لماذا وإلى أين ؟

تمخضت الوزارة دهرا وولدت بقاَّ

أيوب الظهراوي

خلق النظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية احتقانا كبيرا بين أسرة التربية والتكوين. مرد هذا الاحتقان هو عدم استجابة النظام الأساسي لمطالب كل فئات هيئة التدريس، خاصة أستاذة الثانوي التأهيلي. بل الأمرُّ من ذلك حمل النظام الأساسي جملة تراجعات خطيرة. وسنحاول في هذا المقال بيان المضمر في النظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية.

إن الأصل في القانون الوضوح، وتسمية الأمور بمسميات تقلِّصُ الاحتمالات، وتحاول سد باب الثغرات، بل يوازي القانون بين الحقوق والواجبات. وهذا ما لم يكن حاضرا بالنسبة للقانون الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية؛ إذ يضمر أكثر مما يفصح، وللأمانة يفصح عن الواجبات ويفتح أفقها أمام تدبير الوزارة الوصية، ويشرح العقوبات وآثارها بدقة متناهية.

إن أول ما يثير الانتباه في القانون الأساسي هو كثرة العقوبات ودرجاتها، والعلاقة بينها؛ وهو ما يشي بأن واضعي القانون فكروا بدقة في كيفية المعاقبة والعفو. الأمر الذي يجعل القارئ يشك في نية الوزارة في تكبيل أفواه الموظفين، وثنيهم عن كل احتجاج. ويزداد الأمر سوءا إذا اطلعنا على مهام المدرسين؛ فإلى جانب مهمة التدريس الأصلية أضيفت مهام عديدة تثقل كاهلهم، والأمرُّ من ذلك أنها مهام مجانية؛ فلم يتم الإشارة إلى أي تعويض خاص بهذه المهام الإضافية. لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل فتح المشرع بابا متسعا أمامه لإضافة عدد لا محدود من المهام، وطبعا دون تعويض.

الأصل في إضافة المهام التعويض من جهة، وتقليص ساعات العمل الصفية من جهة أخرى، كي يتسنى للمدرس أن يزاول مهامه بحب وفعالية. غير أن النظام الأساسي الجديد حاد عن ذلك وترك مهمة تحديد ساعات العمل مفتوحة لقراراته؛ فأمام سياسة التقشف يمكن أن يطلب من المدرسين التدريس لمدة تفوق 30 ساعة يوميا، ناهيك عن مزاولة باقي المهام الإضافية التي أصبحت ملزمة، إضافة إلى مهام التخطيط والتصحيح بالمنزل. والراجح في القانون الأساسي هو الاتجاه إلى رفع ساعات العمل، فلو كان التوجه نحو تخفيضها لتم التنصيص على ذلك، والتغني به ضمن الامتيازات التي أتي بها هذا النظام.
تحتاج كثرة المهام، وضغط ساعات العمل إلى فترات راحة يسترجع فيها المدرس أنفاسه، ويعمل على جلب الاستقرار لنفسيته، والاهتمام بأسرته. لكن النظام الأساسي الجديد رفض ذلك معلنا أن العطلة الوحيدة التي يستفيد منها المدرس هي عطلة نهاية السنة ومدتها 22 يوما، أما باقي العطل البينية فستكون مخصصة للتكوينات الإلزامية. فحتى لو كان المدرس متعبا ومرهقا يجب أن يستفيد من تكوينات تربوية، وطبعا لن يتقاضى عنها أي شيء، بل يجب عليه أن يوفر ميزانية للتنقل والتغذية والمبيت من ماله الخاص. فلم تتم الإشارة أبدا إلى أي تعويض عن التكوين.

ككل المؤسسات لن تغفل وزارة التربية عن تحفيز موظفيها، والتنويه بهم، وتشجيعهم على عملهم في شروط لا تستجيب لأدنى معايير الجودة والسلامة. من أجل ذلك خصص النظام الأساسي تحفيزات جد مهمة للمدرسين تتجلى في مجموعة من الشهادات التقديرية شكرا لهم على تضحياتهم، وهي شهادات ورقية لا تتضمن صرف أي تعويض مادي مقابلها. والأنكى من ذلك أنها لم تخصص درهما واحدا كزيادة في الأجر للمدرسين، خاصة أمام ارتفاع التضخم والأسعار. اللهم من منحة قد يستفيد منها خمسة أساتذة أو سبعة في كل مدينة ضمن فريق تربوي يعمل خارج أوقات العمل، ووفق شروط لم تحدد بعد في إطار ما يسمى بمدرسة الريادة التي لم ترد أي إشارة على إمكانية تعميمها.

