لماذا وإلى أين ؟

مجـــــــزرة كفــــــــر قاسم: النـــــزيفٌ الذي ما زال هـــــادرا!

إبراهيم عبدالله صرصور

معظم المتهمين بارتكاب مجزرة كفر قاسم لم يندموا على أفعالهم، وبرروا جرائمهم بالادعاء الجنائي بـ “طاعة الأوامر”. أحدهم، شالوم عوفر، أمر جنوده “بحصدهم”، قال في مقابلة مع الصحفية داليا كاربل (صحيفة هعير – 10.10.86) بمناسبة الذكرى ال – 30 للمجزرة: “كنا مثل الألمان، أوقفوا الشاحنات، أخذوا الناس إلى الأسفل، اوقفوهم في صفوف وأطلقوا النار عليهم. هكذا فعلنا نحن أيضا.. لا فرق.. نفذنا الأوامر تماما كما نفذها الجندي الألماني الذي أمره قادته بقتل اليهود“.

لم يكن غريبا إذا أَنْ وقعت مجزرة رهيبة في كفر قاسم، قتل فيها الجنود الإسرائيليون بدم بارد، رجالا ونساء واطفالا عُزَّلاً في ذلك المساء الحزين من يوم الاثنين 20.10.1956..

66 عاما مرت منذ وقع المجزرة، وما من جديد تحت الشمس.. إسرائيل وحكوماتها المتعاقبة ترفض بشكل منهجي الاعتراف بمسؤوليتها القانونية والسياسية والأخلاقية عن المجزرة.. تستمر في سياسة التمييز العنصري والقهر القومي ضد المجتمع العربي في إسرائيل وفي كل مجالات الحياة، بما في ذلك القتل خارج القانون، حيث جاء قانون “القومية” اليهودي كآخر إفراز للعقلية العنصرية التي ما زالت الموجه الأكبر للسياسيات الإسرائيلية تجاه مواطنيها الفلسطينيين، او تجاه الشعب الفلسطيني الذي يناضل من اجل الاستقلال وكنس الاحتلال..

العنصرية الإسرائيلية خطر يتهدد الجميع.. من يعتقد من اليهود ان المزيد من الاضطهاد للشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده، والمزيد من همجية الاحتلال الإسرائيلي ضد فلسطين وطنا وشعبا ومقدسات، يمكن ان يجلب لإسرائيل استقرارا وأمْناً، فهو واهم… العكس هو الصحيح، فاستمرار التنكر الإسرائيلي لحقوق الشعب الفلسطيني هنا في الداخل وفي فلسطين المحتلة عام 1967 لن يأتي الا بالكوارث!

اما المجتمع العربي في اسرائيل فحاله – مع الأسف – بعد 66 عاما على مجزرة كفر قاسم لا يمكن ان يكون مرضيا. فبالرغم من الإنجازات الكبيرة التي حققها على مستوى الوجود والهوية والحقوق، الا ان أزمات مستعصية تعصف به وتكاد تهده من الداخل كآفة الجريمة والعنف..

تذكير بما يجب ألا يُنسى..

بعد أن وصلت وحدة جبرئيل دهان الى قرية كفر قاسم في حدود الساعة الرابعة والنصف، تم إرسال نائبه، يهودا زشتسكي الى كبير القرية، المختار، برسالة مفادها أن منع التجول يبدأ اليوم الساعة الخامسة مساء، والذي عني تقديم موعد منع التجول عن الموعد الذي كان معمولا به سابقا..

عند الساعة الرابعة والنصف أبلغ زشتسكي مختار القرية القديم، وديع أحمد محمود صرصور، مواليد 1884 الذي عمل بهذه الوظيفة منذ زمن البريطانيين، أنَّ حظر التجول سيكون صارمًا. قال المختار: “أن هناك 400 عاملًا في الخارج “ماذا سيكون مصيرهم؟“.. زاشتسكي قال للمختار: “على مسؤوليتي ومسؤولية الحكومة أن أمررهم“. كان القرار بناء على الأوامر الصادرة من المستويين السياسي والعسكري والتي نقلها الضباط الى مجنديهم، قتل كل إنسان دون رحمة، وقام الجنود بتنفيذ المجزرة بكل وحشية وسادية جامحة.

