لماذا وإلى أين ؟

التنمية البشرية … الخروج من المأزق

عبد الرفيع حمضي

صدر في الأيام الأخيرة تقرير التنمية البشرية 2023 ـ 2024، والذي اختار له برنامج الأمم المتحدة الإنمائيPNUD عنوان (صورة التعاون في عالم الاستقطاب… الخروج من المأزق) . وقد حضي هذا التقرير إعلاميا بأهمية خاصة على المستوى الوطني ،لأنه جعل المغرب يقفز من المرتبة 123 عالميا في التقرير السابق إلى مرتبة 120 في التقرير الحالي. وهي بدون شك مرتبة جيدة جعلت بلادنا تكسب ثلاث نقط ،مما سيحسن من موقعها وصورتها على المستوى الدولي. كما أنها تشكل تقديرا وتشجيعا من منظومة الأمم المتحدة على المجهود الوطني المبذول في مجال عناصر التنمية البشرية.

ونظرا لكون بعض المتابعين على المستوى المواقع الاجتماعية لم يجدوا تفسيرا مقنعا لتقدم دول المنطقة على المغرب، رغم ما تعرفه هذه الدول من أحداث وتوترات أحيانا، خاصة إذا علمنا أن ليبيا احتلت مرتبة 92 والجزائر 93 وتونس 101 ومصر 105 لبنان 109، فكان لابد من الرجوع والتأكيد على بعض الثوابت وبعض البديهيات أيضا.

فتقرير التنمية البشرية يعده برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمعروف PNUDكما سبقت الإشارة آنفا ،وقد أقرته واعترفت به رسميا، الجمعية العمومية للأمم المتحدة. واعتبرته (ممارسة فكرية مستقلة وأداة مهمة لزيادة الوعي بالتنمية البشرية في جميع أنحاء العالم).

وأول تقرير تم تقديمه كان سنة 1990 أعده حينها كل من الاقتصاد الباكستاني محبود الحق والهندي الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد أمارتيا سن. وفي هذا التقرير تم التأكيد على أن الإنسان يقع في قلب عملية التنمية وأن الناس هم الثروة الحقيقية للأمة .وبذلك تم دحض أن نمو الدخل القومي يعني التنمية .وبالتالي أصبح الإنسان مركز تحليل كل المقاييس والمؤشرات التنمية البشرية.

وقد عمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي PNUDعلى تعريف التنمية البشرية بأنها (توسيع الخيارات المتاحة أمام الناس ليعيشوا حياة مديدة ملؤها الصحة ويكتسبون المعرفة ويعيشون حياة كريمة).
وعلى ضوء هذا التعريف تم تحديد ثلاثة مؤشرات رئيسية لإعداد التقرير السنوي حول التنمية البشرية وهي:
الصحة ـ التعليم ـ المستوى المعيشي .
وطبعا من حين لآخر كان البرنامج الأممي يضيف بعض العناصر العرضانية كما هو الحال الآن مع مؤشر قياس المساواة بين الجنسين.

ولهذا إذا كان مؤشر المستوى المعيشي رهين بمستوى الدخل الفردي والقومي حيث كلما كانا مرتفعان فغالبا ما ينعكسان على المستوى المعيشي للأفراد مع أثر فوري كما هو الحال بالنسبة للدول النفطية. يبقى أن المؤشرين الآخرين أي الصحة والتعليم .مؤشران صلبان لا يمكن زحزحتهما إلا بناء على استراتيجية طويلة الأمد.فالقضاء على الأمية والهدر المدرسي وضمان جودة التعليم ليس مجهود ولاية حكومية او ولايتين .

فمن هذه الزاوية يمكن مقاربة التقدم الواضح الذي ما زال يسجله التقرير بالنسبة لدولة المنطقة مقارنة مع المغرب، فكل هذه الدول مجهودها في مجال الصحة والتعليم انطلق على الأقل في بداية السبعينات ومع الأسف لم يكن هو الحال بالنسبة لبلادنا حينها لأسباب متداخلة .لكن قفزة المغرب في تقرير هذه السنة من 123 إلى 120 يمكن النظر اليها من زاوية ،أن المجهود الوطني في مجال الصحة والتعليم بالأساس بدأ يعطي نتائجه . حيث عرف منذ سنة 2000 تحولا ورؤية جديدة ووثيرة إنجاز سريعة ،بإطلاق نظام المساعدة الطبية المعروفة بالراميد RAMED أو نظام التأمين الإجباري الأساسي AMO كما أن المنظومة التربوية انطلق مشروع إصلاحها منذ عمل اللجنة الخاصة للتربية والتكوين COSEF إلى الميثاق الوطني للتربية والتكوين.

أما المشروع الملكي الجديد والخاص بالحماية الاجتماعية بكل مكوناته بما فيه من تعميم التغطية الصحية ،وتقديم الدعم المباشر والمتعدد الأوجه ….الخ سيعمل لا محاله على ترسيخ تحسين ترتيب المغرب على المستوى الدولي في السنوات المقبلة ،مع ضمان عدم التراجع إلى الخلف لأنه مشروع هيكلي واستراتيجي ويغير مطلقا مقاربة التدبير ووثيرة الإنجاز.

وبالرجوع إلى تقرير هذه السنة الذي يضم 47 صفحة فقد صنف الدول من 1 إلى 49 باعتبارها ذات مؤشر مرتع جدا، ومن 50 إلى 105 ذات مؤشر مرتفع ومن 106 إلى 143 والتي يقع ضمنها المغرب ذات مؤشر متوسط .أما الدول ذات المؤشر المنخفض فتقع ما بين 144 و188.

ومن أهم ما ورد في هذا التقرير من ملاحظات وخلاصات ،هو كونه تم إعداده في مرحلة تتميز بالحرب. ليس بين الدول أو داخلها، ولكن حربنا جميعا ضد كوكبنا بفعل التلوث المناخي وضد أنفسنا، وضد المستقبل، وأن علماء النفس في العالم يجمعون أن العديد من الأطفال يبلغون عن شعورهم بالقلق وعن تصوراتهم بأنهم يعيشون في عالم لا يأبه بمستقبلهم.كما يشير التقرير إلى أن ٪؜68 من سكان العالم ،يعتقدون أن أصواتهم غير مسموعة من طرف حكومتهم .

وفي نفس الوقت يعتبر التقرير أن العالم يتوفر الآن على محركين أساسيين إذا ما تم استعمالهما بسرعة فالخروج من المأزق ممكن جدا وهما:
أولا: تفعيل التعاون الدولي وثانيا استغلال الثورة الرقمية التي حققت تزايدا مذهلا في تبادل البيانات.

وفي الأخير لا بد من الانتباه جيدا ،إلى أن نفس التقرير ،الذي تقدم فيه المغرب بثلاث نقط في مؤشر التنمية البشرية بشكل عام وانتقل من 123 إلى 120 لكن عندما تم ربط التنمية البشرية المنجزة مع المساواة بين الجنسين وأثرها على النساء والرجال ،فإن بلادنا قد فقدت ستة نقط حيث صنفت في التقرير السابق في المرتبة 104 في حين تراجعت في التقرير الحالي إلى المرتبة 110 .مما يقتضي مجهودا آخر ،علينا القيام به كمجتمع اتجاه المرأة ،التي لازال يحاول البعض الآن الحجر عليها في ظل مشروع اصلاح مدونة الأسرة.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبه

 

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x