2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

آشكاين/وسيم الفائق
يأتي شهر رمضان مرة كل سنة، مُحَملا برموز مقدسة، بطقوس دينية و عادات شعبية، شهر يستثمره المسلمون في العبادة والتقرب من الله، والإكثار من الطاعات، بينما يستغله آخرون لمضاعفة مداخيلهم من أعمال تجارية، مستفيدين من تهافت الناس على الأسواق، وهوس الإستهلاك المفرط. و في هذا الشهر كذلك، يفقد بعض الناس عملهم، وآخرون تغلق أبواب رزقهم المعتادة، فيما تصبح أنشطة أخرين محظورة، و تفرض على العاملين والعاملات بها “العطالة”.
“عاطلو رمضان”، سلسلة رمضانية ارتأت جريدة “آشكاين” أن تسلط من خلالها الضوء على فئة من الأشخاص يضطرون إلى التخلي عن أعمالهم التي يزاولونها طوال السنة خلال شهر رمضان، سلسلة تحاول رصد واقع هذه الفئة خلال رمضان، وذلك من خلال شهادات حية.
الشواي
تتعدد الشهادات، والجواب واحد، تختلف المهن والمصير مُشترك، تتباين شخوص الأحداث والأزمة موحدة، وكما أُخْبِرنا سابقا من طرف “عاملات الجنس، وعمال الحانات، والأعراس”، أن مهنهم تتوقف بتوقف الناس عن ” الأكل والشرب وباقي المفطرات”، ولا يُفرج همهم إلا بعد انقضاء شهر “الصيام”، فالوضع ذاته عبر عنه “بائعو الأكلات الخفيفة”.
عبد السلام (اسم مستعار)، التقينا به أثناء بحثنا عن شهادات، يبيع اللحم المشوي بجميع أنواعه، عبر عربة للوجبات السريعة المتنقلة، رغم أنها عربة صغيرة، إلا أنه يُقدم لزبنائه كل ما تشتهي أنفسهم، هي أشبه بصندوق العجائب، ولأنها كذلك، كان من عجائبها أن تَكَفلت بأربعة أطفال صغار، إلى أن صاروا رجالا، وبزوجة شابة إلى أن أضحت امرأةٌ وأما لأولئك الأربعة، أصغرهم سنا يبلغ حاليا 23 عاما.
حدثنا عبد السلام عن تعلقه بمهنته، وشغفه بتحضير “اللحوم” ووضعها على نار الفحم الهادئة، وعن دخان “مشوياته” يتصَّاعَدُ في السماء وينتشر في الأمكنة، فتُسيل رائحته لُعاب المارَّة، ويأبون إلا أن يقصدوا “عربة عبد السلام” مضطرين لذلك، فيصيبون من مختلف “السندويتشات” ما يُصيبون. كل هذه المشاهد والأحداث، تنعدم وتقل في رمضان، شهر يمتنع فيه الناس عن الخضوع لحاجاتهم البيولوجية إلى أن يُأْذَن لهم بذلك، ولأن “الأكل” من مبطلات “الصيام” فإن صاحبنا عبد السلام يتجرع شقاء معيشة أفقر الناس.
يقول عيسى، بائع مأكولات سريعة، إنه اعتاد أن يدفع عربته بشكل يومي، إلى أن يبلغ مقصده، حيث الناس تجتمع، وحيث الأنفس تشتهي أن تلتهم أي شيء، بعدما تُنهك أجسادهم بالتجول والدوران، في شوارع المدينة، غير أنه في رمضان يتغير نمط الناس في العيش، فيتغير بذلك سلوكهم، فلا يخرج السواد الأعظم من الناس بحثا عن الأكل الجاهز، وإنما يخرجون قصد التخلص و “هضم” ما ملأوا به بطونهم طيلة فترة “الفطور”.
بدائل لا تُغني ولا تسمن من جوع
تماما مثل الآخرين، بمجرد أن ينقطع رزقهم، تنحبس عنهم الدراهم التي تعينهم على تحمل أعباء الحياة، حتى يتجهون إلى عمل آخر، ولو كان هذا العمل فيه شيء من “المذلة والمهانة”، يخبرنا عبد السلام، أن له أربعة أصدقاء، بقوا بلا عمل خلال هذا الشهر.
وماذا يعملون حاليا، كيف يدبرون يومهم؟
يقصدون المساجد، أو يأخذون فطورهم من عند الجيران، هذا يتصدق عليهم بالخبز وآخر يمدهم بماعون “حريرة”، وبعض من المحسنين يقدمون لهم فطورا كاملا في بعض الأحيان، وهكذا يبقو إلى أن يمسهم الله برحمته ويحن عليهم.
أما أولئك الذين لهم نصيب من الحظ، فيعملون بمبدأ “الراجل بحال الفاس فين ما مشا يحفر”، وهؤلاء غالبا ما يكونوا مضطرين لمجابهة الحياة بشدة “الفأس”، لا تتوقف حياتهم على مجرد “فطور” في آخر النهار، بل يحملون على عاتقهم مسؤولية أسر بكاملها، فيخرجون للعمل في البناء، أو يتحول بعضهم إلى “زلايجي” أو مساعد لعامل الجبس” أو “صباغ”، أو أي شيء يستطيع أن يقوم به إنسان يملك عقلا وجسدا سليما، المهم أن يعود إلى منزله ببضع دراهم تضمن له القليل من كرامة العيش.
يضيف صاحبنا قائلا: “منا من يبقى مرتبطا بعربته اليدوية، ولا يغير منها إلا محتوياتها، فبدل أن ينتظر إلى ما بعد آذان المغرب، ليبيع اللحم المشوي، يشرع في بيع “الرايب” أو “الحليب” أو “الخبز” أو “العصائر”.. المهم أي شيء يستهلك في رمضان ويوضع في المائدة الرمضانية”، غير أنهم يفقدون الشيء الكثير، ويُنتزع من راتبهم الشهري نصفه أو أكثر من النصف.
أما عبد السلام، فلا يجيد حرفة ليحترفها، ولا مأكولات غير “تحضير اللحم” يتقن تحضيرها وطبخها، فيظل كما هو في رمضان، محتفظا بعربته ومحتوياتها، غير أنه يلجأ لحيلة “الإغواء”، حيث يشرع في الشواء مبكرا، واضعا أنواعا وصنوفا من “الحوت”، قبل أذان المغرب بساعات قليلة، ثم يباشر عملية إغواء و تهييج شهوة “الجائعين”، واستدراج الصائمين، بدخان السمك المشوي المُهَيِّج، لعله يعوض بذلك قليلا مما يخسره خلال توقفه المطرد أيام شهر رمضان.