2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
ماريا شرف.. زوجة معتقل استشهد تحت التعذيب

معتقلات بلا أحكام..، سلسلة سيتم تسليط الضوء من خلالها على الظروف التي عايشتها عائلات المعتقلين في فترة ما سمي بـ “سنوات الرصاص” التي شهدها المغرب، وهي سلسلة تهدف لإبراز فكرة بأن واراء كل معتقل في تلك الفترة امرأة كافحت وضحت، رغم كل الظروف الصعبة، وعايشت تطورات الاعتقال لحظة بلحظة، امرأة توقفت حياتها هي الأخرى طيلة فترة الحكم، كأن سنوات الحكم طالتها هي أيضا مع فارق أنها خارج السجن وليس داخله، وبلا حكم.
وسيتم في هذه الحلقة تسليط الضوء على ما عاشته ماريا شرف، زوجة المعتقل السياسي أمين التهاني الناشط بمنظمة “إلى الامام” السرية،
– كيف تم اعتقال زوجك؟
في منتصف ثمانينات القرن الماضي كانت حملة واسعة من الاختطافات والاعتقالات مسّت مناضلي “إلى الأمام” ومن ضمنهم زوجي أمين التهاني الذي كان إحدى قادتها آنذاك. وأنا كنت فقط زوجته وفِعلا كنت متعاطفة مع الحركة التقدمية وتواجدت في مكان اعتقاله. واعتقالي كان لأنني كنت زوجته.
ففي 27 أكتوبر1985 ألقي عليّ القبض رفقة زوجي، و وضعوننا في “الفاركونيط” وفي الطريق شرعوا في ضرب زوجي أمامي وأخذوني رفقته إلى درب مولاي الشريف.
وبعد يومين سألتهم… وقلت أشعر أن أمين لم يعد في الدرب… فقالوا لي أنه شعر بمغص فنُقِل إلى المستشفى. فقلت مع نفسي من الأحسن له أن يكون بالمستشفى عوض الدرب.
– كيف عرفت بوفاة أمين التهاني؟
أُطلِقَ سراحي بعد أيام، وعندها سأعلم باستشهاد زوجي من جراء التعذيب الذي مورس عليه، ففي الواقع إنهم لم ينقلوه إلى المستشفى إلا بعد فوات الأوان، كما حدث مع الشهيد عبد اللطيف زروال قبله، حتى يُقال أنه مات بالمستشفى وليس بالدرب.
– كيف كان وقع الوفاة عليك؟
كان عمري آنذاك 27 سنة ولي رضيع في سن 8 أشهر وخبر وفاة زوجي نزل عليّ كالصاعقة في ظل جوّ من المحاصرة… المنزل محاصر… المراسلات مراقبة… الزيارات مراقبة… الأصدقاء معتقلين… والباقي منهم امتلكهم الرعب ويخافون الاقتراب منك إلا القلّة القليلة جدّاً.
لكن في عملي شعرت بدفء تضامن أصدقاء العمل بشركة “لاسمير” حيث أعمل كمهندسة في وقت قتل فيه زوجي وتمت محاولة تضييق الخناق عَليّ حتى في لقمة العيش. إذ أن عامل المحمدية آنذاك، تدخل لدي مدير لاسمير عبد الرفيع منجور وأوصى له أن يطردني من العمل لأن زوجي من قادة إلى الأمام. فكان رد المدير حاسماً وجريئاً حيث قال له: تلك السيدة تربطني معها علاقة عمل ومادامت تقوم بوظيفتها فهذا هو المطلوب منها، وإن صدرت منها أخطاء مهنية آنذاك يمكن النظر في القضية.
وضروري في مثل هذه المناسبات الإشادة بمثل هذه المواقف، فآنذاك منعت على نفسي البكاء حتى تفادياً للتأثر على رضيعي، لكن طفلي لم يعرف معنى الأبوة. عندما كان صغيراً يسمع الأطفال يقولون بابا فاعتقد أن كل الرجال اسمهم بابا، وفعلا كان ينادي عليهم ببابا. وعندما بلغ سن الخامسة بدأ يتساءل فيأتي عندي ويسألني وكان عليّ أن أجيبه، قلت له أبوك مات ولم أقو على إخباره بالحقيقة كاملة.
– ما الطرق التي سلكنها مع ابنك لتخبريه بالحقيقة؟
كانت قد اتصلت بي مديرة الروض وقالت لي أن طفلي عنده مشكلة، ففي كل مرّة يقول حاجة عن أبيه، فمن هوّ أبوه وماذا يعمل؟ وبعد أن شرحت لها الأمر قالت سأربط لك اتصال بطبيبة نفسانية ويمكنها أن تنصحك. وهذا ما كان، ونصحتني الطبيبة بضرورة كشف الحقيقة لابني، كان الأمر عسيراً جداً، وبعد تفكير طويل بدأت الحديث معه بنكثة وقلت له، كان 3 جواسيس، أمريكي، ياباني ومغربي… أطلقوهم في الغابة وقالوا لهم عليكم الإتيان بالغزال في أقرب وقت. وبعد ساعات قليلة رجع كل من الأمريكي والياباني بالمطلوب. حل الظلام ولم يظهر للمغربي أثر، وبعد البحث وجدوه وسط الغابة… علق الذئب وأخذ يضربه طول النهار حتى يعترف له أين الغزال…
هكذا شرحت لابني لكي يفهم أن المرء يمكنه أن يُعذب بدون سبب وذلك التعذيب قد يؤدي به إلى الموت. وفي الحقيقة ابني أيمن ضاع في أب خاص.
– هل تعرضت لمضايقات معينة فيما بعد؟
بعد أسبوع من علمي بخبر موت أمين كتبت تقريراً وأرسلته إلى فرنسا ونشرته الجرائد هناك وانكشف الأمر [Le c v d’un militant] وبعد ذلك زاد الضغط وتضاعفت المضايقات.
فعلاً كنت أتعاطف مع الحركة التقدمية ولكن لم يكن لدي أي انتماء سياسي. وكنت مثل العديدين متعاطفين لأن الواقع لم يكن يعجبنا… ثروات ممركزة بين أيدي قلة قليلة… الأمية متفشية… المحاكم تحكم لفائدة أصحاب الأموال والنفوذ… لهذا كنا نتعاطف مع الحركة التقدمية التي تسعى إلى تغيير هذا الواقع المزري.
ولمجرد أنني متعاطفة وزوجة أحد قادة “إلى الأمام” أتحمل كل مخلفات الضغوطات وأنكوي بتضييق الخناق والمحاصرة فهذا أكبر ظلم يمكن أن نتصوره.
منعت من جواز السفر بدون سبب وهذا المنع حرمني من إعادة بناء حياتي واضطررت إلى التخلي عن مشروع زواج. وراسلت الديوان الملكي في الموضوع وتوصلت بجواب مفاده أن طلبي أحيل على وزارة الداخلية للاختصاص.
اتصلت بوزارة الداخلية فكان التملص من طرف جميع المسؤولين الذي قابلتهم. وفي الأخير طلبت مقابلة مع إدريس البصري. وفي الموعد المحدد قال لي مسؤول، إذا أردت جواز السفر عليك التعاون معنا، فكان جوابي: مهنتي مهندسة وكل واحد يقوم بعمله..
تعرضت إلى العديد من الضغوطات إلى حدود سنة 2004، وقد بلغت المساومات إلى حد لقمة العيش، علماً أنني لا انتماء سياسي لي، وإنما لدي مواقف ومبادئ تجعلني لست مستعدة للتعامل مع الذين قتلوا زوجي، هذا كل ما في الأمر،