2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

كشف التقرير الأخير الصادر عن المجلس الاعلى للحسابات، بداية شهر مارس الجاري، حول تدقيق حسابات الأحزاب السياسية برسم سنة 2022، عن وجود اختلالات شملت طرق صرف الأحزاب السياسية المغربية أغلبية ومعارضة، لملايين الدراهم من أموال دافعي الضرائب.
وضم تقرير قضاة العدوي 179 صفحة، ذكر أن 19 حزبا (29 حزبا من أصل 34 قدمت حسابتها)، لم تقم بعد بإرجاع مبالغ دعم تناهز 29,21 مليون درهما إلى الخزينة العامة للدولة، وهو ما يجعل التساؤل مشروعا عن الإجراء الذي يجب اتخاذه في حق هذه الاحزاب.
تقارير دون إجراءات
في هذا الصدد، أوضح أستاذ القانون الدستوري والفكر السياسي بجامعة القاضي عياض، عبد الرحم العلام، أن “مسألة تقارير المجلس الأعلى للحسابات، ليس فقط بالنسبة للأحزاب السياسية، بل ترد منه تقارير وتخبر بأن هناك اختلالات، ولكن نجد أن الإجراء الذي نتبع هو لا شيء”.
وأورد العلام، في تصريحه لـ”آشكاين”، أن “هناك عددا من المؤسسات، وليس فقط الأحزاب السياسية، حيث أنه قبل سنة أو أكثر كان هناك تقرير حول مندوبية المقاومة التي يرأسها الكثيري، وكانت هناك ملاحظات عن مؤتمر صرفت عليه أموال ولم تكن معقولة، لكن منذ ذلك الوقت إلى الآن، لا إجراء تم، شأنها شأن بعض المجالس الجماعية أو المؤسسات التي صدر في حقها تقرير مشابه”.

وشدد على أن الاحزاب تطالب بالشفافية لذلك عليها أن تكون قدوة، لكن منذ سنوات والمجلس الأعلى يسجل حولها ملاحظات، وفي المقابل نجد أيضا ردود فعل الاحزاب السياسية، حيث أن المجلس الأعلى للحسابات يقول إن أحزاب لديها اختلالات مالية، لكن هذه الأحزاب يجب أن نطلع على ردود هذه الأحزاب”.
وأكد أن “هناك أحزابا ردت على التقرير الأخير للمجلس الأعلى، ما يعني أنه يجب الاطلاع على التقرير الموالي الذي سيصدر بعد رد هذا الحزب أو ذاك، فإذا كان المجلس الأعلى للحسابات حدث لديه يقين أنه لم يكن هناك اختلال، فيجب عليه إما أن يعدل التقرير أو يصدر تقريرا جديدا، حيث لا يجب أن نخضع دائما للبروبغاندا الأولية لحزب معين صدرت عليه ملاحظات، إذ فور رد هذا الحزب يجب أن يقوم المجلس الأعلى للحسابات بإصدار تقرير جديد أو أن يقوم بتعديل”.
حرمان من الدعم
ولفت الانتباه إلى أن “المجلس الأعلى للحسابات يمكن اعتباره محكمة مالية، ويمكن أن يفعل إجراءات خاصة به”، معتبرا أن “المسألة بسيطة، حيث إن الأحزاب السياسية التي لم تؤدي ما عليها فستحرم من الدعم القادم، أو يتم خصم القيمة التي لم تعدها هذه الاحزاب يتم خصمها من الدعم المقبل إما دفعة واحدة أو يتم تجزيئه على فترات”.
وأضاف أن “هذا الإجراء بيد الدولة، إذا أرادت تفعيل الدور الرقاب للمجلس الأعلى للحسابات فعليها الذهاب في هذا التجاه، إذا لا يمكن أن شخصا لم يعد بعد ما عليه من دين ويتم مده بدعم آخر”، مؤكدا أن “هذا الإجراء المذكور لن يحتاج لا محكمة ولا مفوض قضائي ولا حتى إجراءات التقاضي ولا أي شيء”.
وأكد أنه “إذا كانت هناك إرادة سياسية فسيتم تفعيل تقرير المجلس الأعلى للحسابات بهذه الطريقة السهلة، وستصبح الأحزاب السياسية كلما أرادت الحصول على الدعم مطالبة بترشيد الدعم السابق، وهذا معمول به مع الجمعيات، إذ أن جمعية أرادت التقدم للحصول على الدعم فيتم مطالبتها بصرف المنحة السابقة، وإذا لم تكن هذه الجمعية في حالة قانونية تجاه هذه المنحة فلن يمنح لها الدعم”.