 “كانت القيادات الإسرائيلية السياسية والعسكرية كلها في ذلك الحين ضالعة وشريكة مباشرة في ارتكاب مجزرة كفر قاسم: دافيد بن غوريون” رئيس الحكومة الإسرائيلية ووزير الدفاع  “ موشية ديان ” رئيس الأركان  .الجنرال ” تسفي تسور ” قائد قيادة المركز والمسئول العسكري عن منطقة المثلث التي امتدت من أم الفحم شمالا والى كفر قاسم جنوبا .المقدم ” يسخار شدمي ”  قائد لواء الجيش في منطقة الحدود مع الاردن  .” شموئيل مالينكي “، قائد فرقة حرس الحدود التي ضمت الى لواء الجيش بقيادة ” يسخار شدمي “، ” وغبريئيل دهان ” قائد السرية المسئولة عن كفر قاسم، وعددهم أحد عشر جنديا.

بدأت المجزرة، وبدأت أعمال القتل والإبادة الجماعية.. كان العمال والفلاحون من كل الأعمار ومن كل الأوساط، يصلون إلى ساحة الإعدام في مدخل القرية الوحيد، حيث تأمرهم وحدة حرس الحدود بالوقوف صفا واحدا، ثم تطلق الرصاص عليهم، ويستمر إطلاق الرصاص حتى يتأكد الوحوش من موت ضحاياهم، لم تشفع لهؤلاء المواطنين هوياتهم الإسرائيلية، ولا ضعفهم وتعبهم بعد يوم عمل شاق، لم تشفع للأطفال طفولتهم، ولا للفتيات أنوثتهن وقلة حيلتهن.. لم تشفع للجرحى أنّاتهم ولا جراحاتهم.. لقد قررت إسرائيل إعدامهم، فكانت المجزرة عملية إعدام بشعة وإبدة جماعية تُذَكِّرُ بجرائم النازية والفاشية.

كان حصاد ذلك المساء الحزين من يوم الاثنين التاسع والعشرين من شهر تشرين اول/اكتوبر 1956، تسعة وأربعين مواطنا بريئا من سكان كفر قاسم من الرجال والنساء والشباب والشيوخ والأطفال المسالمين العائدين من الحقول والمزارع والمصانع، وجرحَتْ 13 آخرين، ما زال من بقي حيا منهم يعانون من عاهات مستديمة. كان من بين الشهداء 12 امرأة وشابة كانت واحدة منهم حاملا في شهرها الثامن، و- 10 من الأولاد تتراوح اجيالهم بين 14 سنة و – 17 سنة، وسبعة أطفال تتراوح أعمارهم بين 8 سنوات و – 13 سنة..

التحدي سيد الموقف…

كان الحكم العسكري يُحكم قبضته على المجتمع العربي الذي لم يكن يملك في مواجهته الا إصرار أبنائه وحكمة شيوخه ومضاء شبابه.. كانت جهود أبناء كفر قاسم لإحياء ذكرى الشهداء/ذكرى المجزرة، واحدة من أكثر التحديات تعقيدا في تلك المرحلة، الا ان وحشية الحكم العسكري لم تنجح في “قتل” إرادة الشباب القسماوي الذي قرر تحدي سلطاته الغاشمة، وبدا التخطيط منذ العام 1957 لإحياء الذكرى الأولى للمجزرة.. تماما كما انه لم ينجح في إخفاء تفاصيل المجزرة رغم محاولاته المستميتة لتحقيق ذلك.. كان للسادة لطيف دوري وتوفيق طوبي ومئير فلنر واوري افنيري، دور كبير في الكشف عن تفاصيل المجزرة واجبار حكومة بن غوريون على الاعتراف بوقوعها وما تبع ذلك من إجراءات صورية كان هدفها تبرئة ساحة القيادات السياسية في إسرائيل من أي مسؤولية عن المجزرة، وإلقاء التبعات كلها على الجنود المجرمين الذين نفذوا أوامر قيادتهم بارتكاب تلك الجريمة الوحشية!…

البداية التي لن تكون لها نهاية…

تزامن تصاعد اداء رواد إحياء الذكرى وحماة الذاكرة عاما بعد عام رغم قلة الموارد والامكانيات في تلك الفترة، مع تصعيد الحكم العسكري الذي لم يكتف بالتهديد والوعيد في خطابه تجاه هؤلاء الشباب واولياء أمورهم، وإنما تجاوز ذلك الى اتخاذ إجراءات منها الاعتقال والابعاد القسري والاستدعاءات المستمرة للتحقيق، والمداهمات للبيوت، وعمليات التفتيش المستفزة، وحتى الإقالة من العمل سواء في القطاع العام ام الخاص.

زادت هذه الاجراءات الشباب إصرارا احياء الذكرى سنويا من جهة، والعمل على إقامة الصرح (النصب) التذكاري تخليدا لذكرى المجزرة من جهة اخرى، حيث خرج المشروع الى النور في الذكرى ال – 20 للمجزرة (1976).

