لماذا وإلى أين ؟

خبيرٌ يُــبرز الرسائل غير المُعلنة في خطـاب ماكـــرون

قال عبد الواحد أولاد مولود، الباحث في العلاقات الدولية والشؤون الإفريقية، إن المغرب كان واضحا، حتى في الخطب الملكية التي دعت، بشكل أو بآخر، إلى تثبيت موقف فرنسا من مغربية الصحراء، هل هي مع المغرب أم ضده.

وشدد ذات الباحث في حديث لـ ”آشكاين”، على أن فرنسا تعاملت بـ ”اللامبلاة” مع الدعوة المغربية وتجاهلت كل الخطابات، بل بدأ إعلامها يدخل في حيثيات للتشويش على السياسة الخارجية للمملكة، خاصة فيما يتعلق بقضية الصحراء، بتوظيفها لمصطلحات شبه معادية للوحدة الترابية، إن ”لم نقل مصطلحات تنحاز للطرح الانفصالي”.

وأوضح أولاد مولود أن الأمر لم يرق المغرب، الذي لم يعد يعتمد على باريس كشريك أساسي في ترسيخ العلاقات على مستوى سياسته الخارجية بانفتاحه على شركاء، خلال العقدين الأخيرين، على غرار دول أوروبية آخرى و الخليج وإفريقيا، بعد أن كانت فرنسا من تملك العصا السحرية في تحريك العلاقات المغربية الأوروبية.

وأبرز ذات الخبير في الشأن الإفريقي، أن فرنسا أحست بالخطر، وأنها الخاسر الأكبر في اللعبة، بعد أن فطنت الدول الافريقية أن باريس عليها أن تعتمد على مقاربة جديدة مبنية على منطق ”رابــح رابــح”.

وأوضح أن خطاب ماكرون لم يكن ”عبثيا”، ويجب قراءته من عدة زوايا، لكن المرتكز الأساسي فيه هو أن الدبلوماسية الفرنسية فهمت أنها يجب أن تعيد النظر في علاقاتها مع الدول الافريقية والمتوسط، خاصة المغرب، بناء على مقاربة نفعية وتبادل المصالح.

وكشف المتحدث أن فرنسا بين خيارين في علاقاتها مع المغرب: بين السير على نهجها الحالي رغم أنها ”الخاسر” الأكبر، وبين إعادة قراءة موقفها تجاه قضية الوحدة الترابية، إذ أن زمن ”مسك العصا من الوسط قد ولى”.

وأبرز أولاد مولود أن فرنسا في موقف لا تحسد عليه، فهي لا تريد أن تخسر الجزائر وفي نفس الوقت تسعى نحو تجاوز ”الأزمة الصامتة” مع المغرب واستعادة العلاقات الطبيعية، مشددا ألا خيار أمامها سوى أن تختار بين الأمرين، إما أن تصطف مع دول أوروبية والاعتراف بمغربية الصحراء وتكسب علاقات جيوستراتيجية مع المملكة، وإما أن تستمر في هذا الموقف الذي يعترف في عمقه بالطرح الانفصالي رغم أن باريس تبدي العكس ظاهريا.

في سياق متصل، أوضح أولاد مولود، أن قراءة السياسة الخارجية الفرنسية خاصة في منطقة المتوسط وأيضا في شمال افريقيا وحتى في إفريقيا الساحلية، أي الساحل والصحراء، يتضح بالملموس أن علاقات هاته الدول مع فرنسا ”غير مرغوب فيها”، خلال السنوات الأخــــيرة.

وأكد ذات الباحث، أن خطاب ماكرون، أمس أمام سفراء بلاده، ليس سوى ”تحصيل حاصل” لتراجع السياسة الخارجية لفرنسا في المنطقة، واتضح ذلك من خلال ما تعرضت لها الدبلوماسية الفرنسية من طرد لسلطاتها في العديد من الدول الإفريقية على غرار مالي وبوركينافاسو والنيجر… وطرد إعلامها من هذه الدول، مثلما وقع في الغـــابون.

وشدد عبد الواحد أولاد مولود، على أن الحرب الروسية الأوكرانية، أثرت، من جهة ثانية، على توجهات السياسة الخارجية لباريس، مبرزا أن فرنسا اليوم بين مطرقة أنها غيرُ مرغوبٍ فيها إفريقيا، و بين سندان الحرب الأوكرانية الروســــية

فرنسا مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى، وفق المتحدث، بإعادة قراءة سياستها الخارجية، لأن نفوذها تراجع بشكل كبير في عهد ماكرون، وامتد هذا التراجع ليشمل المجال الاقتصادي (تراجع الشركات الفرنسية)، مقابل صعود تنافس دولي عل غرار روسيا في شمال إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط.

جدير ذكره، أن ماكرون، قال في خطابه السنوي أمام السفراء الفرنسيين داخل قصر الإليزيه، مساء أمس الإثنين 28 غشت الجاري: ” لنكن واضحين، العلاقات الثنائية ليست في المستوى الذي يجب أن تكون عليه”.

وأضاف: ” لا أريد أن أذكر كل واحدة بالإسم، ولكن الأمر يتعلق أساسا بكل من المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا، ومصر و أيضا بدول البحر الأبيض المتوسط”.

وتهرب ماكرون خلال كلمته، من تحمل مسؤولية ما آلت إليه أوضاع العلاقات بين الدول المذكورة و فرنسا، حين أكد أن أمر تدهور العلاقات غير مرتبط بالتزامات بلاده تجاه هذه البلدان فيما يتعلق بجهود فرنسا بمسألة الذاكرة أو الجانب الاقتصادي، بل الأمر يعود إلى ما أسماه بـ ”أزمة وصعوبات متعددة” في المنطقة.

وشدد الرئيس الفرنسي على أن فرنسا ستقوم بمبادرات ثنائية عدة، بمشاركة فعاليات المجتمع المدني، مع مختلف هاته الدول، في الأشهر القادمة، مبرزا في هذا الصدد أن حكومته وضعت أجندات، من أجل إعادة توطيد العلاقات مع دول المنطقة وعلى نطاق واسع في غضون نهاية السنة الجارية، مشيرا إلى أن قضايا البيئة و المناخ والتعاون المشترك،”تدفعنا إلى التفكير في وضع أجندة مشتركة”.

وتمر العلاقات المغربية الفرنسية، بأزمة دبلوماسية غير مسبوقة منذ شهور، بسبب خلافات عميقة بين الرباط و باريس بشأن العديد من القضـايا على رأسها الموقف الفرنسي من مغربية الصحراء و قضية الهجرة، وتهم التجسس على مسؤولين فرنسيين على رأسهم الرئيس ماكرون نفسه.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

1 تعليق
Inline Feedbacks
View all comments
احمد
المعلق(ة)
30 أغسطس 2023 10:28

ما يقع في إفريقيا ينذر بوضع اسوء مما وقع في حرب اوكرانيا، وربما سيكون الشرارة التي ستنذلع بسببها حرب عالمية ثالثة، وإذا ما راجعنا التاريخ سنجد ان الحربين العالميتين الاولى والتانية رغم اختلاف السياقات كان سببهما الموارد والصراع على مراكز النفود بين القوى العظمى.

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x