لماذا وإلى أين ؟

حرائقُ البحــر المُتوسط.. هل تنتقلُ إلى المــغرب ومــا مدى جـاهزية السُّلطات لمُواجهتِها؟

اندلعت حرائق مهولة في غابات دول حوض البحر الأبيض المتوسط، خلال الأسبوع الجاري، مما خلف خسائر مادية وبشرية جسمية.

وشهدت الجزائر وتونس وتركيا واليونان…، حرائق شديدة أتت على غطاء نباتي على مساحات شاسعة بلغت نحو 40 ألف هكتارا، فيما تسببت تلك الحرائق، التي نتجت عن الإرتفاع غير المسبوق لدرجات الحرارة، في وفاة 40 شخصا، أغلبهم بالجزائر، التي لا تزال تٌسابق الزمن من أجل إحتوائها.

إلى حدود يوليوز الحالي، سجلت حرائق ببعض المناطق بالمملكة إلا أنها ليست بحدة السنة الماضية، حيث اندلعت أزيد من 500 حريقا، معظمها بجهتي طنجة- تطوان- الحسيمة ( 188 حريق)، وجهة فاس-مكناس (99 حريق). التهمت حوالي 22762 من المساحة الغابوية؛ وفق معطيات رسمية حصلت عليها جريدة ”آشكاين”، من الوكالة الوطنية للمياه والغابات.

للوقوف حول مدى إمكانية أن تنتقل حرائق حوض الأبيض المتوسط، إلى المغرب؛ استقت جريدة ”آشكاين”، رأي محمد بلعوشي، الخبير في المناخ ومدير الاتصال سابقا بمديرية الأرصاد الجوية. كما حصلت على معطيات من الوكالة الوطنية للمياه والغابات، حول مدى الجاهزية لمواجهة هذه الحرائق المحتملة.

عوامل نشوب الحرائق

بلعوشي، حدد ثلاثة عوامل رئيسية وراء اندلاع حرائق الغابات، وهي انخفاض كبير في نسبة الرطوبة، مقابل ارتفاع درجات الحرارة، ثم قوة الرياح التي تُساهم في انتشارها على نطاق أوسع.

وأكد ذات الخبير، أنه بناء على العوامل السالفة الذكر، هناك مؤشر كلما ارتفع كلما كان احتمال نشوب الحرائق واردا، يرافقه نشرات إنذارية توجه للسلطات المختصة.

وأوضح بلعوشي، بأن تلك العوامل متوفرة حاليا في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، وحتى في بعض المناطق الأخرى في العالم والتي تسببت في اندلاع حرائق في كندا وفي جنوب الولايات المتحدة الأمريكية،رغم أن بلدانا بالبحر الأبيض المتوسط، هي الأكثر تضررا.

محمد بلعوشي مدير التواصل سابقا بالأرصاد الجوية

وكشف أن هاته العوامل المناخية الثلاثة المسببة مٌجتمعة للحرائق، ناتجة بالأساس إلى الضغط الجوي المرتفع، حيث الكثل الهوائية تنزل من الأعلى إلى الأسفل، تنجم عنها هذه المتغيرات المناخية.

وفق بلعوشي دائما، هناك عوامل أخرى غير طبيعية بل بشرية، تقف وراء اندلاع الحرائق، أبرزها التهور المرتبط بالأنشطة الغابوية كعملية الحطب أو النزهات التي ترتفع خلال فصل الصيف داخل الغابات التي تتخلها نار موقدة..، وكذلك أعقاب السجائر التي يتم رميها اعتباطا سواء عبر نوافذ السيارات أو بطريقة ما، والتي قد تتسبب في إشعال حرائق، إضافة إلى أجزاء الزجاج المكسورة التي يشتعل جراء ارتفاع الحرارة، ناهيك عن حالات تأخذ طابعا إجراميا متعمدا (les pyromane ).

إحتمال اندلاع حرائق بالمغرب

أجاب محمد بلعوشي، عند سؤال حول احتمال نشوب حرائق بالمغرب خلال السنة الجارية، أن لا أحد في منأى إذا اجتمعت العوامل السالفة الذكر.

وشدد على أن الحرائق لا تعرف ”الحدود”، وكلما زادت حدة التغيرات المناخية، ارتفع مؤشر وقوع حرائق، وأبسط عامل قد يتسبب في اشتعالها.

جاهزية السلطات للمواجهة

يتطلب مواجهة الحرائق التي باتت تؤرق العديد من الدول، وضع استراتيجية وخطط، قصد منع اندلاعها كإجراء وقائي، ثم السيطرة عليها في وقت قياسي عند وقوعها المفترض، درءا لخسائر كبيرة.

فيما يخص حالة المغرب في هذا المضمار، تشير الوكالة الوطنية للمياه والغابات، أنها تشتغل وفق خطة تهدف إلى إخضاع كل كيلومتر مربع لتقييم المخاطر؛ عبر إحداث نظام معلوماتي إستباقي لتدبير مخاطر الحرائق الذي يعتمد على خرائط تحدد المجالات الغابوية الأكثر تعرضا لمخاطر الحرائق بتعاون مع مديرية الأرصاد الجوية الوطنية.

