لماذا وإلى أين ؟

الاحتجاج كحق والتجاوب معه كمسؤولية

الحاج الزاهد

من ضرورات الحياة في المجتمع التعاون والتشارك بين الأفراد والجماعات من أجل تحقيق عمران متوازن يُمكن من الأمن والرفاهية والكرامة وتحقيق المقاصد العليا التي يبتغيها المجتمع. من البديهي ان الأفراد والجماعات ليس لهم نفس المنطلق والرؤية والمصالح مما يعني عدم التفاهم حول الوسائل وبالتالي تنافر الطرق التي يقترحونها لتحقيق الغايات التي يمكن الاتفاق عليها. فمثلا قد نتفق على تحسين جودة التكوين لكن قد نتعارض على كيفية تحقيق ذلك. من أسباب الاختلاف كذلك تعارض أدوار مختلف الأطراف في المجتمع فالنقابة العمالية تدافع عن مصالح العمال ونقابة الرأسماليين تدافع عن مصالح أرباب الأعمال. من جهة أخرى تدافع الحكومة عن مشاريع قوانين تقدمها كنتيجة لإلتزاماتها والمعارضة قد ترفضها.

يمكن المجتمع الحي والنابض بالحياة الأفراد والجماعات من القدرة على المشاركة وإبداء الرأي. أكثر من ذلك فإن المجتمعات تمنح الأفراد الحق في التنظيم من أجل الاحتجاج والمطالبة بالحقوق وموازنة سيطرة وتحكم الحكومة أو أي طرف على المنظومة المؤسسية.  الهدف هو ضمان الحقوق وتحقيق شروط مجتمع حي ومفتوح دون سيطرة أو سطوة أو احتكار أي طرف. من أدوات الاحتجاج السلمي العرائض والوقفات والمسيرات والإضرابات والمقاطعات وغيرها من الأدوات التي يبتكرها الناس لإسماع صوتهم وقول كفى.

إن وجود الاحتجاج السلمي يعني أن المجتمع معافى وبأنه أوجد قوى لم يتم تدجينها. قدرة أي فئة على أن تنظم نفسها وتطلب الحوار من جهات مسؤولة هو ما يمكن من بزوغ قادة يتمكنون من مهارات ناعمة تتعلق بالتنسيق والعمل الجماعي والقيادة وتركيب المطالب والقدرة على التفاوض وغيرها. إن هذا يفترض أن نشجع كل الأدوات التي تمكن الطلبة خصوصا من التنسيق فيما بينهم وتكوين جسور للنقاش مع المسؤولين. ثمرة ذلك هو قادة جدد يتحملون المسؤولية ويقومون بتسهيل اشتغال المجتمع عبر آليات المناقشة العابرة للمؤسسات. ليس الرأسمال الرمزي أو اللامادي إلا انعكاس لقدرات المجتمع للتعبير عن نفسهبكل سلاسة وكفاءة  فرادى وجماعات.

تنطلق هذه المقاربة من الاقتناع أن الحوار والمناقشة والمرافعة والتواصل الجاد والبناء هم الأدوات الوحيدة القمينة بإيجاد حلول متوافق عليها بين الأطراف المكونة للأمة. طبعا لا نستبعد وجود أطراف داخل الدولة أو المؤسسات الأخرى للأمة التي قد تستغل الحق في الاحتجاج لعرقلة التغيير. يبقى النقاش العام ووجود مجتمع حي يراقب، وقادة ناضجين من الضمانات في مواجهة النتائج السلبية الثانوية للحق في الاحتجاج.

في هذا الإطار يجب أن ننظر لاحتجاجات طلبة الطب والصيدلة وطب الأسنان في المغرب. أن يستطيع الطلبة تنظيم أنفسهم عبر تنسيقيات ومكاتب وتنظيم جموع عامة والتصويت على مطالب بشكل متوافق عليه وصياغتها بشكل واضح ومحاولة إيصالها للمسؤولين، يعنى أن المغرب لديه شباب واع ومنخرط في نقاشات فوق فردية.  إن الرأسمال الاجتماعي للمغاربة يزداد في هذه الحالة. مواجهة هذا المد بالتخوين والتهديد والتوقيف والتأديب والترهيب ينم عن شيء واحد هو عدم القدرة على التواصل وعن ابتكار الحلول وعن الاستماع والحوار بشكل مفتوح من أجل الاقناع خصوصا من طرف الحكومة التي يجب أن تكون لها القدرة على الاستيعاب وعلى الاحتفاظ بالذخر الاستراتيجي للمغرب الثي يتمثل في كل شبابه الحي و الطموح والذي يشهد له بالنبوغ.

إن تموجات الأحداث التي تشكل العقل الجمعي للأفراد وأمزجتهم تتأثر بكيفيات معالجة المشاكل الكبرى مما ينحت مسارات الأفراد ومواقفهم. أخشى أن عقلية العصا ليس فقط غير ذات جدوى ولكن أن تضيع على المغرب بناء التوحد الاستراتيجي لمواجهة المخاطر المقبلة في عالم متشابك فاقد للبوصلة يتسابق لجذب العقول والشباب. من هنا يجب أن يكون المهم هو تقوية مغرب حاضن لأبنائه مما يخلق لديهم الحافز على العطاء وعلى المشاركة وعلى عدم الإحساس بالغبن. في تعاملي مع الشباب من مختلف الفآت أشعر بمدى إحساسهم بعدم تقديرهم من طرف ذوي السلطة وبمدى عدم قبولهم لعقلية الوصاية التي يحسونها من جهة المسؤولين.

من ناحية هندسة حل متوافق عليه في الحالة الراهنة بين تنسيقة طلبة الطب ووزارة التعليم العالي، فإنني أرى أن ذلك ممكن وواجب. يكفي أن تبنى جسور الثقة وتترك لغة التخوين ونضع نصب أعيننا حزمة متكاملة من الإجراءات التي تتهيكل ضمن رؤية كاملة حول مسار التكوين الطبي والصيدلي في المغرب. باعتبار قربي من هذا الملف في الأسابيع السابقة واستماعي لأساتذة الطب والأطباء والطلبة يكفي حسن النية والانفتاح والقدرة على الحوار بين الأطراف من أجل هندسة حل جيد ومتين ومرضي لكل الأطراف.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها حصرا.

*جامعة محمد الخامس مارس 2024

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x