تحايل
ويرى العلام أن “مسألة الدعم للأحزاب السياسية، وفيما بعد يتم تخصيص عشرات الموظفين من أجل تحريك مساطر المراقبة والتقييم وغيرها، يجب مقارنتها مع دول أخرى، حيث أنه في أمريكا مثلا، نجد أن مرشحا للانتخابات الرئاسية من حقه قدر معين من الدعم وله الحق في التصرف فيه كيفما شاء، وفي آخر المطاف هو نفسه من سيدفع الثمن إذا لم يستغل ذلك الدعم بشكل جيد، او إذا أراد المرشح الحزبي تجاوز سقف الدعم المحدد من الدولة، مثلا 90 مليون دولار، فعليه أن يتخلى عن الدعم العمومي ولن يحصل على 90 مليون دولار، وإذا أراد صرف حتى 200 مليار دولار فله ذلك على نفقته الخاصة، وبهذه الطريقة فإن عددا من المرشحين يعلمون أنهم سيتجاوزون ذلك السقف ويتخلون عن الدعم، وهو ما يرشد أموال دافعي الضرائب”.
وأبرز أن “الأحزاب السياسية من المفروض أن تحصل على الدعم بناء على التمثيلية داخل البرلمان، وهنا يطرح إشكالا، هو أن الأحزاب الوليدة والجديدة لا تحصل على الدعم، وإذا حصلت عليه فهو بسيط، بمعنى أن الأحزاب التي لها تمثيلية يمنحها المال وتحافظ على تمثيليتها بذلك الدعم، ما يعني أن الحزب الحاصل على الدعم له أن يتصرف فيه كيف شاء، لكن في نهاية المطاف إذا لم يحصل على عدد مقاعد جيدة لن يحصل على الدعم”.
وأشار إلى أن “الدولة عندما تمنح للأحزاب مجموعة من الموارد يصعب أحيانا تبرير بعض المصروفات، مثلا حزب سياسي لديه أشخاص اعطاهم تعويضات معينة، فكيف يمكن توثيق هذه التعويضات فعليا بأن الحزب أعطاها في توزيع مناشير أو شيء من هذا القبيل، ما يعني أن الأمر صعب، ما عدا إذا تم التوقيع من طرف المستفيدين على وصل استلام، ما يعني أن الحزب حتى وحصل على مليار درهم، فهو لن يعدم إيجاد ألف شخص يوقعون على توصيلات باستلام تعويضات”.
ونبه العلام إلى أن “إجراءات التحايل موجودة، وهذا لا يعني ان الأحزاب الموجود في وضعية قانونية لا يعني انهم لم يلجؤوا لوسائل تحايلية من اجل تبرير الإنفاقات”.
“إجراء جذري وريع”
الإجراء الجذري، حسب العلام هو إيقاف المسلسل المتعلق بالدعم، ليس فقط للأحزاب السياسية، وللجرائد الحزبية وحتى للإعلام الحزبي وغير الحزبي، لأننا نجد اليوم موقعا إلكترونيا لا يتلقى الدعم بينما جريدة تطبع عشر أو 100 نسخة وتتلقى الدعم، بينما مضمون هذه الجريدة لا يمكن أن يشتريه أحد، وتتفاجأ أن الجريدة تصدر وموجودة في الأكشاك، رغم أن مضمونها لا يرقى لأن يشتريه أحد، واستمرارها ناتج لوجود دعم الدولة، وهذا أيضا يدخل في إطار الريع، لأنه حتى لو صرحت هذه الجريدة بسحب ألف نسخة فهل بيعت كلها أو جزء منها، بالتالي لماذا سيستمر دافع الضرائب في دعم جريدة لمتبع منها حتى 50 نسخة” .
وخلص إلى أن “الدعم الحزبي أيضا فيه نوع من الريع، ويجيب أن يتوقف، وعلى الحزب السياسي الذي أراد ولوج الانتخابات أن يعول على مناضليه لتوزيع المنشورات والقيام بالحملة الانتخابية، وسيعدون البرنامج الانتخابي، بالطريقة التقليدية الكلاسيكسية”.
وضرب مثلا بـ”الأحزاب السياسية المعارضة التي كانت لم تكن تستند على دعم ورغم ذلك كانت موجودة، لكن اليوم أصبح الحزب السياسي يؤسّس ويطلب الدعم لتمويل برنامج انتخابي لمكتب الدراسات، وحتى الدراسات العلمية أصبح على الدولة تقديم الدعم للحزب كي يقوم بها”، متسائل “إن كان هذا الحزب لا يتوفر على أساتذة وباحثين ومراكز خاصة به، ما يفهم أنه حتى إذا أراد أن ينجز دراسة من 50 صفحة حول مدونة الأسرة أو الاقتصاد أو غيره، على الدولة أن تمولها له، وهو ما يطرح تساؤلات حول تسمية هذا الحزب لنفسه حزبا”.
إذا كانت تقارير المجلس الأعلى للحسابات لا تُفَعَّل فبم يفيد المواطنين وجود هذا المجلس ؟؟