لماذا وإلى أين ؟

تعليق على أمر قضائي بتحميل عامل إقليم غرامة تهديدية تؤدى من ماله الخاص

د. العربي محمد مياد

تناولت مواقع التواصل الاجتماعي الأمر القضائي رقم 725 بتاريخ 8 يوليوز 2021 في الملف عدد 569/7101/ 2021 صادرا عن رئيس المحكمة الإدارية بالدار البيضاء قضى بتحميل عامل إقليم مبلغ 3000 درهم كغرامة مالية تهديدية تقتطع من ماله الخاص عن كل يوم تأخير في تنفيذ حكم قضائي صادر عن المحكمة المذكورة والمؤيد استئنافيا من طرف المرجع الاستئنافي المختص موضوع ملف التنفيذ ، وذلك من تاريخ الامتناع عن التنفيذ الذي هو 14 مارس 2021.

أولا الوقائع : تقدمت المدعية بطلب إلى المحكمة الإدارية بالدار البيضاء يرمي إلى تحديد مبلغ 3000 درهم كغرامة تهديدية يؤديه عامل إقليم لفائدة المدعية عن كل يوم تأخير في تنفيذ حكم صادر عن المحكمة المذكورة بتاريخ 13 فبراير 2020 تحت عدد 228 الذي تم تأييده من طرف محكمة الاستئناف بالرباط .

وقد أدلى المدعى عليه بواسطة محاميه بمذكرة جوابية التمس فيها التصريح أساسا بعدم قبول الطلب واحتياطيا في الموضوع برفضه. فيما أدلى الوكيل القضائي للملكة بمذكرة بصفته “نائبا” عن المدعى عليه، ترمي إلى التصريح أساسا بانعدام الاختصاص واحتياطيا برفض الطلب بداعي انعدام الأساس القانوني لعدم جواز الحكم بالغرامة الشخصية عن عدم تنفيذ حكم صادر في مواجهة الإدارة .

النقط المثارة التي تتطلب النقاش : انعدام الاختصاص النوعي ؛صفة الوكيل القضائي في التقاضي نيابة عن الأشخاص الذاتيين

أولا : مدى اختصاص المحكمة الإدارية في الحكم بغرامة تهديدية تؤدى من المال الخاص لموظف عمومي

اعتبر رئيس المحكمة الإدارية بالدار البيضاء بصفته قاضي المستعجلات مختصا للحكم بغرامة تهديدية ضد عامل الإقليم تؤدى من ماله الخاص، معللا أمره بأن اعمال قواعد المنطق السليم واستلهام روح النصوص القانونية ومغزاها ، تجعل تمسك الوكيل القضائي للمملكة بعدم اختصاص قاضي المستعجلات في هذه النازلة بعيدا كل البعد عن التطبيق السليم للقانون وايصال الحق إلى صاحبه في وقت وجيز وأن مسايرة ما جاء في هذا الدفع قد يؤدي إلى العدالة البطيئة التي تعتبر نوعا من الظلم، علما أن السياسة العامة للدولة تعمل جاهدة على القضاء على مثل هذه العدالة التي يؤدي إلى فقدان ثقة المواطن في قضائه .

وعلل رئيس المحكمة موقفه بأنه مادام أن المحكمة التي يرأسها هي التي أصدرت الحكم المطلوب للتنفيذ تبقى هي المختصة بتنفيذه ، وأن المحكمة المذكورة ذات الولاية العامة للبت في كل اجراء ذا صلة بعملية التنفيذ بما فيها الغرامة التهديدية الشخصية .

لكن، ما يلاحظ على الاتجاه الذي سارت فيه محكمة الرئيس ، هو التداخل بين مجريات الحكم موضوع التنفيذ ، إذ لم يتم التمييز بين عامل الإقليم كمؤسسة دستورية مستقلة وبين الفرد الذي يمارسها ، كما أن الذمة المالية لكلاهما غير مختلطة ، فعامل الإقليم إنما هو طبقا للدستور ولاسيما الفصل 145 ، ممثل للسلطة المركزية في الجماعات الترابية، كما أنه طبقا للقانون التنظيمي 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم دوره محصورا في التأشير على الميزانية دون أن يرقى إلى وضعية الآمر بالصرف . وبالتالي فإن الحكم يكون في مواجهة مؤسسة العامل و ليس في موجهة ذاته ، علما أن الفصل 440 من قانون المسطرة ربط التنفيذ بالمحكوم عليه ، وإذا كان المدين معسرا وطلب مهلة استرحامية امكنه ذلك ، وإذا كان امتناعه عن التنفيذ غير مبرر يمكن اللجوء إلى وسائل التنفيذ الجبري في مواجهته .

