لماذا وإلى أين ؟

سُؤال الثقـــافة الجــــهويّـة الحقيقية؟

قبل مدة غير بعيدة، جرى انتخاب المكاتب المسيرة لمختلف الجهات المغربية، و ذلك تأسيسا على نتائج الاقتراع الذي جرت أطواره صيف السنة الماضية، وهو ما شكل، مرة أخرى، مناسبة للحديث عن طبيعة الجهوية و أشكالها الإجرائية و أنماطها التطبيقية، مع ما يتصل بذلك من تفسيرات و مناقشات يدور معظمها حول مواضيع الحكامة و نظرياتها الجديدة و تطبيقاتها الممكنة، و قد استوى في هذا الحديث،كما هو واضح من خلال متابعة النقاشات الجارية، من كان له سابق معرفة بالموضوع مع من لم يكن له سوى رصيد فارغ من أدوات التحليل و النقد الموضوعي، بشكلٍ أصبحت معه هذه “الجـهـوية” حديثا للعالِم الفقيه و الجاهِل السفيه، سواءً بِـسواء.

و بصرف النظر عن اختلاف المناهج و التصورات التي قد يتبناها عموم المهتمين بهذا الشأن، فإن هذا الحديث ربما يعكس، على الأقل من الناحية الشكلية، مقدار ما حققته حرية التعبير السياسي بالمغرب من تقدم، تقدمٌ قد يراه البعض بطيئا، و قد يراه آخرون سائرا بخطوات أسرع من المطلوب.

اليوم، و نحن نسير على نهج الجهوية المقررة بمقتضى القانون الداخلي، وهي بالمناسبة جهوية أسس لوجودها الحامي الفرنسي السابق للمغرب، فمن حق الجمهور، عبر نخبه السياسية و أُطُرِه القانونية، أن يتساءل عن مقدار الإنسجام الحاصل داخل الجهات الإثنى عشر، و أن يطرح السؤال حول مدى امتلاك هذه “الوحدات” لمقومات الاستمرار و تلبية حاجات مواطنيها؟ و هل يجوز الاعتقاد بأن هذه الحاجات المطلوبة لا تبدأ إلا بالإستثمار في الموارد الإنسانية، و لا تنتهي إلا بتحقيق التنمية الشاملة، باعتبارها غاية كل عاقل ؟

إنها أسئلة تكتسبُ صفتها المُقلقة اعتبارا لطبيعة الفلسفة السياسية المؤطرة لِعمل “الجهوية المغربية”، وهي في واقع الأمر أسئلة تتعلق بمدى امتلاك “الجهوية “، في صيغتها الحالية، نظريةً فكرية متكاملة إزاء كيفية إرسائها ؟ أم أن الأمر على خلاف ذلك و أنه لا يعدو كونه مجرد شكلٍ من أشكال التقسيم الإداري المُقتبس من مراجع القانون الإداري الفرنسي؟ و هل نتوفر حقيقة على بيئة جهوية ملائمة و متكاملة العناصر، بيئـة بإمكانها أن تُشكِّـل حضنا حقيقيا يتناسق فيه الرافد الإقتصادي مع الرافد الإجتماعي تحت الرعاية “الثقــافية” المطلوبة التي يُفْترض أن “المفهوم الجديد للجهوية” قد أعدَّها بعناية علمية بالغة ؟

الأجدرُ بنا جميعا أن نقدم إجاباتٍ مقنعة حول هذه الأسئلة الكثيفة، و غيرها مما قد يطرحه الناس في كل مرة و حين، سواء أكان ذلك بصورة صريحة في أشغال الندوات و المحاضرات الدراسية، أو كان بصورة ضمنية من خلال التساؤل عن طبيعة الإضافات التي انتظروها و ينتظرونها من هذه الأشخاص المنتمية للقانون العالم المسماة “جهات”، لأن الإجابات الصحيحة عن هذه الأسئلة قد تكون كفيلة بنقل وضعنا الإداري المُسمى “جهـوية” من حالة الارتجال و الارتباط العميق بثقافة المركزية إلى حالة الفاعل المؤثر، الفاعل القادر على إبداع فرص حقيقية للارتقاء و التطور بالاعتماد على إعمال الفكر المُبدع الخلّاق، بدل التعامل مع موضوع الجهوية بعقلية التبعية للمركز، بل و التشبه به كعقيدة مستترة .

إذا كانت مجالس الجهات، في النظام الإداري الحالي، تفتقد في عملها للإطارات القانونية الضرورية، فهذا موضوع قابل للمعالجة، و إذا كانت في حاجة إلى تعديل القانون، أو حتى تعديل الدستور نفسه، فهو أمر متاح في كل لحظة و زمان، لكن حينما تكون الجهات، بالمفهوم الذي أُحدثت به قبل سنوات، في حاجة إلى إرساء ثقافة الجهوية بأبعادها و امتداداتها المختلفة، فإن الأمر يصبح أكثر تعقيدا، و التعقيد المقصود هنا لا صلة له بالموارد المالية،كما هو شائع لدى أغلب المنتخبين، بل يتعلق في المقام الأول بكيفية الإجابة عن سؤال مركزي ذي طبيعة فكرية هو : كيف يمكن الإنتقال بمجتمع يُعـاني من مؤثرات الثقافة القـروية و يعيش على طبيعته الإنقسامية، نحو مجتمع جـهوي فعلي و متكامل تؤطره ثقافة الجهوية الحقيقية ؟

 

 

 

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x