لماذا وإلى أين ؟

فقدان نصف المغاربة الثقة في الإعلام يسائل جدوى مليارات الدعم

كشف تقرير معهد رويترز للصحافة حول الأخبار الرقمية لسنة 2024 واقع الثقة التي تحوزها وسائل الإعلام بالمغرب من طرف القراء، مصنفا المغرب المغاربة ضمن أقل الشعوب ثقة في الإعلام.

وحسب التقرير الصادر قبل أيام،  فإن الثقة العامة في مصادر الأخبار بالمغرب منخفضة إلى 31 بالمائة، ما يجعل المغرب في المرتبة الـ38 من بين 47 دولة شملها الاستطلاع.

وأرجع التقرير أسباب عدم ثقة المغاربة في الإعلام وفق تصريحاتهم في استطلاع رويترز إلى ضعف الاستقلالية، وتجنب الخوض في المواضيع الحساسة، وعكس جل المواد الإخبارية في الغالب لآراء الحكومة ووجهات نظرها مع تغييب وجهة نظر المعارضة.

وطرح مسألة عدم ضعف الثقة في الاعلام الرقمي، الكثير من النقاش والجدل داخل المشهد الإعلامي المغربي وداخل أوساط المتتبعين والمهتمين بهذا المشهد، متسائلين حول الأسباب الحقيقية لتدني ثقة المغاربة في مواقعهم الإعلامية، في حين تساءل البعض الآخر عن غايات ملايير الدعم الإعلامي المقدم لمقاولات إعلامية إن لم يكن تقوية هذه المنابر وتعزيز ثقة المغاربة في محتوياتها حتى تساهم في محاصرة الفوضى التي خلقتها صفحات التواصل بهذا الخصوص؟

غياب الاستقلالية وتزييف الحقيقة سبب تدني منسوب الثقة

مصطفى اللويزي، الأستاذ الباحث في قضايا الإعلام والتواصل بجامعة محمد بن عبد الله بفاس، اعتبر أن “ما كشف عنه التقرير من نسبة ثقة متدنية متوقع جدا وتعكس الواقع، والتقرير بمناهجه الصارمة أضفى فقط الصبغة العلمية على هذه الواقع المعروف”.

واعتبر اللويزي في تصريح لجريدة “آشكاين” الإخبارية أن “التحدث عن تدني الثقة في الإعلام المغربي، يستدعي قبل كل شيء الإشارة للمشروعية الكبيرة جدا التي كان يحظى بها خاصة في فترة الستينات والسبعينات والثمانينات مع بروز الإعلام الحزبي الوطني كجريدة العلم وجريدة الاتحاد الاشتراكي وجريدة البيان والمحرر، إذ كانت الجرائد تحظى بثقة كبيرة وفائقة لدى الرأي العام، وحتى الجزء غير المتفق مع خطها التحريري يثق فيما تنشره ويتابعها بشكل كبير جدا وباحترام”.

ذات الخبير في قضايا الإعلام يرى أن “مسألة عدم الثقة البارزة الآن للعيان ليست مسألة ثابتة وتاريخية، وإنما هناك عوامل أدت لهذا التدني وهو ما يجب الخوض فيه، فمنذ بداية القرن الحالي والثقة في وسائل الاعلام تهتز، خصوصا في الوقت الذي بدأت فيه رؤوس الأموال تلتهم القطاع الإعلامي وهذا شيء عالمي ينطبق على المغرب أيضا، لدرجة تحولت معها الجرائد الوطنية من جرائد لسان حال أحزاب سياسية معروفة وواضحة، إلى مواقع لسان حال جهات داخل الدولة غير معروفة ومهمتها التمجيد للمؤيدين والتخوين والتشهير بالباقي”.

وشدد ذات المُتحدث على أن “دخول الرأسمال للمشهد أحدث ارتباطات بطريقة أو بأخرى بين الخط التحريري لمنبر إعلامي ما وبين جهات معينة داخل الدولة، ما جعل البعض وليس كل المنابر الإعلامية تتغاضى عن التطرق لبعض الأحداث السياسية او الاجتماعية، وحتى إن تطرقت لها فيكون ذلك بطريقة غير موضوعية إطلاقا وممنهجة بدل إعطاء الخبر كما هو ثم إضافة التعليق الحر كيف ما كان، ما جعل المواطن يفقد الثقة فيها، ويمكن الإشارة في هذا الصدد إلى طريقة تعاطي بعض المنابر الرقمية مع حراك الريف أو مع المقاطعة الاقتصادية سواء من حيث طريقة تزييف الحقاق أو مهاجمة الناشطين بطريقة لا أخلاقية، والتي كانت سببا للاهتزاز الكبير في منسوب الثقة”.

