2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

محمد العطلاتي
لقد كان التعليم بالمغرب مسألة و موضوعا لتجاذبات و نقاشات حادة بين مختلف وجهات النظر التي تمثل أطيافا اجتماعية متعددة، لكنها كانت، في واقع الأمر، لم تكن سوى مجرد نقاشات بزنطية، إذ أنها لم تنتج في النهاية رؤية متكاملة و منسجمة حول المسألة التعليمية و نموذجا يمكن التعويل عليه لإنتاج الوسائل و الكفاءات العلمية الكفيلة بنقل المغرب من حالة التخلف الشامل نحو حالة التحديث و العصرنة و التطور.
طوال العقود المديدة التي أعقبت حصول المغرب على استقلاله، ظلت مسألة التعليم قضية لم يُحسم فيها القول بطريقة تحضى بقبول الأغلبية، لأن سلطة التقرير في الموضوع ارتبطت على الدوام بالسلطة السياسية في المركز، و دون توسيع دائرة النقاش بشأنه بين النخب العالمة الحقيقية و المؤهلة للإفتاء و إبداء المشورة الحسنة، و نتيجة ذلك انحسرت النقاشات التي طبعت الفترات الأولى لاستقلال المغرب في مواضيع تكتسي طابع العمومية و التجريد، و تغلب عليه الشعارات الطنانة بدل البرامج الفعلية و العملية الكفيلة بتطوير التعليم و تثمين جودته، و لهذا السبب، أعلن الملك الراحل الحسن الثاني موقفه بكل جرأة حينما علق على مخرجات ” لجنة خاصة بالتعليم” بالرفض التام معتبرا أنها مازالت ” تفكر بعقلية الماضي فيما يخص مواضيع مثل المغربة و التعريب و التوحيد”، كما “انتقد ازدواجيتها إزاء موقفها من التعليم الخاص و الازدواجية اللغوية”.
إن إشكالية التعليم بالمغرب، التي يشترك فيها مع دول من نفس الطينة، لا تحل بإجراءات تكتيكية و تدابير انفرادية، بل لا بد، في المقام الأول، من توفير مرجعية فلسفية تشكل أساسا نظريا عميقا باستطاعته أن ينتج برامج قادرة على تطوير التعليم ليكون رافعة حقيقية للتنمية، وهي، في هذه الحالة، ضالة الجميع.
إن السؤال المركزي، ضمن لائحة أسئلة حالة و واقع التعليم بالمغرب، يجب أن ينصب منذ البداية على الغرض الأساسي المتوخى بلوغه أصلا من التعليم، فنجاعة التعليم و مردوديته لا تقاس بالنظرة الكمية للأشياء و المبالغ المالية المرصودة له، بل من خلال تحقيق التناسب الفعلي بين الوسيلة (التعليم) و الهدف (الغرض)، وفي هذا السياق يلخص جمال أبو الحسن، وهو كاتب مصري، غاية التعليم و الغرض منه في اعتباره “تدريبا الإنسان على الحياة”.
إنطلاقا من هذا التصور البسيط، و العميق في نفس الآن، يمكن التعليق و التساؤل حول حجم الموارد المالية التي خصصتها الدولة المغربية للإنفاق على التعليم، ( ارتفعت من 24.8 ملٌيار درهم سنة 2001 إلى أكثر من 62 ملٌيار درهم سنة 2011) و ما إذا كانت هذه الاستثمارات العمومية قد وُفِّقت في معالجة الإشكالات البنيوية للمسألة التعليمية بالمغرب أم أنها كانت مجرد نفخ في الرماد؟
لقد انخرطت الحكومات المتعاقبة على المغرب، منذ تاريخ الاستقلال و إلى يوم الناس هذا، في عدة محاولات لإصلاح التعليم، محاولات تراوحت بين أسلوب يعتمد المخططات الثلاثية و الخماسية، و المخططات الاستعجالية و بين أسلوب يستند على عمل اللجان الوطنية و الملكية و عقد المناظرات، لكن هذه المحاولات ظلت، رغم مرور الوقت، مبادرات عقيمة و غير ذات جدوى، فقد أنفقت بشأن صياغتها و إعدادها و كذا تنفيذها على أرض الواقع اعتمادات مالية كبرى، وفي المقابل لم تحقق تلك “المحاولات” أي تطوير نوعي لواقع التعليم بالمغرب، بل استمرت الإصلاحات المزعومة و الكاذبة في استنزاف الاعتمادات دون طائل.
لقد نالت القرارت الوزيرية التي أصدرها شكيب بنموسى في الفترة الأخيرة موجة من الانتقاد و الرفض من قبل جماعات مختلفة، و فسرت مضمونها تفسيرات متنوعة يصب جميعها في مصب التأويل السياسي و الانحراف عن طريق البرهان، و هو ما يعتبر نتاجا مباشرا لفشل النظام التعليمي المغربي في تحقيق الهدف الأسمى و هو إنتاج “الإنسان المُدَرّب على الحياة” !
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.