لماذا وإلى أين ؟

أزمة التعليم الحالية: مقترحات وحلول

حميد عسلي*

مما لا شك فيه أن قطاع التربية والتعليم يعيش أزمة خانقة وقنبلة موقوتة لا يعرف أحد ميقات انفجارها. فالمؤشرات تشير إلى هدر الزمن المدرسي بملايين الساعات كل يوم ووثيرة تصاعد الاحتجاجات والإضرابات لم تعد مقتصرة فقط على هيئة التدريس بسلكيها الابتدائي والثانوي، ولكن قد شملت مجموعة من الهيئات كالتوجيه والتخطيط وأطر الدعم وحتى الأطر المشتركة العاملة بالقطاع كالمتصرفين المشتركين الذين بدورهم أنشأوا تنسيقية وملفا مطلبيا. كما أن الأسر والتلاميذ قد ينضمون للركب في أي لحظة وينقطع مع ذلك خيط معاوية في الأمن العام والسكينة العامة.

ومما لا شك فيه أيضا أن تدبير الأزمة الحالية يستوجب حلولا تدخل في نطاق إدارة الأزمات الحديثة وليس التدبير التقليدي الذي قد يرتكز على إنكار الازمة او تبخيسها وتجاهلها. فاليوم السلطات التنفيذية أمام وضع خطير، مما ينبغي معه سلوك طرقا رفيعة ودقيقة لتجاوز مخاطر الانفلات المرتبط بهذه الأزمة المستمرة والمتصاعدة. وفي هذا الإطار نرى أنه من الضروري المرور إلى السرعة القصوى في تنزيل مقترحات من شأنها احتواء الأزمة وتنزيل حلول كفيلة بتنفيس وتفكيك مسبباتها.

إن المقصود بالمرور إلى السرعة القصوى ليس التسرع وإنما القدرة على التشخيص السريع لمختلف مسببات الوضع الحالي ثم المرور إلى تنزيل حلول في إطار من التشاور والتشاركية مع الشركاء الرسميين كالنقابات وحتى غير الرسميين من قبيل بعض كوادر التنسيقيات.

والظاهر من خلال تحليلنا المتواضع لهذه الأزمة، أن الشق المادي يشكل جوهرها ولبها، ثم زاد الطين بلة نظام العقوبات الثقيل الذي وضع الأسرة التعليمية جميعا موضع الإحساس بلا أمن وعدم الاستقرار، وأخيرا يظهر جليا أن المشرع قد حدد بالتدقيق واجبات والتزامات المعنيين بالنظام الأساسي لكنه بالمقابل ترك جزءا كبيرا من الحقوق أكثر ضبابية وقرن تدقيقها بقرارات ونصوص تنظيمية مؤجلة.

أكيد ليست هذه المحاور هي كل المسببات، لكننا نقتصر في هذا المقال على ما سبق لكونه يشكل النسبة الكبيرة من الأزمة الحالية. وفي هذا الإطار نقترح ما يلي، قصد تخفيف منسوب الأزمة في أفق إنهائها:

  • أولا: تجاوز الرؤية المادية المحاسباتية

أكيد ان الغلاف المالي والتكلفة الميزانياتية كبيرة لمعالجة المطالب المشروعة لهيئة التدريس وباقي الهيئات بالقطاع، لكن المتمعن في جداول التعويضات التي اقترحتها الوزارة في المرسوم الحالي بخصوص هيئتي الإدارة والتفتيش، يمكن وصفها بالقشة التي قسمت ظهر الأستاذ، فالإحساس بالإهانة والتهميش قد يكون السبب الأبرز في خروج عشرات الآلاف من هيئة التدريس لتصدح بكل قواها مما أسموه حيفا قد طالها. وهنا إن الحكومة مدعوة لتجاوز هذا الإشكال وذلك بالزيادة الفورية وبمبالغ محترمة لأسرة التدريس لكونها قطب رحى المنظومة وعمودها الفقري والساهر على تربية وتعليم أزيد من ثمانية ملايين من أبناء هذا الوطن العزيز. ولا يجب أن تكون الإكراهات المالية اليوم حاضرة بقوة أو خطوط حمراء، فمهما كانت هذه التكلفة كبيرة، فالأستاذ يستحق كل الاهتمام والتقدير والتكريم، فقط يجب التدبير الحكيم والرشيد في إطار رؤية شمولية لموارد الدولة وإعادة تحديد الأولويات في إطار الاستثمار العمومي حيث يكون العنصر البشري “التلميذ” أبرز عناوينه.

