2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
معتضد يكشف مستقبل العلاقات المغربية التونسية بعد “بوادر الإنفراج” وتأثيرها على ملف الصحراء (حوار)

استمرت القطيعة الدبلوماسية بين المملكة المغربية والجمهورية التونسية لسنتين، عقب استقبال الرئيس التونسي؛ قيس سعيد، زعيم جبهة “البوليساريو”؛ إبراهيم غالي، بمناسبة انعقاد قمة “تيكاد”، وهو ما اعتبره المغرب حينها “عملا خطيرا وغير مسبوق”، ليستدعي سفيره للتشاور؛ قبل أن تقدم تونس على نفس الخطوة في اليوم الموالي.
في الأسابيع والأشهر الأخيرة ظهرت بوادر توحي بأن هناك انفراج مرتقب و”تطبيع” العلاقات بين البلدين المغاربيين، بداية بلقاء وزير خاريجة تونس السابق مع رئيس الحكومة المغربية في باريس، قبل أن يتم اتصال هاتفي بين وزير خارجية المغرب والوزير المعين حديثا بتونيس لقيادة وزارة الخارجية.
هذه الأحداث يمكن أن تظهر للبعض تحركات وبوادر على انفراج الأزمة الدبلوماسية بين المغرب وتونس؛ في يمكن أن يعتبرها البعض الآخر مجرد “مجاملة سياسية”. ولمناقشة هذا الموضوع، تستضيف الصحيفة الرقمية “آشكاين”؛ الخبير في الشؤون السياسية والإستراتيجية؛ هشام معتضد، في فقرة ضيف السبت لهذا الأسبوع.
وفي ما يلي نص الحوار:
مرت سنتين على قطيعة المغرب وتونس دبلوماسيا؛ لماذا في نظرك استمر الوضع لهذه المدة؟ ومن يتحمل المسؤولية؟
استمرار القطيعة الدبلوماسية بين المغرب وتونس لمدة سنتين يعود بشكل كبير إلى الحركية السياسية الهشة وغير الثابتة داخليا، بالإضافة إلى الضغوط الخارجية التي أثرت على القرار السياسي التونسي وأضعفت من قدرته على اتخاذ مواقف مستقلة وواضحة. تونس وجدت نفسها في موقع حساس جراء تدخلات بعض الفاعلين و القوى الإقليمية والدولية التي سعت إلى استغلال الظروف لتحقيق مصالحها الخاصة، مما أدى إلى زعزعة استقرار السياسة الخارجية التونسية وجعلها تتبنى مواقف ضبابية وغير متسقة تجاه قضايا حيوية، بما في ذلك علاقاتها مع المغرب.
في هذا السياق، يتحمل الجانب التونسي المسؤولية الأكبر عن استمرار هذه القطيعة، نظراً لعدم قدرته على ضبط بوصلته السياسية داخليًا ومقاومة الضغوط الخارجية واعتماد سياسة مستقلة تنسجم مع مصالحه الوطنية والعلاقات التاريخية مع المغرب. في المقابل، أظهرت الرباط حكمة كبيرة في التعامل مع الوضع، حيث التزمت بمبادئها الثابتة ورفضت الانجرار وراء أي تصعيد قد يؤدي إلى تعميق الأزمة. المغرب، بنضجه السياسي والدبلوماسي، حافظ على موقف متزن ومبني على احترام سيادته ومصالحه الوطنية.
هذا التوازن في الموقف المغربي أظهر قدرة الرباط على إدارة الأزمات بروح المسؤولية والحنكة، دون أن تتأثر بتقلبات المواقف الخارجية أو تدخلات القوى الإقليمية. بينما سعت تونس لتحقيق مصالح قصيرة الأمد تحت تأثير تلك القوى، تمسك المغرب بنهجه الاستراتيجي طويل الأمد، مما يعكس نضجاً دبلوماسياً ووضوحاً في الرؤية السياسية.
طيب، وزير خارجية تونس السابق إلتقى رئيس الحكومة المغربية وبوريطة تواصل مع وزير خارجية تونس الجديد، فهل هي بوادر انفراج؟
اللقاءات الأخيرة بين المسؤولين المغاربة والتونسيين تشير إلى إمكانية وجود بوادر انفراج في الأزمة الدبلوماسية، لكن هذه المبادرات تحتاج إلى اختبار جدي قبل الحكم عليها. اللقاء بين وزير خارجية تونس السابق ورئيس الحكومة المغربية، والتواصل المستجد بين وزير الخارجية المغربي ووزير الخارجية التونسي الجديد، قد يكون بداية لإعادة بناء الثقة بين الطرفين، لكنه أيضاً يعكس استعداد المغرب للتعامل مع الوضع بتعقل ومرونة، دون التفريط في مبادئه.
