لماذا وإلى أين ؟

وعود كاذبة وأزمة ثقة..تحديات تواجه شباب المغرب للاندماج السياسي

عادل الورياغلي الطويل

تؤكد جميع الدراسات والأبحاث وكذا الدستور على الدور الكبير والهام للشباب في العمل السياسي، غير أن عزوف الشباب عن السياسة يظل السمة البارزة في المشهد السياسي المغربي، وسط محاولات لتشجيعهم على دخول هذا المجال غير أن الواقع يثبت العكس ويؤكد إبتعاد الشباب عن هذا المجال وهو الأمر الذي يطرح بقوة عند إقتراب الانتخابات بشتى أنواعها خاصة الانتخابات البرلمانية والجماعية، مما يجعل الأحزاب وكذا الحكومة على المحك من أجل ضمان مشاركة أكبر للشباب وإندماجهم في المجال السياسي.

البطالة والاهتمام بأولويات الحياة

يعتبر شباب المغرب أن ضمان مستقبله والحصول على عمل يليق به والتخلص من البطالة من أولوياته في الحياة، دون إعطاء أهمية للسياسة حيث يعتبره أمرا ثانويا ويشوبه مشاكل وعدم الثقة في الأحزاب السياسية وكذا ممثلي الشعب في المجالس المنتخبة كالمقاطعة والجماعة والبرلمان، وهو الأمر الذي يدفعهم للمشاركة في العمل السياسي في الانتخابات فقط عبر الحضور الميداني في الحملات الانتخابية لمرشحي الأحزاب وتوزيع الأوراق للمرشحين والدعوة إلى التصويت إليهم ولكن ذلك ليس إقتناعا منهم ببرامج الأحزاب بل مقابل مبالغ مالية يتلقونها مقابل فعلهم ذلك حيث أن توقف المرشح عن منح الشاب لذلك المبلغ المالي يدفعه إلى التوقف عن الحضور الميداني أو تغيير الحزب الذي يسانده وبذلك يمكن أن تجد بعض الشباب يدعمون حزبا في هذا اليوم ويرتدون قميص حزب آخر في اليوم الموالي ويسانده ويجمع له أصوات المنتخبين.

ويظهر هذا الوضع بجلاء أن البطاقة قهرت الشباب المغربي ودفعته للقيام بأشياء غريبة دون التفكير في مبادئه أو صورته أمام عامة الشعب، حيث يظل المبلغ المالي الذي يحصل له عليه من ذلك المرشح للإنتخابات أهم شيئ بالنسبة له ومخلصه من البطالة.

وفي ذات السياق، نجد أن فئة أخرى من شباب المغرب يهتم بأولويات الحياة مثل التعليم والسكن والعمل ويسعى إلى ضمان الاستقرار الاجتماعي ولا يعطي أية أهمية للسياسة بإعتبار أنه لا تجدي نفعا ويسيطر عليها أباطرة المال والأعمال والمقربين من السلطة، وأن تصويته في الانتخابات أو دخوله غمار السياسة لن يغير شيئا بحكم سيطرة عدد من أباطرة الانتخابات، فيما بعض الشباب الآخر يستشهد بتجاربه أو تجربة أصدقائه في المجال السياسي والتي باءت بالفشل.

عدم الثقة في المؤسسات الحزبية

سنة بعد سنة يزداد منسوب عدم ثقة الشباب في المؤسسات الحزبية، وهو الأمر الذي يستشهدون به عبر تجارهم الخاصة إثر دخولهم لغمار السياسة عبر مختلف الأحزاب، حيث يجدون أنفسهم ليسوا بقوة من أجل التغيير وطرح أفكار وتطبيقها على أرض الواقع حسب ما يصور لهم قبل دخول تلك الأحزاب بل يكونون فقط مكملين لأفكار البعض ممن يسيطرون على تلك الأحزاب.

في الشارع، أو في كلمة لأعضاء الجماعات المحلية أو البرلمانيين أو المسؤولين الحكوميين، تجد كلاما واحدا يؤكد على تشجيع الشباب على الإندماج في العمل السياسي والترشح إلى مناصب المسؤولية وقطع الطريق أمام تجار الدين و أصحاب المال والنفوذ غير أن الواقع شيئ آخر، حيث يجد الشباب أنفسهم أمام معركة مع بعض أباطرة العمل السياسي المتواجدين في أغلب الأحزاب تقريبا والمسيطرين بأموالهم ونفوذهم، فيتم في البداية فسح المجال لهم للعمل وطرح الأفكار والمشاريع وحلول المشاكل، غير أن إقتراحاتهم تظل حبيسة الأوراق فقط ولا يعتد بها من طرف قيادات الأحزاب، كما أن الصدمة الكبرى تكون عند إقتراب الانتخابات حيث أن الوعود التي قدمت للشباب بأنهم سيكونون في لوائح المترشحين في الانتخابات تتبخر حيث يتم الإتيان بأشخاص آخرين لهم نفوذ وباع طويل في المجال السياسي من أجل ضمان مقاعد في الجماعات أو البرلمان فيما تُضرب الوعود التي قدمت لشباب الأحزاب عرض الحائط مما يزيد من سخط الشباب ويرفع منسوب عدم الثقة لديهم في الأحزاب السياسية ويدفعهم لعدم الإندماج فيها وهجرانها.

