لماذا وإلى أين ؟

لماذا أصبحت الأحزاب السياسية تقتات على ميزانية دافعي الضرائب؟

أجلت الحكومة المصادقة على مشروع المرسوم رقم 2.22.447، الذي قدمه وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، أمام المجلس الحكومي اليوم الخميس، والقاضي بتغيير وتتميم المرسوم رقم 2.12.293 الصادر في 5 يوليو 2012، الذي ينص بتحديد كيفيات توزيع الدعم الممنوح للأحزاب السياسية وطرق صرفه، والتي قدمها.

وينص مشروع هذا القانون على الرفع من الدعم المالي المقدم للأحزاب السياسية المغربية على أن تصرفه في مستويات محددة من خلال تخصيص 50 بالمائة من المبالغ الإجمالية للدعم في تغطية مصاريف تدبير الأحزاب السياسية، و20 بالمائة في شكل دعم سنوي إضافي يخصص لتغطية المصاريف المترتبة على المهام والدراسات والأبحاث؛ و30 بالمائة للمساهمة في تغطية مصاريف تنظيم المؤتمرات الوطنية العادية للأحزاب السياسية.

هذا الرفع من الدعم المالي المقدم للأحزاب يحيلنا على التساؤل عن ما إن كان ذلك سيؤثر على ادائها السياسي وخدماتها التأطيرية للمواطنين، والرفع من مستوى نضالاتها الترافعية عن هموم وانشغالات المواطن المغربي.

في هذا السياق، يرى المحلل السياسي و أستاذ القانون الدستوري والفكر السياسي بجامعة القاضي عياض، عبد الرحيم العلام، أن “الدعم العمومي للأحزاب السياسية مهم للأحزاب، لأن به يمكنها أن تشيد مقراتها وتقيم أنشطة في ظل انحصار جانب التطوع لدى الأعضاء الحزبيين، وضعف الموارد بالنسبة للأعضاء الحزبيين، واشتراكات تكاد تكون هزيلة، وأيضا العضوية داخل هذه الاحزاب ضعيفة، ما يعني ان هذه الأحزاب السياسية تحتاج إلى دعم”.

وأوضح العلام، في تصريحه لـ”آشكاين”، أن “السؤال المطروح هو لماذا أصبحت الأحزاب السياسية تحتاج إلى دعم، علما أنه في  تاريخ المغرب كان لدى هذه الأحزاب السياسية اكتفاء ذاتي ولديها موارد وشركات وأعضاء بالآلاف واشتراكات”، متسائلا: “لماذا أصبحت الأحزاب السياسية تقتات على ميزانية دافعي الضرائب”، معتبرا “أننا هنا ندخل إلى عمق الأزمة”.

“وعمق هذه الأزمة”، يضيف المتحدث هو أن “الأحزاب السياسية لم تعد تراهن على التغلغل داخل القواعد الشعبية، ولم تعد تستهدف أكثر استقطاب الطاقات، وإنما  تحولت إلى ما يشبه شركات، وهذه الشركات أصبحت تبحث عن زبائن وليس عن أعضاء”.

واسترسل أن “هذه الأحزاب تراهن اليوم على التغلغل داخل مؤسسات الدولة من حكومة وبرلمان وغيرها، ومن خلال التواجد في هذه المؤسسات تحصل على جانب من الدعم، إذ أن توفر الحزب على عدد كبير من البرلمانيين يعني أن لديه دعما أكبر”.

وتابع أن الأحزاب “توزع منافع على محازبين جدد يطمعون في نيل هذه المنافع والأعطيات، إذ أننا تحولنا من الأحزاب كمنظمات وساطة هدفها النضال من أجل التغيير وإحداث الإصلاحات بقدرات ذاتية، وهذه النضالات ستدخلها بالضرورة في صدام مع دواليب السلطة، (تحولنا) إلى أحزاب تطمح للتواجد داخل المؤسسات الحكومية، وهذا هو الخطير في الدعم، إذ أن الحبل السري الرابط بين الدولة والأحزاب السياسية يجعل من الصعب جدا أن نتوقع أن يكون للأحزاب مواقف ضد الحكومة أو السلطة”.

وأبرز أن “دعم الأحزاب بالأموال بين الفينة والأخرى والزيادة في هذه الأموال كلما نضب أو جف معين موارد هذه الأحزاب، تضخ فيها الدولة أموالا أخرى، ما جعل الأحزاب السياسية لا تفكر في تنمية قدراتها المالية من خلال جلب أكبر عدد من الأعضاء، إذ انها تستعيض عن العضوية الحزبية بدعم الدولة، لذلك أصبحنا نرى عددا من الأحزاب لا تعلن عن قوائم الأعضاء في صفوفها، وحتى المؤتمرات فإن أغلب الأحزاب تحدد من فوق عدد المؤتمرين”.

ولفت الانتباه إلى أنه “من المفروض إن كان لديك مثلا 40 ألف عضو بالحزب فسيكون لديك عدد محدد من المؤتمرين، أما الآن فأصبحت الأحزاب تحدد عدد المؤتمرين ويجلبون هؤلاء المؤتمرين حتى لو لم يكن لديهم سابق عضوية”.

وشدد العلام على أنه “إن كانت الدولة تريد أن تدعم الأحزاب السياسية يجب أن تعطينا أحزاب سياسية قوية، وهذا لا يعني أن تخلِّف الدولة أحزابا تعارضها لأن هذا أمر غير مقبول وغير ممكن، وإنما يفترض أن ترفع السلطة يدها عن العمل الحزبي وتترك الأحزاب السياسية تشتغل بأريحية في نضالاتها، لأن الأحزاب السياسية ضعيفة وتسودها الانشقاقات”.

وأشار إلى أن “السلطة لم تكن يدها بيضاء في تاريخ العمل الحزبي، ففي عهد إدريس البصري شهدنا ما الذي أحدثه بخوص حزب الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية وأحزاب الكتلة بشكل عام، وكم من تشجيع على الانشقاقات، وكنا نرى قبل الانتخابات بأيام قليلة يحدث حزب جديد وينال الأغلبية في أي انتخابات، وهذا ما حدث في 2009”.

موردا أنه “إذا كانت الدولة لن تدعم الأحزاب كي تسهم في تأطير المواطنين، فيجب ان تسهم في معالجة الأعطاب الداخلية التي تعصف بالأحزاب والضربات الخارجية التي تلقتها الأحزاب”.

“وهذه المشاكل هي التي تجعلنا بدون أحزاب سياسية”، يورد العلام “وهي التي تضرب القدوة الحزبية وهي التي تجعل المواطنين ينفرون من الأحزاب السياسية، كما أن الأحزاب بجب أن تكون لديها القدرة على  تطبيق برامجها، لأنه لا يعقل أن ترفع الأحزاب السياسية شعارات كبرى وعندما تصل إلى السلطة تجد أيدبها مكبلة”.

وخلص العلام إلى أن الدليل على ذلك “ما حدث خلال فترة الحجر الصحي خلال الجائحة، إذ أن المجالس المنتخبة لم يعد لها أي دور، والبرلمان اشتغل بالوكالة، والمجالس الجماعية لم تعد تشتغل، وهو ما يدفع المواطنين للتساؤل عن كيف سيثقون في أحزاب أو يراهنوا عليها وهم لم يجدوها بجانبها في وقت الشدة”، معتبرا أن “المال جيد ولكنه مجدر وسيلة بسيطة لتشجيع وتقوية الفاعل الحزبي”.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x