إن النظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية نظام تفقير وتجويع هدفه الأساس إنهاك الشغيلة، ومن ثم القضاء على المدرسة العمومية لصالح تغول التعليم الخاص. فالأصل في النظام الأساسي خدمة الموظف وتحسين عمله ودخله كي يكون أداؤه فعالا من أجل خدمة المجتمع، وهو الأمر الذي سعى النظام الأساسي إلى تكريس عكسه.

أستاذ

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبه

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

3.6 7 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

7 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
استاذ اللغة الانجليزية
المعلق(ة)
18 أكتوبر 2023 02:28

تشير الساعة الآن الى 2:18 دقيقة صباحا في هذه اللحظة التي أكتب فيها هذا التعليق. أقسم بالله العظيم للتو إنتهيت من إعداد درس (من جديد) حتى يتناسب مع مستوى التلاميذ الذين أدرسهم هذا العام. هذا ما يقع كل سنة. وهؤلاء البلداء يريدون إثقالنا بمهام أخرى وكأننا “دايرين رجل على رجل” كما نقول بالعامية. هذا المعتوه الذي وضع هذا النظام لايهمه سوى الإنتقام من الاساتذة. أنتم ايها الاغبياء الذين استمريتم لسنييين في كراسي الوزارة رغم تعاقب مختلف الوزراء _ ماذا قدمتم للقطاع ايها الفاشلون؟ والله ثم والله إن لم تتراجع الوزارة عن هذا النظام البئيس، لن ترو منا سوى التصعيد والمزيد من التصعيد!!

استاذة غيورة على الوطن
المعلق(ة)
18 أكتوبر 2023 13:10

تماما، ان النظام الأساسي الجديد استهزاء بالشغيلة التعليمية و استعباد لها، لا حول ولا قوة إلا بالله. لكن ان شاء الله ، ما ضاع حق وراءه مطالب.

حسن
المعلق(ة)
18 أكتوبر 2023 01:48

…الوزارة كشرت عن أنيابها…وتعكس الوجه الحقيقي لمن يحملون الحقد والغيظ للمعلم وللشغيلة التعليمية..في هذه الدولة جميع الموظفين في كفة إلا المعلم في كفة أخرى ظاهرها شعارات وباطنها الكيد والكيل …

عبد الرحيم
المعلق(ة)
18 أكتوبر 2023 13:06

السلام عليكم
هذا “اللانظام” الأساسي لن يتخلف عن الاحتجاج ضده إلا من لم يفهم مضامينه أو لا يعرف حقوقه.و كلا الاحتمالين بالنسبة للأستاذ “ة” حرام و عيب أن يقع فيه.

محمد
المعلق(ة)
18 أكتوبر 2023 09:27

البق سبق للوزارة أن سلطته على شيوخ التربية والتعليم ضحايا النظامين الاساسيين السابقين وبمباركة من النقابات و بما ان اغلبهم احيل على التقاعد او انتقل الى الرفيق الاعلى واستغلت الوزارة ذلك فتملصت نهائيا من الملف

برادة
المعلق(ة)
19 أكتوبر 2023 13:44

مقال يشير إلى النزر القليييييييل من سيءات ومثالب هذه الفوضى الأساسية

ع س
المعلق(ة)
19 أكتوبر 2023 10:49

بالفعل هدا النظام هو نظام المآسي كما سماه الاساتدة الشرفاء هو نظامي انتقامي يكرس العبودية و يعيننا إلى زمنها .ليس هناك هم سوى أثقال كاهل الاستاد و نزع ما قد سمي من طرف الجميع الراحة التي ينعم بها الاستاد جاهلين كل الجهل خصوصية مهنة التدريس التي تتبع المدرس أينما حل وارتحل ..لن نخضع لهدا النظام ولو كلفنا الوظيفة نفسها …

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

7
0
أضف تعليقكx
()
x