  • ثانيا: سلة عقوبات محبطة

إن القاعدة القانونية في منظورها الفلسفي جاءت لتحد من حرية الأشخاص وتقننها، لكن المتفحص لكم العقوبات المنصوص عليها في المرسوم الحالي قد يعتبرها تجاوزا كبيرا وإكراها يصل حد المس بالسكينة والاستقرار الوظيفي لهيئة التدريس. فالعقوبات متنوعة وشملت كل الجوانب بدءا من الإنذار والتوبيخ مرورا بالقهقرة والمنع وصولا إلى حد  الحذف والعزل، ولا نقول في هذا الصدد بأن شخص الأستاذ مقدس لا يجب المساس به، لكن نقول بأن التنصيص المفصل لجملة متنوعة من العقوبات مقابل غموض وعدم وضوح كاف بالجوانب المتعلقة بالحقوق والتحفيز يدعو إلى إعادة صياغة وتجويد النص المنشور بما يتلاءم وخصوصية القطاع وحيويته وأهميته، ولذلك يجب التنصيص بالتفصيل الممل لمختلف الحقوق من قبيل ساعات العمل والتعويضات المرتبطة بالساعات الإضافية وباقي التعويضات كتلك المرتبطة بالتصحيح وغيرها، زيادة على تجويد نسق الترقي وطرقه وتطوير كفايات العاملين بالتكوين والتكوين المستمر وتسطير مداخل للتحفيز المادي وغير المادي والاستقرار الوظيفي.

  • ثالثا: الاهتمام بالعاملين بالقطاع خدمة للتلميذ

إن جوهر اشتغال العاملين بقطاع التربية والتعليم هو التلميذة والتلميذ، ولذلك فالإجراءات التي جاءت بها الوزارة بخصوص ما أصبح يعرف بالمدرسة الرائدة في شقه المادي يعتبر مكتسبات يجب تطويرها وتعميمها على باقي المؤسسات، وذلك لكي نخرج من منظور الإصلاح الاختياري إلى الإصلاح الضروري، فكل المؤسسات هي بحاجة إلى سيولة مادية لتدبير بعض المصاريف الضرورية لسيرها، وكل المؤسسات التعليمية بحاجة للنظافة والحراسة وللمسلاط والحواسب المحمولة والطابعات.

كما أن المنظومة لا تشتغل بالمدرس فقط، وإنما هناك طاقم من الهيئات يعمل على تنزيل مختلف الرؤى والمخططات، كهيئة التخطيط والتوجيه والدعم وهيئة المتصرفين المشتركة بين الأطر والتقنيين، يجب الأخذ بعين الاعتبار مطالبها بالجدية اللازمة والتجاوب معها لكيلا تسقط الوزارة في نفس ما آلت إليه الأمور حاليا حيث اهتمت فقط بهيئتي المتصرفين التربويين والمفتشين.

وأخيرا، لا يجب ان نجعل من الأزمة الحالية مشكلا بقدر ما يمكن ان تكون فرصة لإعادة النظر في أهداف ومرامي المدرسة العمومية كاستثمار طويل الأمد، سيعود بالنفع والرفاه والتقدم على الوطن وسنجني ثماره كدولة رائدة بين مختلف دول المعمور خلا بصع سنين، ففي ظل عالم متغير بأنساق متباينة وتحديات مختلفة، يبقى العنصر البشري المتغير الوحيد القار مهما اختلفت التحديات وتنوعت الرهانات.