نسبة الثقة في الاعلام تعززت والدعم مكسب مهم للمشهد الإعلامي

من جهته أكد محمد الوافي الكاتب الوطني للجامعة الوطنية للصحافة والإعلام والاتصال، أن “دراسة معهد “رويترز” للصحافة مهمة جدا وهي تعطي الاهتمام أولا للقارئ ثم لوكالات الإشهار، ورغم الاتفاق من عدمه حول ما جاء به التقرير من خلاصات حول المغرب، تبقى مادة أساسية للرأي العام، ودراسة قيمية لا يمكن لها إلا دفع الحقل الإعلامي بمكوناته المختلفة نحو الأمام، كما أنها زعزعت بعض المعتقدات والمسلمات التي كانت تنتاب الإعلاميين والمهنيين والرأي العام، وطرحت أسئلة من قبيل: أليست الان اللحظة المناسبة لإعادة التفكير في بعض المنطلقات وبعض المسلمات”،

وأشار ذات النقابي إلى أن “نسبة 31 في المئة من الثقة  ليست بالهينة كما يُقال، وهي تعكس التطور الإعلام الرقمي، إذ في وقت قريب جدا لم يكن هناك أي اهتمام بهذا النوع من الإعلام”.

وحول مساءلة جدوى الدعم العمومي في ظل النسب الضئيلة لثقة المغاربة في الإعلام، يرى الوافي أن “الدعم العمومي مكسب مهم للصحافة الالكترونية والصحافة المكتوبة والاعلام العمومي ككل، فلولا الدعم العمومي للإعلام والمسرح والفن لكان المشهد الاعلامي والثقافي المغربي مغاير تماما بشكل سلبي لما هو عليه الآن، والدليل على ذلك المجهودات التي قامت به الحكومة في دعم الأجور الإعلاميين أثناء أزمة كوفيد 19، والذي لا زال مستمرا”.

وأضاف ذات القيادي النقابي بالقطاع الإعلامي للاتحاد المغربي للشغل ”الملاحظات المثارة حول الدعم العمومي، يجب أن تنصب حول تدعيم الأهداف الأساسية منه، وبالتالي إصلاح بعض أعطابه الموجودة، وتطويره في اتجاه الأفضل، وليس انتقاد الدعم في حد ذاته، حيث الدعم العمومي يجب أن يتوجه نحو تعزيز التعددية والانفتاح على المبادرات الشابة، وفي هذا الاطار يلاحظ دعوات البعض المنصبة حول الغاء المواقع الصغيرة وهي دعوات خاطئة وغير واضح خلفياتها”.

وشدد الوافي على أن ” المشهد الإعلامي يعرف عدة مشاكل وعراقيل وصعوبات جمة، والجامعة الوطنية للإعلام تدعو لاستمرار الدعم العمومي وتكثيفه ليس كدعم للريع والاتكالية، وإنما كدعم للتعددية والديمقراطية والمبادرات الإعلامية الشبابية خاصة عند سنوات الانطلاق الأولى، ففي الغرب يُدعم الصغير والضعيف ماليا وتكوينا وتأطيريا وليس المقاولات الكبيرة التي فرضت نفسها في السوق سلفا، على أن ينتج عن الدعم العمومي حق كل التيارات الفكرية والثقافية والفنية والرياضية في التعبير وللجمهور الواسع حتى يكون قد حقق بشكل فعلي الأهداف التي جاء من أجلها”.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

2 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
احمد
المعلق(ة)
26 يونيو 2024 13:52

إعلامنا لازال متخلفا ولا يساير الدينامية الاقتصادية ولا يعكس النقاش العومي السائد والذي تحرفه قنوات التواصل الاجتماعي عن مساره الصحيح بالترويج للدعاية والكذب الذي اصبح يؤطر سلوك المواطن، إعلام لا يقدم حتى الرؤيا الرسمية للدولة بشكل شفاف وصريح. اعلام تسيطر عليه البروباغندة التي تفقد المؤسسات مصداقيتها وترفع منسوب انعادم الثقة عند المواطن.

ابو زيد
المعلق(ة)
25 يونيو 2024 19:48

اتحدى ذات الاعلام ان بخرج على المباشر و ينقل من وسط كل مدينة مغربية راي الناس فيه دون قطع البث!!

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

2
0
أضف تعليقكx
()
x