لماذا وإلى أين ؟

رسالة إلى أخنوش.. رجَاءً صَحِّحُوا مُغالطات الناطِق الرسْمي باسم حكُومتكُم

رسالة إلى السيد رئيس الحكومة
رجَاء صَححُوا مُغالطات الناطِق الرسْمي باسم حكُومتكُم
انفجَــار السجون بِنزلائِها له أسبابه العميقة عليه فَهمها…

النقيب عبد الرحيم الجامعي
السيد رئيس الحكومة،

هل صحيح أن درجة تقدم الدول تُقاس بأوضاع سجونها ؟ فإن كان الجواب واقعيا و صحيحا فإن تقدم المغرب أمر لابد من إعادة النظر فيه من قبل من يتولون تدبير سياساته العمومية.
و هل صحيح ما تناقلته الصحافة حول ما صرح به يوم الثلاثاء الماضي و ما قدمه الناطق الرسمي باسم حكومتكم امام مجلس المستشارين من مبررات لاقناع المؤسسة التشريعية ببناء احدى عشر سجنا كحل في نظره للإنفجار الذي تعرفه السجون بآلاف السجناء المكتظين، حيث ادعى ان أسبابه تعود لقرب السجون من مقرات المحاكم…../.

ان منظق الوزير الناطق باسم حكومتكم في تصريحاته إما انه يفتعل على المستشارين و يحرف المعطيات ولا يعلم شيئا عن الموضوع الذي أعطى فيه الرأي الحكومي، و كان عليه قبل الجواب عن السؤال دراسة الموضوع بتاريخه و مقدماته و تطوراته و تعقيداته، و إما أنه ينقل رأي الحكومة و أجوبتها في أخطر الإشكاليات مثل إشكاليات السياسة الجنائية في مجال العقاب و يقترح امام المؤسسة التشريعية حلولا بعيدة عن الحقيقة ولا يمكن الدفاع عنها و إقناع الراي العام بها، لأن بناء السجون ليس هو الحل الحقيقي للإكتظاظ، مما يبقى معه قول الوزير افتراءً و وهماً على ممثلي الشعب المغربي الذين يستحقون أن يستمعوا إلى التحليل السياسي والمقاربات العلمية التي يجب على الحكومة عرضها عليهم، ليكونوا على بينة لمّا يجتمعون لبلورة الرأي والمواقف التشريعية الضرورية التي تخرج سجون المغرب من حالة المأساة، فأنتم و الرأي العام والحقوقيون والمهنيون من قضاة و محامين ومؤسسات السجون، على دراية بها ومعرفة حقيقية بأسبابها والتي تتطلب من حكومتكم اجتهادات أخرى أكثر مردودية و نجاعة و نضجا من المغامرة في بناء السجون كجواب سياسي فاشل عن سياسة الإعتقالات المؤقتة و الإحتياطية التي تجريها الحكومات قبلكم وستعجز حكومتكم على حلها إن اعتمد المغرب على منطق الناطق باسم الحكومة،و على الحل الفلكلوري الذي قدّمه والذي ليس هو الجواب الذي كنتم ستقدمونه انتم أو وزير العدل لو كان يعي دور الأسئلة و الأجوبة الذي تعني الرقابة الحقيقية البعيدة عن المجاملة و عن الدبلوماسية و السطحية بين الحكومة والبرلمان بغرفتيه.

ومن أجل مساعدتكم على كشف الأخطاء السياسية والقانونية للناطق الرسمي باسم حُـكومتكم و البعيدة عن المعايير و المفاهيم السوسيو ثقافية والقانونية و الجنائية، دعوني أشير الى خمس حقائق وهي :

أولا: ليس سبب انفجار طاقات السجون المستمر قُربها من مَقرات المحاكم أو بُعدها عنها، فالمسافة بين المؤسسات السجنية و مقرات المحاكم و مقرات مراكز الشرطة تعكس نمطا آخر من المشاكل لها تداعياتها على موظفي السجون و على الأمن المكلف بالخفر و على ميزانيات النقل و على ترقب المخاطر كالحوادث و فرار المعتقلين…إلخ، فكل ذلك لا يعلمه الناطق باسم حكومتكم على ما يبدو، وكله يمكن إبداء وصفات لحله، لكنها ليست هي أسباب الإكتظاظ.

ثانيا: سبب الإكتظاظ المركزي يعرفه جيدا كل من المهنيين والسياسيين الفاعلين في مجال العدالة و في مقدمتهم وزير العدل والمحامين والسلطة القضائية و خصوصا مؤسسة النيابة العامة ومندوبية السجون وقضاء التحقيق و قضاء الحكم ، و السبب هو السياسة الجنائية التي لا تعطي للحرية مكانتها في الممارسة اليومية لتدبير الدعوى العمومية، و تدبير الإعتقال الإحتياطي،و هو وضع خطير على مجتمعنا والذي لم تجد الحكومات المتوالية الجرأة السياسية على الإعتراف به و الإعتراف بمخاطره، ولا الشجاعة لتقديم الحلول الحقيقية له غير الوقوف أمام شعار ” ترشيد الإعتقال الإحتياطي ” والذي أصبح شعارا فارغا من أية معاني بكثرة ترديده ، لأنه يقف عند ملاحظة الآفة و عُمقها و استمرارها لكن من دون جواب سياسي و تشريعي و قضائي حقيقي، ينقل الخيار الإستراتيجي للحكومة في قطاع السجون من الإرتجال والترقيع إلى مكان الحل الصحيح و هو تنزيل الخيارات الدستورية في احترام قرينة البراءة، و ضمان الإعِمَال الفعلي لحقوق و حريات المواطنين، و عدم إنزال عقوبات طويلة بهم قبل مُحاكمتهم من خلال استعمال الإعتقال الإحتياطي دون شروط دقيقة أو مراقبة حقيقية و بنوع من الشطط في السلطة من قبل أربع جهات وهي الضابطة القضائية والنيابة العامة و قضاء التحقيق و هيئات الحكم.