كانت البداية مع عدد من الشباب منهم: عمر (العصفور) احمد عامر (أبو الوليد)، عبدالله عوض الله عامر (أبو العلاء)، عبدالله داود جبريل عيسى (أبو عازم)، صالح خليل عيسى (أبو الوليد)، محمد خميس عامر (أبو باتريس) – رحمهم الله –  وآخرون، انضم اليهم فيما بعد عدد كبير من الشباب من كل قطاعات القرية حينها، حيث تشكلت لجان لإحياء الذكرى في كل عام وقف على راسها لفترة طويلة الشيخ عبدالله نمر عبد حمد بدير ومعه شباب مثلوا قطاعات واسعة وحركات واحزابا منها الحركة الإسلامية برئاسة الشيخ عبدالله نمر درويش – رحمه الله – والحزب الشيوعي والقوى الوطنية، إضافة الى المستقلين، ممن كرسوا وقتهم لخدمة هذه القضية المقدسة، فلم يبخلوا عليها بوقت او مال او جهد..

بعد تقاعد الشيخ عبدالله نمر عبد حمد من رئاسة اللجنة، تسلم رئاستها عدد من الشخصيات منها السادة وليد فريج، صبحي عامر، إبراهيم عبدالله صرصور، ثم السيد سائد عيسى الرئيس الحالي للجنة الشعبية ولجنة احياء الذكرى.

حرصت لجان احياء ذكرى مجزرة كفر قاسم على إحياء الذكرى سنويا ابتداء من العام 1957، الا ان المناسبات العشرية لذكرى المجزرة فكانت علامات فارقة شكلت محطات تكثيف لكل المعاني التي تمثلها المجزرة بكل ابعادها السياسة والقانونية والأخلاقية والإنسانية والشعبية، فجاءت هذه المناسبات لوحات خالدة لا تنسى: الذكرى العشرين (1976/إقامة النصب التذكاري)، والثلاثين (1986)، والأربعين (1996) والخمسين (2006)، ووصلت فعلا الى قمة من قممها في الذكرى الستين (2016)، والتي شهدت نقلة نوعية في احياء الذكرى، وانخراط جميع القطاعات وبالذات الطلابية في احياء الذكرى على نطاق واسع، وعلى مدار أسبوع كامل انتهي بإحياء الذكرى في موعدها..

اما المشروعات لتخليد الذكرى فكانت هي أيضا نوعية وكثيرة ومتطورة ونامية: إقامة النصب التذكاري الأول في موقع المجزرة (1976)، إقامة النصب التذكاري في ساحة البلدية (1996)، إقامة “برج الشهداء” في مدخل المدينة (1997)، إقامة مسجد الشهداء قريبا من موقع المجزرة تذكيرا بها وتخليدا لذكراها (ابتداء من 1990)، إقامة متحف الشهداء في المركز الجماهيري (2006)، وإقامة بانوراما المجزرة (2016)، وما زال العمل جاريا على إقامة مؤسسة متخصصة لذكرى المجزرة، تكون مهمتها العمل لخدمة الذكرى على مدار العام، على ان تتحول المؤسسة تدريجيا الى مؤسسة بحثية وثقافية شاملة.

كان للفن أيضا دور مهم في تخليد ذكرى المجزرة، فمن الملامح البارزة في مشهد ايحاء الذكرى، لا بد من الإشارة بكل الفخر والاعتزاز الى فنان كفر قاسم الأول السيد عبد طه (عبدالتمام)، والذي خلد ذكرى المجزرة في عشرات إذا لم يكن المئات من اللوحات عبر عقود طويلة تعبر بشكل عبقري عن الكثير من وجوه المجزرة واسرارها وخفاياها ورسائلها.. 

من جهتها ولأكثر من ستة عقود، بحثت الفنانة الفلسطينية الأمريكية سامية حلبي الاتجاهات الجديدة في مختلف مدارس الفن الحديث، معتقدة أن الرسم عنصر أساسي في الثقافة البصرية. إلا أن كتابها الوثائقي عن مجزرة في كفر قاسم يظهر جانبًا آخر من الفنانة، والتي هي أيضًا ناشطة ومناصرة للقضية الفلسطينية. نشرت السيدة حلبي كتابا وثائقيا يصف ويوثق مجزرة كفر قاسم على شكل رسوم جسدت أحداث المجزرة بشكل غير مسبوق، محولة الكتاب إلى وثيقة تاريخية وفنية في نفس الوقت. يعتبر الكتاب مصدر إلهام لمن يبحثون عن الحقيقة المفقودة بشأن المجزرة بسبب إنكار إسرائيل الممنهج لمسؤوليتها القانونية والأخلاقية والسياسية عن قتل 49 من مواطنيها العرب العزل. كَرَّمَتْ اللجنة الشعبية بكفر قاسم الفنانة سامية حلبي في حفل خاص حضره المئات من محبي فنها الاصيل، وذلك لجهودها في احياء ذكرى المجزرة بشكل خاص.