وبالتالي لا يمكن تحت تبرير المسؤولية الشخصية تحميل عامل الإقليم شخصيا عواقب عدم تنفيذ الحكم القضائي الموجه ضد شخص معنوي ، بتأويل رفض عامل الإقليم استقبال مأمور الإجراءات بأنه ” لم يول أي اهتمام لتنفيذ الحكم الصادر في مواجهته .” ثم إن عامل الإقليم ليس مؤسسة مستقلة عن الدولة ، وكان من المفروض توجيه الدعوى الأصلية في مواجهة رئيس الحكومة مع ادخال وزير الداخلية في الدعوى في الحالة التي توجه الدعوى ضد المؤسسة الدستورية.

وفي جميع الأحوال ما دام أن الطلب المرفوع للمحكمة يتعلق بالحكم بغرامة تهديدية شخصية ، تكون المحكمة الإدارية غير مختصة نوعيا طبقا للفصل 8 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية ، لأن المدعي نزع عن عامل الإقليم صفته كموظف عمومي وسعى إلى منازعته كشخص عادي، وبالتالي كان من المفروض على قاضي المستعجلات القول بعدم الاختصاص النوعي ارتباطا بعدم اختصاص المحكمة الإدارية التي يرأسها . والاختصاص النوعي من النظام العام . واختصاص رئيس المحكمة الإدارية تابع للاختصاص الموكول لهذه المحكمة . لذلك نرى بأن الأمر القضائي لم يجعل لأساسه مدخل قانوني سليم .

ثانيا : صفة الوكيل القضائي للمملكة

يلاحظ أن جل الدفوعات التي أنبنى عليها الأمر القضائي تهم مذكرات الوكيل القضائي للمملكة ، عوضا عن دفاع المدعى عليه المحامي بهيأة سطات. رغم إشارة الأمر إلى صفته ومركزه القانوني . مما يجعلنا نتساءل عن الجهة التي أدخلت الوكيل القضائي للمملكة في الدعوى ، هل بمبادرة شخصية منه أو مدخلا في الدعوى . وفي جميع الأحوال فإن الوكيل القضائي للمملكة طبقا للفصل 514 من قانون المسطرة المدنية ، لا يمكن إدخاله في الدعوى إلا إذا كان الطلبات تستهدف التصريح بمديونية الدولة أو إدارة عمومية أو مكتب أو مؤسسة عمومية للدولة تحت طائلة عدم القبول .

وما دام أن الطلب لا يستهدف مديونية الدولة أو أي شخص عام ، وإنما الذمة المالية الشخصية للمدعى عليه ، فإنه لا مكان للوكيل القضائي في الدعوى ، وما كان على محكمة الرئيس الالتفات إلى مذكراته بل كان من المفروض استبعادها من الدعوى .

وحتى على فرض وجوب ادخال الوكيل القضائي في الدعوى ، فإن الوكيل القضائي المعني هو الوكيل القضائي للجماعات الترابية وليس الوكيل القضائي للمملكة ، طبقا للمادة 212 من القانون التنظيمي المتعلق بالعمالات والأقاليم الصادر بتنفيذه الظهير الشريف بتاريخ 7 يوليو 2015.

عضو مختبر الدراسات والابحاث القانونية والسياسية واستاذ زائر بماستر القانون والممارسة القضائية بجامعة محمد الخامس بالرباط
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

2 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
يوسف
المعلق(ة)
24 أكتوبر 2021 22:13

حكم اداري فريد ويجب ان يصبح مرجعا
فكما يعرف الكل ان مشكل تنفيذ الاحكام القضاءية يعرقله ويمتنع عنه المسؤول عن المرفق بسبب التعنت والتجبر وعدم الرضوخ للمشروعية وكلها دوافع شخصية محضة مع استغلال ضبابية القوانين فكان اجتهاد صاءب لرءيس المحكمة الادارية ونتمى ان يعمم وكفى من التملص من تنفيذ الاحكام القضاءية انها تصدر باسم الملك فالامتناع عن تنفيذها بمثابة احتقار وتبخيس والله الموفق وما احوجنا لمثل هذه الاحكام التي تعبر عن صحوة قضاءية سيستفيد منها المغاربة

محمد أيوب
المعلق(ة)
24 أكتوبر 2021 20:07

موضوع في محله:
ما أحوجنا إلى مثل هذه المواضيع…يعرف الباحثون في القانون الاداري بأنه قانون ينبني في بعض أسسه على الاجتهاد القضائي…وكثير من المواطنين يجهلون المساطر الإدارية فتضيع حقوقهم…من بين الأحكام الشهيرة في قضائنا الاداري حكمين اثنين هما:حكم عبد الحميد الرندة وحكم مزرعة عبد العزيز…حكمان كانا في قضيتين احد اطرافهما كان الملك المرحوم الحسن الثاني…وهناك اجتهادات إدارية مهمة تتعلق بتدبير شؤون الموظفين وعلاقة الإدارة بهم وبالمرتفقين…الخ…حبذا لو يقوم الموقع بنشر بعض هذه الاجتهادات والتعليق عليها من طرف قانونيين مختصين لتنوير القارئ…شكرا للموقع على هذا الموضوع القيم الذي انساني،ولو لفترة وجيزة،قضايا السياسة وتوابعها…

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

2
0
أضف تعليقكx
()
x