لماذا وإلى أين ؟

الدعم الاجتماعي المباشر بين مطرقة التخفيف من حدة الأزمة الاجتماعية و سندان التوظيفات الانتخابية

سعد مرتاح/صحفي متدرب

بمصادقة حكومة عزيز أخنوش، على المراسيم الخاصة بتطبيق الدعم الاجتماعي خاصة المباشر منه للفئات الأكثر هشاشة، تكون قد قطعت أشواطا كبيرة في تنزيل بنود المرحلة الثانية من الحماية الاجتماعية على أرض الواقع، كما رسمها قانون الإطار للحماية الاجتماعية المحدد والمؤطر لكل المراسيم التطبيقية المتعلقة بهذا المجال.

وقد خلقت، مضامين برامج الحماية الاجتماعية وطرق تنفيذها وتنزيلها، وما رافقها من مواكبة إعلامية وصحفية وأكاديمية، تساؤلات حول مدى نجاعة الدعم المقدم للفئات الأكثر هشاشة بالخصوص، من التخفيف من حدة الازمة الاجتماعية الحالية، نهيك عن التخوفات الناتجة من احتمالات أي توظيف سياسي له.

أكثر من نصف الأسر أصبحت مشمولة بالدعم الاجتماعي

حُدد مرسوم عتبة نظام الدعم الاجتماعي المباشر، في الفئات التي تساوي أو تقل عن 9,74كعتبة في مؤشر سبق ووضعته بهذا الخصوص، ما سيمكن حسب تصريح لرئيس الحكومة 60 في المائة من الأسر غير المشمولة ‏بأنظمة الضمان الاجتماعي، من دعم مالي شهري لا يقل عن500 درهم، وهي حسب المؤشرات الرسمية وتصاريح الخبراء في المجال الاقتصادي – الاجتماعي، نسبة غير مسبوقة ولم يسبق تحقيقها في مختلف برامج الدعم السابقة من ناحية النسبة، لكنها تظل في مجملها ضعيفة من ناحية قيمتها المادية إذا ما تم استحضار واقع الأسعار في مختلف المواد في الأسواق المغربية.

لكنها كبداية أولية تعتبر مهمة وتأسيسية، وهو نفس الاتجاه الذي سلكه رئيس الحكومة أخنوش في إحدى تصريحاته الأخيرة “أن الإجراءات الجديدة تهدف للتأسيس لسياسة اجتماعية وطنية وتضامنية أكثر إنصافا واستدامة”

تقليص في الفئات المستفيدة من الدعم الاجتماعي

إذا ما نظرنا إلى مختلف القوانين والمراسيم المنظمة للدعم الاجتماعي، فسنلاحظ أن هناك تقليص في الفئات الاجتماعية المعنية بالدعم المباشر، ولعل أبز ملاحظة تحضر في هذا الباب، هو عدم اعتماد التعريف الشامل الذي وضعته المواثيق الدولية حول الفئات المعنية بالحماية الاجتماعية.

حيث استُبعد التعويض عن البطالة من مشمولات الحماية والدعم الاجتماعيين، وتم الاكتفاء فقط بالتنصيص على الحماية من المخاطر المرتبطة بالشيخوخة وبالطفولة وتحويل تعويضات جزافية لفائدة الأسر التي لا تشملها هذه الحماية، والحماية من مخاطر فقدان الشغل لفائدة الأشخاص الذين يتوفرون عليه.في حين لم يتطرق لمدى إمكانيات تقديم دعم مادي قار ومحدود للأشخاص الذين لم يتمكنوا من ولوج سوق العمل، خاصة في صفوف خريجي المعاهد حاملي الشواهد.

وحتى تصريحات الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس،  حول “أن الفرد الواحد يعتبر أيضا رب أسرة، وبهذا المعنى لن يتم إقصاؤه من الاستفادة”، لا تنصب بالضرورة في اتجاه شمول الدعم الاجتماعي للمعطلين.

رهانات الدعم الاجتماعي المباشر في التخفيف من الأزمة الراهنة

يشهد المغرب في الآونة الأخيرة، ظرفية اجتماعية اقتصادية صعبة، نتج عنها زيادات متتالية في أسعار مختلف أصناف المنتوجات الغذائية والأساسية والغاز والبنزين، في المقابل بقيت كتلة الأجور تراوح مكانها في معظم القطاعات، ولم تشهد أية زيادات مهمة.

