لماذا وإلى أين ؟

من حُــكومة الكفاءات إلى حُـكومة التبريرات

في الأسبوع الأول من شهر أكتوبر سنة 2019، أُعْــلن عن تعديلٍ حكومي أسفر عن حكومة مقلصة اعتُبرت في حينها الأصغر في تاريخ المغرب الحديث، حيت ضمت 23 وزيراً، من بينهم 9 وزراء تكنوقراط، بالإضافة إلى رئيس الحكومة في حينها سعد الدين العثماني .

الحكومة المُـعدّلة أُطلقت عليها تسمية “حُكومة الكفاءات”، بعدما دعا الملك محمد السادس إلى تعديل حكومي يحقق من ورائه رغبته في “تحسين ظروف عيش المواطنين المغاربة و تلبية احتياجاتهم اليومية، لاسيما في مجال الخدمات الإجتماعية الأساسية، والحد من ضخامة  الفوارق الطبقية، و كذا تعزيز موقع  الطبقة الوسطى”.

وتزامن إخراج “حكومة  الكفاءات” إلى الوجود مع سنة انتخابية، حيت عرف المغرب حينذاك  تنظيم استحقاقات انتخابية عدة، مهنية فضلا عن انتخاب ممثلي الغرفة الثانية، و مرورا بالإنتخابات التشريعية و المحلية، والتي كان الشعار المشترك للأحزاب التي تنافست فيها هو  “تقديم حكومة كفاءات للمغاربة ببرنامج طموح يلبي حاجيات المغاربة”، خاصة و أنها تزامنت مع سنة الجائحة التي أضرت بالإقتصاد الوطني و وسّعت فــئة الفقراء والعاطلين، فهل نجحت في ذلك؟

النسخة المُـتحوِّرة لحُــكومة الكـــفاءات

كما هو معلوم لدى متتبعي الشأن السياسي المغربي فقد أسفرت الإستحقاقات التشريعية لـ9 شتنبر 2021 عن حصول حزب التجمع الوطني للأحرار على المرتبة الأولى  بـ 102 مقعد، وحلَّ حزب الأصالة والمعاصرة ثانياً بـ 86 مقعداً، يليه الإستقلال بـ 81 مقعدا.

وفي المرتبة الرابعة، جاء الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية بـ 35 مقعداً، ثم بعده  حزب الحركة الشعبية بـ 29 مقعدا، و يليه حزب التقدم والإشتراكية الذي حصل على 21 مقعدا و الاتحاد الدستوري بـ 18 مقعدا، بينما حل حزب العدالة والتنمية في ذيل الترتيب بـ 13 مقعداً فقط.

النتائج أعلاه منحت “الحمامة” صلاحيات تشكيل الحكومة بعد نيل رئيس الحزب عزيز أخنوش تكليف الملك محمد السادس بتشكيلها. وهو الأمر الذي أنجزه أخنوش في أقل من شهر من خلال تشكيل أغلبية حكومية من ثلاثة أحزاب وبعدد وزراء لم يتجاوز العدد الذي كان عليه الحال في “حكومة الكفاءات”، وهو ما رفع منسوب الإنتظارات عاليا  لدى المواطنين ، حيث اعتبروه بداية تنزيل فعلي لما وعدت به الأحزاب المشكلة للأغلبية الحكومية الحالية، خاصة وأن كل الظروف كانت تؤشر على كونها أغلبية منسجمة ولها رئاسة كل الجهات وأغلبية المجالس المحلية. فهل نجحت في امتحان تنزيل شعاراتها؟  و هل أظهر وزراؤها أنهم فعلا يستحقون لقب “الكفاءات”؟

خــــطيئة البدايــــة

كان أول امتحان ينتظر حكومة عزيز أخنوش بعد تعيينها من قبل الملك ونيلها ثقة البرلمان، هو إخراج المغاربة من “سجن” التدابير الإحترازية التي فرضتها عليهم الحكومة السابقة لمواجهة جائحة كورونا، خاصة وأن الوضعية الوبائية كانت قد في مرحلة الإنفراج وكان العالم بدأ يؤمن بأن كورونا فيروس كغيره من الفيروسات التي عرفتها البشرية، يستحيل القضاء عليه بالحجر الصحي وبالتدابير الاحترازية؟

لكن، وعلى غير المنتظر، سقطت الحكومة الجديدة في أول اختبار لها، وبدل أن تقدم حلولا للتنفيس على المواطنين جاءتهم بإجراء جرَّ عليها سخطا عارما وأنزل المواطنين للإحتجاج بالشوارع وأجج الوضع أكثر، وذلك بعدما قررت، وبدون سابق إنذار، فرض إجبارية التلقيح بشكل غير مباشر من خلال فرض إجبارية الإدلاء بجواز التلقيح خلال التنقل وعند ولوج مباني الإدارات العمومية والخاصة. وتحولت من حكومة يرجى منها التخفيف، اقتصاديا ومعنويا على المغاربة، إلى حكومة تبرر أسباب نزول جواز التلقيح وأهميته لاستمرار الحياة، وهو الأمر الذي أكد الواقع عكسه، حيت استمرت الوفيات بسبب الإصابة بكورونا، سواء بين الملقحين أو غير الملقحين، بل والخطير أن فرض جواز التلقيح ولد عصيانا شبه جماعي للإقبال على تلقي الجرعة الثالثة !!

