لماذا وإلى أين ؟

حوارٌ هادئ مع عبد اللّطيف وهبي

*امحمد لقماني

قد نتفق على أن كل اشكال التفاهة و الميوعة و الإنحرافات القيمية والثقافية داخل المجتمع، لربما هي حالات فردية أو حتى فئؤية معزولة و مؤقتة في الزمن و تتزامن مع موجات عابرة، و هي في غالب الأحيان نتاج لعمليات التحول، و ربما كانت نوعا من الإنسلاخ و التمرد، التي تعرفها المجتمعات المتحركة في سياق عالمي جارف يفرض ايقاعاته و ثقافاته بعنف متعدد الأشكال و الوسائل. هذه التحولات و الهزات و الإختراقات العنيفة تعرفها أغلب المجتمات المنفتحة، التي قررت، طوعا أو كرها، الإستفادة من مزايا التكنولوجيا الرقمية الجديدة و الإنخراط في سلاسل الإنتاج المحورية عبر العالم.

لكن، حين تتحول هذه الإنحرافات القيمية الشاذة التي تفسد الذوق العام و تسحق القيم الجمالية و الإنسانية داخل المجتمع، (حين تتحول) إلى أفعال و سلوكات ممنهجة تجد من يدافع عنها من داخل النخبة السياسية أو الثقافية و يتم تسويقها إعلاميا و الدفاع عنها سياسيا بدعوى الإنفتاح على الثقافات الأخرى و إرضاء كل الأذواق، أو بدعوى تمثل خاطئ لقيم الحداثة أو ما يدخل في حكمها، هنا يختلف الأمر و تصبح تلك الأفعال المعزولة في ترابطها و احتلالها لواجهة الأحداث و الإهتمام، تأخذ صبغة تيار داخل المجتمع، يتسلل خلسة إلى مواقع التأثير لدى الرأي العام، و أكثر منه و أخطر منه داخل لدى بعض النخب في مواقع القرار العمومي.

ربما لا أخاطب فيك الوزير بقدر ما أخاطب فيك السياسي المثقف. كيف لا و انت خير العارفين بأن الصراع في الأيام المعلومة لم يكن بين شخصين أو بين حزبين، بل كان الصراع بين تيارين في المجتمع : الأصالة و الأصولية.

في هذا السياق، حري بنا أن نطرح السؤال التالي: هل نملك في المغرب المناعة الكافية ضد الإنزلاقات الثقافية المدمرة، سواء تلك الإختراقات الآتية من خارج الديار أو تلك الإنفجارات الجيلية التي تتولد من جوف المجتمع المتحول ؟ و في تقديري، هذه المناعة نصنعها من داخل منظومتين لا ثالث لهما: التربية و التعليم، و الأصالة المغربية.

فأما منظومة التربية و التعليم، فالواقع يشهد على حال من التأخر و الإنهيار لم يسبق له مثيل. لكن بالمقابل، المنظومة الثانية المرتبطة بالأصالة المغربية هي القادرة على لعب دور الحاجز الطبيعي، الثقافي و القيمي، ضد خطر تصحر الهوية المغربية الجامعة، المُحددة لمفهوم الوجدان المغربي الذي يجعل منا ما نحن عليه. بل أكثر من ذلك، هذه الأصالة هي نفسها الأساس الصلب الذي تنبني عليه مشروعية النظام السياسي المغربي ذاته باعتباره عنصر وحدة سياسية و روحية للأمة المغربية.

بالتأكيد هذه ليست دعوة للإنغلاق على الذات أو النفخ في التراث كما تدعو إلى ذلك الأصولية بمختلف تجلياتها الإيديولوجية، و إنما هي دعوة صريحة لتكون الذات المغربية الأصيلة أساسا صلبا للإنطلاق نحو المعاصرة في صيرورتها مكونا للحداثة الكونية، تماما كما فعلت الصين و اليابان و الهند، و مجتمعات أخرى.

الوعي بهذه الأمور مطلوب، لكنه ليس كافيا، بل يحتاج من أهل السياسة إلى قدر من التملك و الاستيعاب لتحويل هذا الأفق إلى سياسات عمومية ذات فاعلية اجتماعية و قادرة على تحصين الهوية المغربية المتفردة ضد الإستباحة الكاملة. و قد نذكر في هذا الصدد مثال تحصين المجال الديني، و صون الإرث اللغوي المتنوع، و استمرارية منظومة القيم التي جُبل عليها المغاربة أفرادا و جماعات.

لا يجوز القول مثلا بأن المغني الفلاني لديه معجبون على اليوتوب بالملايين و يحضرُ حفلاته الآلاف، هذا ليس مبررا عقلانيا للإصطفاف وراء الهراء و ليس دليلا لعدم التصدي للميوعة و قلة الحياء، ثم نأتي و نقول بأن الأهم أن الجمهور فرحان !

الدفاع عن الغلط،غلط. منذ متى كانت الجموع المأخوذة على حماسها و عنفوانها هي التي تحدد الصواب من الخطأ ؟ أليست الشعوب العربية الهائجة و الثائرة على حكامها، هي نفسها من أسقطت الدولة و كانت تعتقد أنها تفعل الصواب؟ ألم يكد عبد الإله بنكيران يفعل الشيء نفسه بالمغرب و هو منتشٍ بشعبية الأنصار و الأتباع لولا وجود مناعة هوياتية و دستورية حالت دون بلوغه أحلام دولة الخلافة ؟ ترى من يقود من ؟ الدولة العقلانية هي من تقود الشعب أم الشعب اللاعقلاني هو من يقود الدولة ؟ ربما يجدُر بأي سياسي يتحرك بخلفية ثقافية حداثية و ديمقراطية أصيلة أن يتمعن في قراءة “مقدمة” ابن خلدون، و ” علم نفس الجماهير” للكاتب غوستاف لوبون أو كتاب “نظام التفاهة” لصاحبه آلان دونو”، ليعي جيدا حدود مخاطر العيش في دولة بلا هوية ثقافية.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها

 

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

1 تعليق
Inline Feedbacks
View all comments
احمد
المعلق(ة)
12 أكتوبر 2022 13:05

اطروحة في المستوى، تحتاج الى امثلة والى التفكيك في خطاب مبسط يفهمه مجموع المواطنين، والى خطوات اجرائية لثمتلها في التربية والتعليم لتعزيز ثقافة الهوية وتقويتها،ضد التيارات الجارفة للعولمة الرقمية.

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x