وإذا ما تم الاعتبار، أننا فيما يخص الدعم الاجتماعي كما نزلته حكومة أخنوش، نتكلم أصلا عن الفئات أكثر هشاشة اجتماعيا في المغرب، والتي لا تتوفر على أي دخل آخر كيفما كان، وستحصل بالمقابل على دعم شهري يتراوح بين 500درهم و1000 حسب في أي صنف هي، فإن الغايات الكبرى التي يروم إليها هذا الدعم، تطرح عدة تساؤلات حول مدى تحقيقها فعليا على أرض الواقع.

فكما هو معلوم أن جزء من الموارد المالية المخصصة لتغطية المصاريف الإضافية المترتبة عن هذه الخطوة، لن يكون من خلال ضح اعتمادات مالية جديدة، وإنما من خلال ما يمكن تسميته إعادة جدولة هذه الاعتمادات، أي – وهذا ما نص عليه قانون الإطار 09.21 المتعلق بالحماية الاجتماعية – من خلال رفع الدعم التمويلي المخصص لنظام المقاصة وتحويله لهذه البرامج، بحجة أن نظام المقاصة يعطي الدعم لفئات تزاحم الفقراء وهي في غنى عنه.

ما يعني أن تقديم الدعم الاجتماعي للفئات الأكثر هشاشة، سيقابله بالضرورة ارتفاع فجائي وبنسب مرتفعة في أسعار المواد التي كان يدعمها هذا النظام، فمثلا مستخدم بالحد الأدنى للأجور أو بأقل من هذا، سيصطدم مع ارتفاع يقارب الثمانين بالمئة في سعر قنينة الغاز، ما يعني عمليا تقليص أجرته بما يقارب100 درهم شهريا على الأقل، إذا ما افترضنا أنه يستعمل قنينتين فقط، ودون احتساب الزيادات المحتملة في باقي المواد، بعد عزوف “المقاصة” عن دعمها.

أي أن الدعم الاجتماعي كما هو مقدم في صيغته الحالية، من الممكن أن يحدث تأثيرات اجتماعية سلبية جانبية ستمس أساسا الطبقات المتوسطة والطبقات الأدنى منها بقليل، في حين سيضفي تحسين طفيف على الفئات الأكثر هشاشة. مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذا الدعم لا يصل حتى إلى نسبة نصف الحد الأدنى للأجور، وقد يفقد غاياته المرجوة يوما بعد يوم كلما شهدت الأسواق المغربية ارتفاعا جديدا في الأسعار.

الدعم الاجتماعي الحالي ومخاطر التوظيف السياسي

تعتبر مسألة التوظيف السياسي للدعم الاجتماعي، من أكبر المخاوف المطروحة من قبل الرأي العام وحتى الخبراء والمتتبعين.

فكما هو معروف أن الانطلاقة الرسمية لورش الحماية الاجتماعية بدأت رسميا مع خطاب الملك في افتتاح دورة البرلمان في أكتوبر 2020، ومنذ تلك اللحظة، سواء حكومة العثماني السابقة أو أخنوش الحالية، يربطون كل تصريحاتهم الخاصة بمدى التقدم في تنزيل المشروع برؤية الملك وتوجيهاته، في إشارة إلى أن المشروع هو برعاية رئيس الدولة وهو في منأى عن أي توظيف سياسي أو انتخابي.

وهذا ما تنبأ له أخنوش مؤخرا، من خلال تأكديه في تجمع حزبي أمام أنصاره بجنوب المغرب، أن مباشرة حكومته لأجرأة الدعم المباشر في بداية ولايته الحكومية بدل نهايتها، إشارة واضحة أن هذا البرنامج بعيد عن الاستغلال.

غير أن هذه التصريحات لم تبدد كليا مخاوف الاستغلال السياسي من طرف خصوم حكومة “الأحرار” وحتى الخبراء، فقد اعتبرت نائبة الأمين العام للاشتراكي الموحد الدكتورة نبيلة منيب في عدة تصريحات، أن “الدعم الاجتماعي سيؤدي إلى ابتزاز الفئات الهشة وتهديدها بسحبه منها إذا شاركت في أية حركات احتجاجية أو امتنعت عن التصويت في الاستحقاقات الانتخابية.” على حد تعبيرها.

وهو نفس الاتجاه الذي سلكته دراسة حديثة صادرة عن المركز المغربي للأبحاث وتحليل السياسات، معتبرة أن تقديم الدعم الاجتماعي من خلال السجل الاجتماعي الموحد “محاولة لضمان ولاء خزان بشري، ومحاولة للضبط الاجتماعي من خلال تحويله لسيف ضد من تسول له نفسه الاحتجاج خصوص وأن هذه الآلية تتيح للوكالة الوطنية للسجلات مراجعة التنقيط باستمرار، مما يهدد في أي لحظة التشطيب على بعض الأسر أو الأفراد” حسب الخلاصات التي استنتجتها الدراسة.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x