ثاني فشل واجه حكومة أخنوش، يتعلق بكيفية تعاطيها مع بداية ارتفاع أسعار بعض المواد الغذائية، ففي الوقت الذي كان فيه المغاربة ينتظرون أن تشرح لهم الحكومة الأسباب الحقيقية لهذا الإرتفاع، خاصة في مادتي الزيت والزبدة وبعض منتجات الدقيق، راحت (الحكومة) ترمي بالكرة إلى الحكومة السابقة وتُحمِّـلها مسؤولية هذا الإرتفاع، وتبرر عدم تدخلها بكونها (الحكومة) مازالت في بداية ولايتها  !!

وفي الوقت الذي كان فيه المغاربة يظنون أن ما صدر من حكومة أخنوش هو فقط دهشة البداية، توالت اخطاؤها، و زادتها بلة، خرجاتُ الناطق الرسمي باسمها، المصطفى بايتاس، بحيث عكس الوجه القبيح للحكومة الذي غطى على بعض الضوء الكامن في انجازات قلة من وزرائها، من خلال تبريراته التي يسوقها في طلاته الأسبوعية!!

وما كرس ذلك عمليا هو كيفية التعاطي مع أزمة أسعار المحروقات، والتي رمت الحكومة بكُرتها إلى الأوضاع الدولية، مرة أخرى و برّأت نفسها من أية مسؤولية، وراحت تبرر وتبرر وتبرر فيما الأسعار ترتفع وترتفع كاسرة كل الأرقام القياسية لتصل مستويات تاريخية غير مسبوقة !!

ما بين الشِّـــعارات و الإنْتِــــظارات

ما حملته برامج الأحزاب المشكلة للأغلبية الحكومية من وعود للمغاربة رفع سقفَ الإنتظارات لدى عامة الناس المنهكين، اقتصاديا، بعاصفة جائحة كورونا، وبنوا آمالا كبيرة على ما ستقدمه لهم حكومة مشكلة من أحزاب وعدتهم بتحويل ظلماتهم إلى نور وفقرهم إلى رفاهية، لكن الصدمة كانت قوية !!!!

فبعد مرور حوالي سنة من عمر الحكومة، أي ما يعادل ربُع ولايتها، إذا ما أخذنا بعين الإعتبار أن السنة الأخيرة في عمر أية حكومة هي سنة انتخابية، مازالت الوضعية، اقتصاديا، اجتماعيا، صحيا، تعليميا، ثقافيا،..  كما كانت أو ربما أسوأ.

فلا نسبة تشغيل العاطلين الذين شردتهم جائحة كروونا ارتفعت، ولا الخدمات المقدمة للمرضى تحسنت، ولا المدرسة العمومية أصلحت، ولا الوعود المقدمة للمدرسين والمسنين والمعطلين نفذت !!

لحد الآن، لم ير المواطن من حكومة الكفاءات إلا التبريرات، وكأن الحكومة وجدت لتقدم نشرات رقمية عما يقع في العالم من أحداث، لا أن تبحث عن حلول جدية لتخفيف وطأة الأزمات على المواطنين والمواطنات.  وإذ نقول هذا الكلام فإننا نقوله بنية تنبيه الحكومة إلى أنها “وصلت للعظم” والصبر له حدود والمطلوب حلول عملية يلمسها المغاربة في حياتهم اليومية ليطمئنوا أنهم فعلا أمام حكومة كفاءات لا حكومة تبريرات.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

1 تعليق
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
محمد
المعلق(ة)
4 يوليو 2022 12:04

اخطر ما يكون على المغرب و على مستقبل اجياله، الشعبوية و ناشريها. في السياسية، لا يمكن ان تجد كفاءات تلجأ الى السياسوية و الشعبوية، و انما تنهل من قاموس الواقعية و البراغماتية.
و هنا يكمن الفرق بين خطاب حزب العدالة و التنمية و ازلامه و حزب التجمع الوطني للاحرار و المتعاطفين معه.
حزب العدالة و التنمية، لانه يفتقر الى الكفاءات يستغل المظلومية و مقاومة العفاريت و التماسيح امام تنزيل برامجه، عكس حزب الاحرار فلانه يعج بالكفاءات، يخاطب الشعب بلغة الواقع و يشرح ما يقع بالمسببات الواقعية، مع البحث عن المخارح، موليا الاهمية الى توجيه مقدرات الدولة الى الاستثمار عوض صرفها لحل ازمة عابرة ارضاء لطلبات الناخب.

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x