ثالثا: سبب الإكتظاظ الذي يفجر طاقات السجون و الذي تناولته التقارير المختلفة مثل التي وضعها حقوقيون و برلمانيون واعلاميون وغيرهم، والتي تعرفونها كرئيس للحكومة ويعرفها معكم المهنيون والقانونيون ومنهم وزير العدل و قضاة المحاكم و المحامون و المندوبية العامة للسجون، لا تعود لقلة عدد السجون، ولا تجد حلها في بناء السجون، لكن تعود للأوضاع المزرية للمحاكم، ولظروف اشتغال القضاة، و للضغوط التي يتحملها النساء والرجال منهم، و اللواتي و الذين يمارسون مهامهم ويبتّــون في العشرات و أحيانا المائات من الملفات بالجلسات،مُكرهين بفعل الزمن والسباق مع الساعة لمناقشة القضايا بسرعة و بتسرع أحيانا ليفصلوا في المتابعات وفي الطعون باحثين قدر الإمكان للمعتقلين عن أحكام تحدد مصيرهم، وفي ذلك تتعَرض الأحكام والقرارات لخطر الإنزلاق في العقوبات المغيلة في التشدد، و خطر ضعف فرص المداولات المعمقة و الملاءمة لحجم الملفات و أخطار التقدير السيئ غير العادل للعقوبة بإنصاف و ضمير، وخطر الإنحراف عن ضمان المحاكمة العادلة، وضمان الأمن القضائي للمحكومين، وضمان عقلنة ونجاعة العقاب ، وخطر عقاب المظلوم أو تبرئة الظالم.

رابعا: سبب الإكتظاظ بالمؤسسات السجنية، الذي تحدث عنه الناطق الرسمي باسم حكومتكم لا يعود لبعد المحاكم عن السجون ، بل يعود لمعضلة سياسية مزمنة أخرى، متمثلة في ضعف آلية التشريع التي لا تنتج التشريع الضروري أو لا تنتجه بسرعة او تنتجه معيبا أو منحرفا أو غير متلائم مع الدستور ومع المواثيق الكونية لحقوق الإنسان أو مع الحاجيات المجتمعية الحقيقية، و تكمن كذلك في ضعف آلية المقترحات في مجال التشريع التي تملكها الفرق السياسية بالبرلمان و التراخي في استعمالها مجاملة للحكومة أو خوفا منها ، فالمعروف لدى الرأي العام و لدى المتتبعين أن مشروع القانون الجنائي مثلا معلق منذ التسعينات من القرن الماضي من عهد الوزير السيد الإدريسي المشيشي و الوزراء الذين أتوا بعده، ومشروع المسطرة الجنائية معلق الى اليوم مرة بالبرلمان و أخرى بمكاتب الحكومة، وتعرفون أن الصراعات السياسية والإيديولوجية و الحسابات السياسوية و غيرها عطلت مسار المنظومة الجنائية، وهذا ما أطاح بمحاولات الإصلاحات المنتظرةو البحث عن الحلول في مجال السياسة الجنائية ومجال السياسة العقابية ومجال قانون السجون ومجال اعتقال الحرية دون حدود و لا معايير صارمة.

خامسا. : أعتقد أنه امامكم بصفتكم رئيسا للحكومة و أمام وزير العدل، خيار وحيد و هو الإسراع في وضع الإطار التشريعي الحديث المهيكل الحقيقي للسياسة الجنائية،تأسيسا على مقاربة كونية حقوق الإنسان، وإشراك كل المعنيين بالموضوع، و تنزيل كامل لكل أحكام الدستور، وعلى بلورة مدونة جنائية برؤية متقدمة و ناجعة تعزز قرينة البراءة وتعزز مكانة ومقومات الحق في الدفاع، و ترفع الغموض و الحيرة والشطط في مجال السلطة التقديرية الممنوحة للنيابة العامة ولقضاء الحكم، و ترفع اللبس عن ماهية الدليل الجنائي و ادارة وسائل الإثبات، وتعمق مجال المشروعية الجنائية من البحث التمهيدي للمحاكمة و تنفيذ الحكم،، و تكرس الحق في التعويض عن الخطأ القضائي وعن الإعتقال الإحتياطي من ميزانية الدولة، و بواسطة مؤسسة مستقلة.

هذا تفاعل أملاه الوضع بالسجون نتيجة سياسة جنائية متجاوزة وتحتاج إلى عقول مؤمنة بالتغيير. أتمنى أن تضعوا حدا للإنتظار، فالانتظار يقتل الأمل، ويقتل الثقة في المؤسسات.
النقيب عبد الرحيم الجامعي

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

2 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
salim
المعلق(ة)
30 أبريل 2022 08:06

واش المغرب ما عطا غير هاد النقيب ديال 1970.أكبر مفسد ديال القضاء هما المحامون اللي كا يجرجرو القضايا و يعطلو الاحكام باش يطلعو الاتعاب ديالهم !

حنظلة
المعلق(ة)
29 أبريل 2022 18:08

لا فض فوك أيها المحامي الفذ…
هل بطن المغرب لم تلد رجالا في المستوى إلا أمثال هذا الناطق ووزير التقاشر ورئيسه المتخصص في الأسعار؟؟؟؟؟

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

2
0
أضف تعليقكx
()
x