من جهة المغرب، يظهر هذا التواصل استعداداً لإعادة العلاقات إلى مسارها الطبيعي، لكن ذلك مرهون بقدرة تونس على التحرر من الضغوط الخارجية التي تسببت في ضبابية مواقفها سابقاً. المغرب يدرك أن إعادة بناء العلاقات تتطلب شريكاً مستقلاً وقادراً على اتخاذ قراراته بشكل سيادي، وهو ما لم يكن متاحاً لتونس في الفترة الماضية نتيجة لتأثير بعض الفاعلين الإقليميين و القوى الخارجية على سياستها.
المغرب، بحنكته السياسية، يفتح المجال للحوار لكنه يظل حذراً، منتظراً خطوات فعلية من الجانب التونسي تثبت جديته في تجاوز هذه المرحلة. إذا استطاعت تونس أن تتبنى سياسة خارجية أكثر وضوحاً واستقلالية، فقد نشهد بالفعل انفراجاً في العلاقات. أما إذا استمرت في نفس النهج المتأثر بالضغوط الخارجية، فإن أي تقدم قد يكون مؤقتاً وغير مستدام. المغرب بأسلوبه الدبلوماسي و مقارباته لتدبير خطوط سياسته الخارجية، سيواصل بكل تأكيد مراقبة الوضع عن كثب، مع الحفاظ على استعداده للتعاون إذا توفرت الظروف الملائمة.
وهل يمكن لهذا الوضع أن يؤثر على ملف قضية الصحراء أم أن موقف تونس يبقى غير ذي أهمية؟
فيما يتعلق بملف الصحراء المغربية، من الواضح أن موقف تونس، رغم تأثيره الجد محدود محلياً، يبقى غير ذي أهمية في تغيير الواقع السياسي والدبلوماسي الراسخ لهذا الملف. المغرب نجح على مدار عقود في بناء إجماع دولي واسع حول شرعية حقوقه في الصحراء، وهو إجماع يتعزز مع مرور الوقت بفضل الدبلوماسية النشطة والحكيمة التي تنتهجها الرباط. الموقف التونسي، الذي قد يكون متأثراً بضغوط خارجية أو سياسات داخلية غير مستقرة، لا يمكن أن يغير من هذه الحقائق الراسخة أو من المواقف الدولية الداعمة للمغرب.
المغرب يدرك جيداً أن ملف الصحراء يدار على مستوى دولي عالي ويعتمد على معايير واضحة واستراتيجيات طويلة الأمد، وليس على مواقف ظرفية لدول معينة. حتى لو اتخذت تونس موقفاً غير مؤيد للمغرب في هذا الملف، فإن تأثيره سيكون محدوداً، لأن القضايا الكبرى كالسيادة الوطنية لا تتأثر بمواقف غير مستقرة أو متذبذبة. الرباط، بحكمتها وحنكتها الدبلوماسية، تواصل تعزيز علاقاتها مع القوى الكبرى والمؤسسات الدولية، مما يجعل أي محاولة للتأثير على هذا الملف من قبل أطراف محدودة الأهمية غير فعالة.
القيادة في الرباط تواصل نهجها الدبلوماسي التقليدي تماشيا و مبادئها التاريخية و إنسجاما مع القيم السياسية لتاريخ المغرب في الدفاع عن وحدته الترابية من خلال تعزيز الدعم الدولي وتحقيق المكاسب الاستراتيجية في جميع أنحاء العالم. موقف تونس، سواء كان داعماً أو معارضاً، لن يغير من الحقائق على الأرض، ولن يؤثر على المسار المستقر والداعم الذي يسير فيه المغرب في ملف الصحراء. الرباط بتجربتها السياسية و تاريخ تدبيرها لهذا النزاع الإقليمي تدرك أن هذا الملف يتجاوز قدرات التأثير الفردي لدول معينة، وتركز جهودها على الشركاء الدوليين الحقيقيين الذين يعترفون بشرعية حقوقها.