وأوضحت الوكالة أن هذا النظام، مكن من ”تعبئة أنجع وأحسن لوسائل الإنذار والتدخل، خاصة عبر التموقع المسبق والجيد لوسائل التدخل البرية و الجوية بالقرب من أماكن احتمال اندلاع النيران وتقليص آجال التدخل لتحقيق نجاعة أكبر”.

”كاندير” تحاول إطفاء حريق بالعرائش السنة الماضية ( أ.ف.ب)

الوكالة وخلال السنة الجارية، أكدت أنها لجأت إلى استخدام التقنيات الجديدة، بغية تطوير نظامها، بالاعتماد على تقنية الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة لإنجاز خريطة لمخاطر حرائق الغابات ديناميكية من أجل الانذار المبكر بمنطقة طنجة تطوان الحسيمة وسيتم توسيع استعمال هذه الخرائط في هذه السنة لتشمل كامل جهات المغرب.

وشددت الوكالة الوطنية للمياه والغابات على أن تضافر الجهود بين جميع الشركاء المعنيين، خاصة وزارة الداخلية، إلى جانب الوكالة نفسها، والسلطات المحلية والوقاية المدنية والدرك الملكي والقوات الملكية الجوية والقوات المسلحة الملكية والقوات المساعدة، ساهم ”بشكل كبير في التقليل والحد من الأضرار والخسائر الاجتماعية والبيئية المحتملة”.

إجراءات وقائية 

في الجانب الوقائي، قالت الوكالة الوطنية للمياه والغابات، إنها تعمل على توفير جل ”الوسائل والبنيات التحتية اللازمة والوسائل الكفیلة للحد من اندلاع الحرائق ولضمان نجاعة التدخلات، وذلك عبر شق وصيانة المسالك الغابوية؛ القيام بالعمليات الحراجية الوقائية وللتخفيف من كثافة الأغصان والأعشاب الثانوية للنقص من خطر نشوب الحرائق خاصة بالأماكن الأكثر خطورة؛ شق وصيانة مصدات النار بهدف الحد من انتشار زحف الحرائق؛ تهيئة نقط التزود بالماء سواء بالغابات أو بالمطارات؛ بناء أبراج مراقبة للرصد والإنذار السريع؛ تقوية آليات التدخل الأولي عن طريق اقتناء سيارات التدخل الأولي، والشاحنات المحملة بالصهاريج؛ تنقية جنبات الطرق والسكك الحديدية ومجالات خطوط الربط الكهربائي المخترقة للمجال الغابوي، عن طريق حرثها وإزالة الاعشاب سريعة الاشتعال التي تكسوها.

وكشفت الوكالة، أنها رصدت غلافا ماليا مهما لهذه الإجراءات الوقائية، قدر بـ 200 مليون درهما، خصص لشق وصيانة مصدات النار بهدف الحد من انتشار زحف الحرائق وتهيئة وإصلاح عدد من وحدات نقط الماء وبناء واصلاح أبراج للمراقبة والرصد مع تقوية الحراسة خلال الموسم الصيفي في المناطق الغابوية الحساسة وذلك عن طريق تشغيل مراقبين موسمين لرصد الحرائق، واقتناء سيارات للتدخل السريع الأولي.

كما أكدت الوكالة أنها وضعت وبتعاون مع جميع الشركاء المعنيين مخططا مديريا جديدا للتدبير المندمج لحرائق الغابات في الفترة الممتدة من 2023 الى غاية 2033، يتضمن مجموعات النقط، منها تحسين تقييم المخاطر ومخلفاتها، وأيضا تعزيز البحث وتثمين الخبرة ، وتشجيع الابتكار ونقل التكنولوجيا، ثم تعزيز سياسة الوقاية والإجراءات الاستباقية المتخذة، إلى جانب تحسين عملية الانذار المبكر و التنسيق المحكم لمكافحة حرائق الغابات.

رجال إطفاء يكافحون لاخماد حرائق في غابات الشمال (2022)

إجراءات تحسيسية 

أوضحت الوكالة أنها تشتغل أيضا على الجانب التحسيسي، عبر توعية المغاربة بمخاطر حرائق الغابات والمحافظة على التوازن البيئي بين مختلف مرتادي ومستعملي الغابات، بما في ذلك سكان الأحياء والقرى المجاورة والدواوير ومستغلي الأراضي المجاورة للغابات، وجمعيات القنص، فضلا عن المخيمين، وممارسي الرياضة.

كما تتوخى تلك العمليات تحسين السلوكيات المجتمعية في التعامل مع الطبيعية، لتفادي الحرائق، عبر الدعوة إلى تجنب إشعال الأعشاب الجافة بالقرب من الغابات، عدم رمي المخلّفات الزجاجية أو المواد القابلة للاشتعال، الامتناع عن رمي أعقاب السجائر من نافذة السيارة أثناء القيادة أو في المساحات الخارجية المفتوحة، بالإضافة إلى التأكد من اخماد نار الشواء والطهي في مواقع التنزه وأثناء التخييم في المساحات الخضراء

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x