لماذا وإلى أين ؟

تأمُّـــلاتٌ وهواجسُ حول مخــاض النظام الأساسي للشغيلة التعــليمة

مصطفى الاسروتي*

بعد تنصيب حكومة عزيز أخنوش من طرف الملك يوم الخميس 7 أكتوبر 2021 وتعيين الوزير شكيب بنموسى وزيرا للتربية الوطنية والتعليم الاولي والرياضة، وبعد التنصيب الدستوري وامتلاك الحكومة لصلاحياتها كاملة غير منقوصة عن طريق التصويت بالإيجاب على برنامجها الحكومي من طرف البرلمان بتاريخ الأربعاء 13 أكتوبر 2021.، سارع الوزير بنموسى إلى عقد لقاءات مع النقابات التعليمية بتاريخ الجمعة 15 أكتوبر 2021، أي بعد وقت قصير جدا من توليه حقيبة التربية الوطنية.

ولعل ما يفسر هذه السرعة في استقبال النقابات وفتح قنوات التواصل هو الاحتقان الكبير الذي تعرفه الساحة التعليمية منذ سنوات خاصة خلال مرحلة الوزير أمزازي الذي فشل في إصدار المراسيم المتفق عليها آنذاك والمتعلقة بحل ملفات بعض الفئات التعليمية التي ظلت عالقة قبل أن يصدر بعضها مباشرة بعد تنصيب حكومة عزير أخنوش، الشيء الذي يزكي فرضية الصراعات السياسية والانتخابية التي عرفتها تلك المرحلة، والتي دفع ثمنها رجال ونساء التعليم عبر هدر زمنهم الاجتماعي.

ورغم الإشادة بهذه الحركية للوزير بنموسى وبروز بوادر الرغبة في إنهاء الاحتقان، إلا أن الوزير لم يستطع إيقاف الاحتجاجات، خاصة على مستوى الفئات الكبرى بالقطاع والأكثر تضررا كالمقصيين من خارج السلم، و الزنزانة 10، بالإضافة للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد (أطر الاكاديميات)، وغير ذلك من الفئات الأخرى المتعددة.

لاشك أن النظام الأساسي لسنة 2003 خرج مشوها منذ البداية، ولا أدل على ذلك من كثرة التعديلات التي لحقته مباشرة بعد صدوره، وأيضا كونه السبب الرئيس في بروز الفئات المتضررة التي تحتج الآن، إلا أن اللافت للانتباه هو السياق العام الذي يدبر به هذا الورش والمنهجية المعتمدة في تنزيله، الأمر الذي لا يختلف كثيرا عن أجواء النظام الأساسي المعمول به حاليا، علما أنه يهم الآلاف من الأطر الإدارية و التربوية، كما أن النقاش المتعلق بالنظام الأساسي ليس بجديد، بل وُجدت بوادره منذ سنوات، وتعاقب على تدبيره ما يقارب أربعة وزراء، وعقدت بشأنه اللقاءات واللجان الموضوعاتية، و روجت بشأنه مسودات و نسخ، إلا أن جميع الحكومات المتعاقبة فشلت في إخراجه إلى حيز الوجــــود.

وبخصوص الحكومة الحالية، فمنذ البدايات الأولى لإعلان انطلاق جولات الحوار القطاعي واجتماع اللجان التقنية، بدت بشكل واضح حالة الارتباك في تدبير هذا النقاش على أكثر من مستوى، ولا أدل على ذلك من الفشل في الالتزام بالتاريخ المحدد لصدور هذا النظام أكثر من مرة، حيث أعلنت الوزارة صدور النظام الأساسي خلال دجنبر 2022 قبل أن تتراجع عن هذا التاريخ وتعلن تاريخا آخر يتمثل في يونيو 2023، وهو التاريخ الذي لم تلتزم به أيضا، مكتفية بجعل الدخول المدرسي المقبل كسقف لدخول النظام الأساسي حيز التنفيذ.

ومن جهة أخرى بدا واضحا أن وزارة التربية الوطنية وضعت نفسها في مأزق، من خلال تضخيم الوعود والفشل في تنزيلها، وهو ما دفع الوزارة إلى اعتماد آلية أخرى متمثلة في توقيع اتفاقات فولكلورية مع الفرقاء الاجتماعيين، من خلال توقيع اتفاقين، الأول تحت مسمى الاتفاق المرحلي بتاريخ 18 يناير 2022، والثاني تحت مسمى اتفاق المبادئ العامة بتاريخ 14 يناير 2023 رغم التشابه الكبير بين كلا الاتفاقين، وغياب ما يستدعي إبرام اتفاق آخر، الأمر الذي يمكن أن يفسر بمحاولة للركوب السياسي و إخراج رئيس الحكومة عزيز أخنوش من حالة التخبط واستياء الرأي العام من حكومته، خاصة في تلك المرحلة، من خلال إشرافه شخصيا على بروتوكول توقيع الاتفاقين و إصدار بلاغ حكومي بهذا الشأن، علما أن المتعارف عليه أن رئيس الحكومة يشرف على الاتفاقات الاجتماعية مع المركزيات النقابية والباطرونا، بينما يشرف الوزراء على الاتفاقات القطاعية مع النقابات القطاعية.