باحث في القانون العام والعلوم السياسية

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبه

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

2 3 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

7 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
بوجمعة
المعلق(ة)
16 نوفمبر 2023 00:46

لا أعتقد أن الفاعلين الحكوميين لهم مايكفي من الكفاءة وتصورات لحل أزمة التعليم الحالية كون :
– حجم التعقيدات التي تحملها لا تختزل فقط اعادة بناء قانون تعليمي أساسي جديد وفتح أبواب الاقسام المدارس العمومية وو
– حجم اثار التنازلات التي مست الوظائف الاجتماعية للدولة على مدى سنوات لصالح تحرير الاقتصاد وتقوية اديولوجة الخوصصة وتفويت الممتلكات العمومية واضعاف جبهات الدفاع عن الاجير وو .. خلصت إلى خندقة كرامة الاستاذ ومستواه المعيشي ضمن طبقة اجتماعية “محكورة” .
– لأن اديولوجية تحرير وتوظيف الراسمال تمكنت من وضع الى جانب مدرسة عمومية نظام شركات تعليمي خصوصي يوهم افتراءا الآباء وحتى اساتدة المدرسة العمومية بأن مردودية التعلم تبقى من اختصاص المدرسة الخصوصية ..
– ان اجواء الثقة انعدمت بسبب الوعود الكاذبة واتلاف وسرقة اعتمادات مالية كانت تخصص لسنوات لبناء المدرسة العمومية ولم تنجز.
– أن تقوية مؤسسة الاستاذية تتطلب وقتا طويلا وتوفر شروطا وتصورات لن تكون ضمن المناخ واجندة الوزارة الوصية والحكومة …

مناضل
المعلق(ة)
16 نوفمبر 2023 09:15

أسرع و أنجع حل هو سحب النظام الأساسي أولا ثم ثانيا يأتي الحوار حول مطالب الشغيلة

حسن
المعلق(ة)
17 نوفمبر 2023 16:50

السلام عليكم ليس فقط أسرة التعليم يجب رفع أجرهم بل كافة الموضفين الكل يعاني من الغلاء المعيشي رجال التعليم منهم من يقوم بدروس للدعم ب200 درهم لساعة اتقوا الله في شبابنا اصلا مستواهم التعليمي ضعيف فلسطين محتلة عدة سنوات أطفالهم يتكلمون في استجوابات ب العربية الفصحى بدون تقطع عكس أطفالنا الدارجة يتقنونه ومقررتنا المدرسية اغلبها ب العربية من هو السؤول عن هدا انتظر جوابا

متصرف تربوي
المعلق(ة)
16 نوفمبر 2023 07:34

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اتمنى عليك أن تحدد مهام المتصرف التربوي
وحجمها الذي يثقل كامله
مقابل ماذا؟لا تعويض عن الإطار….
اما التعويض عن المهام فهي تزول بنهاية مساره في هذه المهمة.
أين هو الاهتمام بالمتصرف التربوي(المدير)؟

عبد الله
المعلق(ة)
17 نوفمبر 2023 12:40

العمل أولا ، لماذا المدارس الحرة لا فيها إضراب و رواتب العاملين بها هزيلة و جودة التعليم فيها افضل و أعلى بما في العمومي, أساتذة ومن يساندهم بلا ضمير ، فاليرحل كل مضرب و اليتوقف راتبه بعد توجيه إنذار له ،نحب وطننا الغالي و على رأس الجميع ملكنا محمد السادس نصره الله…

MRE de Montpellier
المعلق(ة)
16 نوفمبر 2023 19:44

Combien il travaille un prof d’heure par jour au Maroc? 3h45 guère plus , si on compare son taux horaire par rapport au prof en France le Marocain de 3h45 contre en France 7h 45 , le Marocain est mieux payés que le Français . et leur niveau? vous avez oublié que le dernier classement mondial d’instruction; le Maroc a bien été derrière certains pays du tiers Monde ce n’est pas un secret de Polichinelle, parce que la formation des prof est limite .Ils ne veulent pas passer les concours , ils exigent un salaire très élevé, et être titularisés dès l’entrée

محمد
المعلق(ة)
16 نوفمبر 2023 09:36

نطالب بخوصصة التعليم العمومي لان هؤلاء الأساتذة يريدون اللعب والكسل ولايريدون
الاصلاح هذا ديدينهم

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

7
0
أضف تعليقكx
()
x