإشكالية الهجرة، بما يضمن إرساء علاقات ثنائية متينة.
تجاهل وشروط مجحفة
كان الرئيس الجزئري السابق “عبد العزيز بوتفليقة”، في بداية ولايته الأولى، أكثر اعتدالا في توصيف مشكلة الحدود المغربية الجزائرية المغلقة، حيث صرح للإعلام أن مسألة الحدود المغلقة وإعادة فتحها هي مسألة تقنية فقط، مضيفا أن الجزائريين والمغاربة يسافرون للبلدين بدون حدود ولا تأشيرات. لكن يبدو أن كلام بوتفليقة ذلك لم يكون سوى كلام قيل في لحظة تأثر عابرة.
فبعد مرور أشهر ثم سنوات على ولايته الأولى والثانية، وأمام الدعوات المغربية بفتح الحدود، والتي صدرت من أعلى هرم السلطة، باتت تلقى تجاهلا بل ردا متشنجا من طرف الساسة الجزائريين.
إتسم الرد الجزائري على دعوة المغرب بفتح الحدود سنة 2008، بنوع من الديبلوماسية والهدوء، حيت كانت جل الردود تتناول الدعوة بنوع من الحذر والأمل، دون الرفض المطلق لها، ودون وضع عراقيل وشروط تعجيزية أمامها.
في هذا الصدد، قال “أحمد أويحيى” رئيس الوزراء الجزائري الأسبق، في كلمة له سنة 2011 “إن الحدود المغربية الجزائرية ستفتح يوما ما، ورغم أنه استبعد وقوع ذلك حاليا، غير أنه تفاءل بقرب ذلك ولم يضع أي من الشروط المتداولة حاليا”.
من مسألة تقنية إلى قضية معقدة
وبخصوص دعوة الملك سنة 2018 لتشكيل آلية حوار مع الجزائر لدراسة وبحث حلول لمختلف القضايا العالقة بينهما، ودون أن ترد مباشرة على المبادرة المغربية، طلبت الجزائر بأن يعقد سريعا اجتماع مجلس وزراء دول المغرب العربي، بهدف إحياء اتحاد المغرب العربي الذي يشل هياكله وعمله الخلافات بين الجزائر والمغرب على خلفية نزاع الصحراء الغربية، ما اعتبرته المملكة هروبا إلى الأمام، وتنصلا جزائريا من المبادرة التي تهم الاشكالات الثنائية، والتي دون حلها لا يمكن تطوير عمل ومسار الإتحاد المغاربي.
بعد صعود الرئيس عبد المجيد تبون إلى رئاسة الجزائر، اعتقد البعض أن الساسة الجزائريون الجدد، سيغيرون نظرتهم إلى مسألة الحدود، وسيوافقون على الدعوات المغربية المتكررة لفتح الحدود، غير أن تبون سار على نهج سلفه بوتفليقة، بل أصبح أكثر تطرفا وتبريرا لبقاء الحدود مغلقة.
وقال تبون في خطاب شهر يونيو الماضي، إنه “لا يمكن فتح الحدود مع المغرب”، معتبرا أنه جار يعتدي على الجزائر يوميا، وهدد بالرد عليه، وقبل ذلك بأيام اعتبر أن الحدود يمكن أن تفتح ولم يذكر كيف ومتى، ما يبين غياب موقف صريح عند الساسة الجزائريين حول وضعية الحدود المغلقة، ما يؤشر على استمرار الوضع على ما هو عليه.
وهكذا تحولت المسألة من مسألة تقنية، في عهد بوتفليقة إلى مسألة مرتبطة بقضايا أمنية وسياسية بالغة التعقيد، وتم ربطها بشروط كبيرة ومجحفة منها توقيف تهريب المخدرات وحل قضية الصحراء، من خلال الطرح الجزائري القاضي بتقرير المصير، بل وهناك من الساسة الجزائريين من يذهب حد طلب اعتذار من المغرب.
مآل الدعوة الجديدة
وأمام مسار الدعوات المغربية الملحة والردود الجزائرية الباردة والمتجاهلة، يطرح السؤال حول مآل الدعوة الجديدة لملك المغرب خاصة في ظل ما تعرفه العلاقات المغربية الجزائرية في الوقع الراهن، بعد واقعة تزوير هوية زعيم البوليساريو من قبل المخابرات الجزائرية.
فهل سيستجيب حكام الجزائر هذه المرة إلى دعوة المغرب إلى إرساء علاقات أخوية مبنية على الثقة المتبادل؟ أم سيكون مآل هذه الدعوة الجديدة كما كانت الدعوات السابقة من طرف المغرب؟ والأيام القليلة المقبلة كفيلة بالاجابة عن هذه الاسئلة.
Insistance malvenue et malveillante.