شبهات وردود…

أولا – الشبهة: النكبة الفلسطينية كانت بسبب الحرب التي شنتها الدول العربية على إسرائيل عام 1948!

الرد على الشبهة: هذا كذب صريح، فالمخطط الصهيوني لطرد الشعب الفلسطيني وضع مع بداية قيام الحركة الصهيونية، واخذ بالتبلور في عشرينات وثلاثينات القرن العشرين الماضي، وليس انتهاء بالخطة “دالت” التي بدا تنفيذا قبل الحرب المسرحية بتاريخ 16.5.1948.. نجحت العصابات الصهيونية قبل دخول ما يسمى بالجيوش العربية في تهجير ثلثي الشعب الفلسطيني وتدمير قراه ومدنه.

ثانيا – الشبهة: مجزرة كفر قاسم لم تكن جزءا من مخطط كبير لتهجير العرب!
الرد على الشبهة: 
هذا أيضا كذب صريح، إذ ان اغلبية الضباط الكبار والصغار الذي شهدوا في محكمة مذبحة كفر قاسم، أشاروا بما لا يدع مجالا للشك: 1. ان خطة “خلد” حقيقة وليس خيالا. 2.  انهم فهموا من الأوامر الصادرة في ذاك اليوم الاثنين 29.10.1956، ان الهدف من فرض منع التجول بهذه الطريقة الوحشية كان تهجير العرب، وتوجيه لكمة قوية لهم ليهربوا اين شاءوا باعتبارهم أعداء وخطر على اسرائيل. جاءت اعترافات “يسخار شدمي عام 2018 للمؤرخ آدم راز، أضافة الى الوثائق ذات الصلة بخطة “خلد” التي سمحت محكمة الاستئناف العسكرية في قرارها الأخير في شهر تموز من هذا العام 2022، لتثبت ان خطة المجزرة حملت في طياتها هدفا سياسيا وهو تهجير سكان المثلث العربي الى خارج حدود إسرائيل، الامر الذي أفشله صمود الاهل في كفر قاسم وغيرها من القرى، وعدم مسارعتهم للفرار بسبب المجزرة.

ثالثا – الشبهة: مجزرة كفر قاسم كانت مجرد خطأ من جهة الجنود المكلفين بفرض منع التجول، بدليل ان مجزرة مشابهة لم تقع في قرية أخرى!

الرد على الشبهة: هذا أيضا كذب صريح، فالسبب ان مجزرة مشابهة لم تقع في قرية عربية أخرى، لم يكن سببها “اخلاق الجنود” المكلفين بفرض منع التجول في تلك القرى، فالأوامر كانت واحدة، وفهمها الجنود على نفس النحو الذي فهمه جنود السرية المكلفة بفرض حظر التجول في كفر قاسم، لكن الله سبحانه لم يقدر لأهل تلك القرى ان يعودوا الى بيوتهم بعد ساعة منع التجول، فقد عادوا جميعا قبلها. الدليل على ان الأوامر كانت القتل كما في كفر قاسم، ما جرى في تلك الليلة في قرية الطيبة حيث قتل الجنود الصهاينة الطفل عقل محمود جابر ابن 13 عاما عند خروجه لشراء علبة سجائر لوالده.. كما وقتلوا نمر عبدالجبار سلطان (66 عاما) من الطيرة عند عودته من حقله الى القرية. فلو كان هنالك مائة من الرجال والنساء خرجوا في الطيبة كما خرج الطفل الشهيد (عقل جابر) لقُتلوا جميعا، ولو عاد مائة رجل وامرأة وطفل من الطيرة كما عاد الشيخ الشهيد (نمر سلطان)، لقُتلوا جميعا أيضا.  

الرئيس السابق للحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني 

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

1 تعليق
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
مريمرين
المعلق(ة)
2 نوفمبر 2022 12:02

ستظل فلسطين شوكة في حلق المغتصبين و ستظل شامخة بأبنائها ، لأن الشعب الفلسطيني هو شعب الجبارين كما سماه الراحل أبو عمار.

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x