برامج انتخابية لا تطبق وحكومات فاشلة

يسود لدى شباب المغرب منطق أن الأحزاب السياسية لن تغير شيئا حتى وإن شكلت الحكومة، وذلك إنطلاقا من تجارب سابقة لتجارب أحزاب سابقة كانت على رأس الحكومة والتي قدمت للمواطنين من ضمنهم هؤلاء الشباب مجموعة من الوعود تخص قطاعات مثل التعليم، الصحة، البنية التحتية أو التشغيل غير أن تلك الوعود ظلت حبر على ورق ولم يتم الأخذ بها أو تطبيقها، بل بمجرد وصول هؤلاء السياسيين إلى كراسي المسؤولية حتى إنقلبوا على مطالب الشباب والمواطنين عامة ولم يتم تطبيق أية وعود أو مشاريع التي كان يتم الحديث عنها في الحملات الانتخابية.

ويعتبر شباب المغرب أن الأحزاب السياسية بالمغرب والتي يفوق عددها 30 حزب لا تملك مشروع سياسي واضح وليست لها مبادئ ويمكن الوثوق بها، بل إنها فقط أحزاب تتحرك عند إقتراب الانتخابات من أجل الظفر بمقاعد في مراكز السلطة وهو ما يمكن أعضاءها من الاستفادة الشخصية وتحقيق مصالحهم الشخصية فقط، بحيث يرى الشباب أن هؤلاء المنتخبين لا يرفعون إلا من عدد من ممتلكاتهم الشخصية في حين لا يتم إعطاء أية أولوية لمصالح الساكنة والتي تعاني من أزمة البطالة أو غياب مؤسسة تعليمية أو مركز صحي أو طريق مهترئة، وبذلك يظل المواطنون يعيشون نفس المعاناة لسنوات بحيث يتكرر مع إقتراب أي انتخابات نفس المشهد دون تغيير على أرض الواقع مما أفقد المواطنين عامة والشباب خاصة الثقة في الأحزاب السياسية ودفعهم إلى النفور من الأحزاب.

زيادة على ذلك، فإن الخطاب المنحط لدى بعض المنتخبين وتبادل السب والشتم والشجار في مجالس بعض الجماعات وكذا مستواهم التعليمي الضعيف وهو ما تبينهم طريقة كلامهم في بعض مداخلاتهم أو نوم بعضهم في المجالس المنتخبة، هي مشاهد ومظاهر زادت من سخط الشباب المغربي على السياسة ودفعتهم إلى الإبتعاد عنها بشكل قطعي، خاصة عندما يجدون أن هؤلاء المنتخبين ضعيفي المستوى يصلون إلى نفس مناصب المسؤولية بإستعمال المال أو أشياء أخرى رغم محاولات الشباب الإطاحة بهم عن طريق الانتخابات.

ويرى الشباب أيضا أن الأحزاب لا تقوم بدورها على أكمل وجه على مستوى تأطير الشباب وتكوينهم من أجل الإندماج في الحياة السياسية، بل نجد عكس ذلك حيث أن بعض الأحزاب تحاول قطع الطريق على الشباب وتتركهم مهمشين فقط ولا تريدهم أن يصلوا مناصب المسؤولية بل تفضل أباطرة الانتخابات عليهم.

وفي ذات السياق، فإن أساتذة وباحثين ومختصين في المجال السياسي، يرون أن مشكلة الشباب المغربي ليست في السياسة والإندماج فيها، بل المشكل الأكبر يتعلق بالساسة الذين يسيطرون على الانتخابات ولا يتركون للشباب فرصة الوصول إلى مراكز المسؤولية، وبذلك يتجه الشباب إلى المتابعة والمراقبة للأحزاب السياسية والإنتخابات والمساهمة في إنتقاد الوضع دون الدخول إليه، فيما تعتبر فئة أخرى من الشباب أن التغيير ليس عبر الانتخابات أو الإندماج في الأحزاب السياسية بل سيكون عبر الإحتجاج والضغط في الشارع من أجل إحداث تغيير وتحقيق مطالبهم، وهو ما يفسر النسبة القليلة لتسجيل الشباب في لائحة الناخبين وكذا في التصويت في الانتخابات معتبرين أن الانتخابات لن تحدث تغييرا واضحا وستبقي الوضع على ما هو عليه كما أن السياسيين يقدمون الوعود فقط دون تحقيقها على أرض الواقع.

وفي ظل هذا الوضع، فإنه من بين الحلول لإندماج الشباب في السياسة يجب التقليص من نسبة البطالة وتوفير مناصب الشغل مما يمكنهم من توفير ضروريات الحياة، والتفكير في الدخول إلى مجالات أخرى كالمجال السياسي، وكذا الحد من مظاهر الشعبوية والوعود الكاذبة للمنتخبين والسب والشتم في المجال المنتخبة إضافة إلى توفير الجو المناسب لدخول الشباب للمجال السياسي وتحفيزهم على المشاركة في العمل السياسي عبر تقوية أدوارهم داخل الأحزاب وليس ” أصنام ” دورهم ملئ الكراسي والقيام ببعض الأدوار الثانوية، فضلا عن تكوينهم تكوينا سياسيا وتأطيرهم من أجل الإندماج في الأحزاب السياسية.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x