لماذا وإلى أين ؟

“من القادر على الإجابة ؟”

لا زال الناس، ممن بلغوا من الكبر عُتيا، في مدينة البوغاز، يستحضرون أحوال هذه الحاضرة الدولية، و كيف كانت تُدار شؤون العالمين بها، و كيف كان الرخاء يضرب الأطناب في أسواقها و الهناء بأحيائها، أما الآن ، يحكي مُعاصرٌ لسنوات طنجة الدولية، فقد انفلب العالي نحو الأسفل، وازدحم المُقيم مع المارّ و واختلط القاطِنُ بِالعابر.

في عصر طنجة الذهبي، كانت الأمور تجري بهذه الحاضرة العالية بشكل لا يدع الصدفة تقول كلمتها، فالنظام كان سيد الميدان، وهو حاضر على الدوام في تدبير مَعاش كل الناس، و فِعْلُهُ قائم في حماية الحقوق و أصحابها، و النظام و أركانه، و بلغ “طُغْيانُ النظام” درجةً صارت معها الفوضى ذاتها أقربَ إلى صفات النظام منها إلى نَعْتِ الفوضى.

الآن، بعد الاستقلال، و بعد تعاقب العشرات على تولي إدارة شؤون العباد في هذه الحاضرة، من أصناف مختلفة و مذاهبَ مُنَوَّعَة و ألوانٍ مزركشة، فقد تحولت المدينة إلى عاصمة بِطِباع موغلةٍ في صنفٍ من البداوة “المُعَصْرَنَة”، لقد أحيطت، ببساطة، بأحزمة من الأحياء العشوائية أغلب مواطنيها مُهَجَّرون أو مُهاجِرون وافدون من القرى الجبلية و المدن البعيدة، و ربح، من سياسة “توطين” الناس في هذه “المستنقعات العمرانية”، رؤساء مجالس سابقون و أعوانٌ محليون، لهم تابعون و مطبلون، ربحوا الألوف المؤلفة من الدراهم تحت جنح الظلام، لتجد خزينة الدولة، و الجماعة، نفسها مجبرة على تسخير أموال دافعي الضرائب لإزالة و تجفيف هذه المستنقعات، و إعادة توطين قاطنيها في أماكن أخرى، و لكم أن تتصوروا حجم هذا الإنفاق و ما يرافقه، في العادة، من أساليب الغش  و التلاعب و التحايل على القوانين و القرارات.

أما عن أحوال المدينة، فقد صارت شكلا “متقدما” من أشكال فقدان الهوية و انتفاء النظام بشكل فضيع، فالحاضرة، التي كانت موطنا لرجال الأدب و الثقافة، و الفنون و الفكر و السياسة، صارت ملْجأً لكل شارد و معتوه، بفعل انتشار سياسة اللانظام و اللانضباط، فشوارع المدينة و أزقتُها أضْحَتْ سوقاً مفتوحاً أمام كل هائمٍ لِيَعْرِضَ “بضائِعَه”، و أضحى الناس يُمْسون على صنف من التجارة لِيُصْبِحوا في اليوم الذي بعده على صنف  آخر من التبادل و العرض، فالكل تجار و الجميع باعة، و البضاعةُ مسلولةٌ من المزابل الوسخة، و مُنْتخَبَةٌ من أحواض النفايات النتنة.

أما عادة التسول و استجداء الجالسين و المارة، فقد صارت حرفةً محترمة، متاحٌ توليها للعامة من الجمهور، لا فرق بين صبي و بالغ و لا فرق بين حسناء أو عجوز شمطاء، و لا بين سيدة من الدهماء و أخرى من صنف السمراوات، فحيثما وليت وجهك لاقَتْك جحافلُ المتسولين و جماعات المُسْتَجْدين، منهم من يستر نفسه بأنيق الهندام، و منهم من يَتَسَتَّر بأوسخ الأسمال، لكنهم يتحدون من أجل غاية موحدة، فضحُ بَدائِع أصحاب القرار من عمداء و ولاة أو وزراء.

لقد تبدلت أحوال المدينة الأصيلة و انْقَضَّتْ عليها أيادي السفلة و المرتزقة، فصارت مدينة “منورة” بمصابيح فاسدة، مصابيح لا تسر الناظرين، و لا تجدي في محاصرة ثقافة موغلة في “البَدَوانِيّة” صارت تخنق أنفاسها و تضع فكرة أحد المتملقين  تزعم أن “المغرب أفضل من أروبا” موضع تساؤل و نقض، فـــهل حقا صارت “العالية أحسن مما مضى؟” و من هو هذا المسؤول غير المسؤول القادر على الإجابة؟

 

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

1 تعليق
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
salim
المعلق(ة)
31 أغسطس 2022 19:32

ماشي غي طنجة، كل مدن المغرب تكرفسات و ما زال كاتزيد في التكرفيس و الفوضى و السبب تواطؤ الداخلية مع الجماعات !

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x