من مظاهر الارتباك أيضا في تدبير ملف النظام الأساسي لجوء الوزارة، رفقة الفرقاء الاجتماعيين، إلى اعتماد التكتم وإضفاء طابع السرية على لقاءات اللجان التقنية و المقترحات المقدمة بهذا الشأن، وهو الأمر الذي خلف استياءً كبيرا في الأوساط التعليمية ما فتح الباب أمام حرب التسريبات وتضارُب المعطيات وترويـــج المغالطات، الشيء الذي زاد الاحتقان القائم و أدخل (المنظمة) في حالة من الفوضى والعشوائية، في الوقت الذي كان من الممكن فتح قنوات التواصل ونشر بلاغات دورية بشأن مخرجات الحوار، ومقترحات الأطراف و رؤية الوزارة في ما يخص بعض الملفات.

بعد شهور من اللقاءات والنقاشات، وبعد تسريب مسودة النظام الأساسي فوجئ رجال و نساء التعليم بمخرجات النظام الأساسي، خاصة ما يتعلق بالملفات العالقة التي عمرت طويلا، حيث لم ترقَ هذه الحلول  لربُـــع طموحات الفئات المعنية، خاصة الزنزانة 10، واستمرار التوظيف الجهوي الذي وعدت الحكومة بإلغائه، بالإضافة لمف الدكاترة و حاملي الشهادات، و أطر الإدارة التربوية والمقصيين من خارج السلم، إضافة لمقتضيات أخرى تتعلق بالتحفيز المادي المرتبط بالفريق و المهام المسندة للهيئات وارتباط الترقية بالمردودية، ونظام التعويضات، وهي مواضيع شائكة تحتـــاج لمزيد من التجويد، وإلا أدت إلى الدخول في موجة أخرى من الاحتجاجات لسنوات أخرى قادمة، فمسودة النظام الأساسي بمقتضياتها الحالية حكم قطعي ببروز ضحايا جدد وملفات أخرى، ولا أدل على ذلك من موجة الرفض والاستياء المنتشرة في الأوساط التعليمية والهياكل النقابية المجالية.

مشكلة الوزارة أنها تريد إصدار نظام أساسي بأقل تكلفة، و بصفر درهم، في بعض الأحوال، فهاجس الوزارة الأكبر هو الكلفة المادية التي للأسف أصبحت مبررا لصيقا برجال ونساء التعليم في كل محطة مطالبة بتحسين الوضعية، وهو الإشكال نفسه المرتبط بالحوار الاجتماعي المركزي، بلجوء الحكومة و وزارة المالية إلى الزيادة في الأجور بشكل انتقائي، عبر تمكين قطاعات معينة من ذلك على حساب قطاعات أخرى أكثر عددا، وكأن الشغيلة التعليمية أصبحت ضحية لعددها الكبير، وليس لها سوى الفتات، دون أن ننسى استغلال هذه الفئة انتخابيا بحكم وزنها الانتخابي وقدرتها على حسم الصراع لصالح حزب دون آخر، ما دفع أغلب الأحزاب السياسية خلال الانتخابات التشريعية السابقة إلى استرضاء هذه الفئة من خلال تقديم الوعود الوردية، خاصة في أمرين أساسين الأول يتعلق بإلغاء التعاقد، والثاني بزيادة 2500 درهم، وهما الأمران اللذين لم يتحققا لحد الان رغم اعتلاء الأحزاب المعنية لسدة الحكم عبر التحالف الثلاثي.

وفي هذا الإطار لا يمكن أن نغفل دور المكونات النقابية الخمسة المشاركة في الحوار القطاعي، وتحملها المسؤولية الكبيرة فيما وصلت إليه الأوضاع، وما ستصل إليه مستقبلا، كما لا يخفى على أي متتبع طغيان الهاجس السياسي، والحزبي أحيانا، والهاجس البراغماتي النفعي أحيانا أخرى على الأجندة النقابية، على حساب تغليب المصلحة العليا لرجال ونساء التعليم.

الملاحظ اليوم أن الوزارة لا تستفيد من أخطائها، وسيناريو نظام 2003 يتكرر، ما يوحي باستمرار الاحتقان في القطاع، واستمرار مظلومية العديد من الفئات، فلا جدوى من نظام أساسي لا يقطع مع الاختلالات السابقة، ولا ينصف الشغيلة التعليمة، فالمطلوب الآن من الوزارة و الفرقاء أن يستمعوا جيدا لنبض الشغيلة التعليمية وهواجسها، والاستفادة من أخطاء الماضي القريب.

*فاعل نقابي

عضو المكتب الوطني للجامعة الوطنية لموظفي التعليم UNTM

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

1 تعليق
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
حسن
المعلق(ة)
5 أغسطس 2023 00:56

.تعددت الأساليب لكن الهدف واحد..وهو إلهاء الشغيلة التعليمية بهذا المسلسل التركي والذي لن ينتهي…بدل التركيز على المطالبة بالرفع من الأجور وتحسين الوضعية المادية والتي هي الاساس…وللاسف حتى النقابات انخرطوا مع الوزارة في هذه اللعبة القذرة…فاالتعليم برمته في المغرب لم يعد له مكان في ضمائر ونفوس المسؤولين الفاسدين..والاستاذ إلى مزبلة التاريخ…ولبغى الفلوس يخدم في المخزن طالع واكل نازل واكل فحال المنشار…..

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x