أعادت جمهورية كينيا الاعتراف بما يسمى ”الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية”، وذلك بعد وقت وجيز من إعلانها سحب الاعتراف بها، عبر تغريدة لرئيسها الجديد، وليام روتو، الذي قال فيها إن بلاده تسحب الاعتراف بالبوليساريو و ستغلق تمثيلتيها بالبلاد، قبل أن تعود وزارة خارجية بلاده للتراجع عن هذا القرار بعد أقل من أسبوع على تغريدة الرئيس والتي حذفها بدوره من حسابه بشكل كلي في إشارة إلى التراجع رسميا عن القرار.
وسبق هذا التراجع الكيني ما أقدمت عليه البيرو، إذ بعد أقل من شهر من إعلان خارجيتها سحب الاعتراف بالبوليساريو ، عاد رئيسها ليتراجع عن القرار في بيان رسمي وحاول تبريره أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.
كما أن الموقفين السابقين تلاهما إعادة جنوب السودان لربط علاقاتها مع جبهة البوليساريو، وهذه الأحداث المتتالية تطرح تساؤلا عريضا عن الأسباب الخفية وراء هذا الاضطراب في مواقف هذه الدول خاصة الإفريقية منها.
وفي هذا السياق، يرى أستاذ العلاقات الدولية والخبير في تسوية النزاعات والشؤون الأمنية، عصام لعروسي، أن “التطورات التي عرفها ملف الصحراء، خاصة بعد سحب كينيا والبيرو لاعترافهما بالبوليساريو والعدول عنه، وما قامت به جنوب السودان، يعكس هذا التجاذب والمد والجزر الذي تعرفه قضية الوحدة الترابية”.
وأوضح لعروسي، في تصريحه لـ”آشكاين”، أن “هذا الأمر يدخل في سياق التعقيد الذي تشهده البيئة الإقليمية والدولية، لأن هناك مصالح مشتركة، وهذا التدافع تلعب فيه الدبلوماسية الجزائرية دورا كبيرا، إذ وجدنا في السنوات الأولى من قضية الصحراء المغربية كيف كانت الجزائر تشتري أصوات الدول الإفريقية بأثمان زهيدة”.
وشدد على أن “العملية كلها تتعلق بمنطق البيئة الإقليمية والدولية ودور الأطراف الخارجية في الموضوع، كما أن هناك عملا دبلوماسيا ينجز على مستوى الجزائر، حيث أن هناك مجموعة من التحركات التي قامت بها الجزائر لمعاكسة ومناوأة التوجه المغربي لتأكيد اختراق هذه الدول الإفريقية، حيث ظل جزء من هذه الدول يعترف بالبوليساريو وبجمهورية الوهم”.
وأضاف أن “سبب وقوع هذا التحول بسهولة هو عمل دبلوماسي يبذل من طرف الجزائر، وهذا أمر طبيعي ما دامت العلاقات متوترة مع المغرب، وما دامت رقعة الشطرنج مفتوحة على التحركات المحتملة، كما يرجع الأمر إلى هشاشة هذه الدول، جنوب السودان و كينيا مثالا”.
وأشار محدثنا إلى أن “هشاشة المؤسسات داخل هذه الدول وعدم خضوع هذه الدول لمنطق مؤسساتي و ديموقراطي وعدم وجود استقرار سياسي ونخب سياسية مناوئة وتدين بالولاء للخارج وتقاطبات إقليمية ودولية، ما يعني أن عدم وجود الانسجام الداخلي بهذه الدول ووجود أجندات خارجية وارتباطها بها، يجعلها تقدم المصالح الآنية والبسيطة على المصالح المستقبلية”.
موردا أن “المغرب دائما يلعب في سياق مشروع حقيقي يهدف إلى تنمية إفريقيا وشراكات وازنة مع الدول الإفريقية عكس الجزائر التي تقوم بتكتيكات دبلوماسية، خلافا للمغرب الذي يمارس مفهوم الصبر الدبلوماسي، و بالنقيض للجزائر التي تقوم بردود الفعل السريعة خاصة مع وفرة الغاز لديها، ما يتيح لها أن تقدم بعض المصالح والمزايا أو الحوافز لثنيها عن سحب الاعتراف أو الاعتراف بالبوليساريو”.
كل هذه العوامل مجتمعة”، يضيف لعروسي “تساهم في زعزعة هذه المواقف الدبلوماسية، في حين أن دول أمريكا اللاتينية كانت منذ فترة الحرب الباردة لها دوافع أيديولوجية و تاريخية تجعلها تغير موقفها بشكل سريع”.
ولفت الإنتباه إلى أن هذا “لا يستثني كون المجهود الدبلوماسي المغربي يبذل على أعلى مستوى أي الماكرو-دبلوماسي، لكن على مستوى التحركات الآنية من خلال نهج سياسة الإختراق عبر التواصل مع القنصليات والسفارات فيبدو أن هناك تقصيرا في هذا الجانب، ما يعني أن محاولة اختراق النقابات والبرلمانات والأحزاب السياسية في هذه البلدان هو أمر أساسي لمحاولة ثني هذه الدول عبر عملية صناعة القرار، من خلال ثني هذه الدول عن معاكسة توجهات المغرب”.
وخلص إلى أن “المغرب يجب عليه أن يقوي و يدعم من حركيته و عمله الدبلوماسي لكي يحافظ على هذه المكتسبات طالما أن بنية الدول التي تسحب اعترافها بالبوليساريو و تعيده بعد ذلك غير مستقرة”.
هذا ينزع الاحترام من هذه الدول فإن تتخذ قرارا ثم تتراجع عنه يخالف منطق الدول الكبرى.