2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
عصيد وحمودي يرصدان عوامل بروز صدامات بسبب عبارات أمازيغية

في ظرف وجيز، خلقت عبارة ”الشلح” أو ”الشليح”، ضجة واسعة، عبر واقعتين منفصلتين، الأولى حين أقدمت 15 من الفعاليات ورؤساء تنظيمات جمعوية أمازيغية بوضع شكاية ضد مؤثر مشهور بسبب عبارة اعتبرت مسيئة للأمازيغ، تتحفظ “آشكاين” عن ذكرها، وبعده بأيام قليلة فقط، اندلعت، خلال الأسبوع الجاري، مواجهات عنيفة بين أنصار فريقين من تزنيت وهوارة، بسبب هتافات اعتبرت عنصرية في حق فئة من الأمازيغ، دفع عناصر الأمن إلى التدخل وتوقيف ما يقرب من 21 شخصا.
ويطرح ما وقع علامات استفهام حول ما إذا كان الأمر يتعلق بظاهرة اجتماعية مغلفة بالعنصرية والتمييز، أم أنها مجرد سلوكيات معزولة لا تعكس التعايش تحت شعار ”كلنا مغاربة”، الذي يطبع المجتمع المغربي بكل مكوناته، بغض النظر عن العرق أو اللون أو الهوية.
عصيد: سلوكات لم نحسن تدبيرها في الوقت المناسب
في حديثه لجريدة ”أشكاين” عن هذا الموضوع، يرى الكاتب والناشط الحقوقي، أحمد عصيد، أن ما يحدث من سلوكات ”تتعمد التمييز والوصم والتعبير عن المواقف العنصرية”، ضد الأمازيغية هو نتيجة عدة عوامل لم ”نحسن تدبيرها في الوقت المناسب”.

وتتمثل أول هذه العوامل، وفق عصيد، في انفجار بالمجال الرقمي وشبكات التواصل الاجتماعي، حيث أصبح للجميع حق التعبير دون قيود ولا ضوابط، مع غياب التأطير للكثير من المواطنين الذين وجدوا أنفسهم أحرارا دون أن يكون لديهم تكوين يؤهلهم للتعبير الحر والسليم بدون إساءة لأحد، مما جعل هذه التقنيات الجديدة تعكس كل الخصائص السلبية لمجتمعنا مثل الأمية والجهل والعنف والتمييز وعدم احترام الآخر والخلط بين الحرية والفوضى.
أما العامل الثاني، بحسب المتحدث دائما، يكمن في ما وصفه ”مشكل الفراغ والضياع الشبابي”، بسبب انعدام فضاءات لتفريغ الطاقات وتحريرها بشكل يسمح بتنمية مواهب الشباب وتأطيرهم في أفق إكسابهم الشعور الوطني والوعي المواطن الضروري لكي يسهموا في تنمية بلدهم، مبرزا أن هذا الفراغ أدى إلى تحول فضاءات الرياضة مثلا كالملاعب إلى فرص لتفريغ كل الطاقة الشبابية بشكل سلبي عبر العنف اللفظي والمادي.
وكعامل ثالث، يسترسل الناشط عينه، ما قاله عنه إقرار الأمازيغية دستوريا ومؤسساتيا دون تحسيس المواطنين بقيمة هذه الخطوة باعتبارها موجهة لهم جميعا بدون استثناء، إلى جانب الاكتشافات الأركيولوجية التي أكدت عراقة وجود الإنسان على أرض المغرب وحطمت أساطير الأصل اليمني والكنعاني، كل هذا أدى إلى تصاعد نقاش متوتر ورديء يعكس نوعا من النقمة ضد من يعتبرون وحدهم أمازيغ ناطقين، مع العلم أن جميع المغاربة لهم انتماء إلى الأمازيغية بحكم الأرض والجغرافيا واللغة والتقاليد والعادات.
وأوضح عصيد أن الذين ”شتموا” جمهور تزنيت وسموهم “شلوح” هم أيضا من “هوارة” أي من أمازيغ سوس، لكنهم إما ”يجهلون أو يتجاهلون”.
وزاد: ”في رأيي إذا لم نقم بثورة ثقافية لتحسيس المغاربة بقيمة ممتلكاتهم الرمزية المشتركة، ولم نتجاوز بشكل قطعي سلبيات السياسة الرسمية السابقة التي مارست التمييز ضد الأمازيغية ورسختها في أذهان المغاربة لمدة 45 سنة، فسنظل نشاهد مثل هذه الوقائع المحزنة”.
وأكد عصيد أن الدولة خاطبت الشعب المغربي لمدة نصف قرن على أنه شعب “عربي مسلم”، وعندما ترسخت فكرة ”احتقار كل ما هو أمازيغي”، عادت لتصحيح سياستها، لكن بدون تأطير للشعب حتى يفهم قيمة هذا التصحيح، فتجد أحيانا مواطنين ناطقين بالأمازيغية هم أنفسهم يحتقرون لغتهم وثقافتهم، وهذا كله بتأثير من السياسات السابقة، التي تم تصحيحها دون تغيير العقليات والسلوكات.
حمودي: هويات متطاحنة تحركها أياد صهيونية
الأنثروبولوجي المغربي عبد الله حمودي، شدد على أن العنف من هذا النوع، صار ظاهرة تغزو ليس فقط الملاعب المغربية، بل نراها أيضا في أوروبا، وخير دليل ما وقع مؤخرا من مواجهات في أمستردام على أساس عرقي أو ديني (يهود/ مسملين؛ إسرائليين/ عرب).
وشدد حمودي، متحدثا لجريدة ”آشكاين”، على أن هذه الظاهرة صارت قنبلة خطيرة، جراء ما يقع من حروب والإبادة التي تقوم بها إسرائيل في غزة.

وفي حالة المغرب، وفق أبرز علماء الأنثروبولوجيا المغاربة، أضحت هذه الظاهرة المقلقة ”تتكاثر”، ولا تقتصر فقط على الملاعب، بل تمتد إلى مجالات أخرى، معبرا عن أسفه لما يجري ”لأن المغربيات والمغاربة كانوا يعرفون كيف يتعايشون بعضهم البعض”، موضحا أن الوضع بات يتطلب طرح أسئلة حول أسباب ”بروز التفرقة”.
وأوضح حمودي، في نفس السياق، أن ”التعايش والاختلاط”، هي السمات السائدة، قديما وإلى وقت قريب داخل المجتمع، وفي علاقتهم مع الأمازيغ، بمن فيهم من يتحدثون الدارجة، مبرزا في نفس السياق أن هناك من هؤلاء المغاربة من يتكلمون لغة ”مختلطة”، عبارة عن مزيج من الأمازيغية والعربية، مؤكدا أنه عاين ذلك في منطقة ماسة.
وأرجع حمودي تحول هذه السلوكيات إلى ظاهرة، سواء عبر العنف اللفظي أو الجسدي، لعوامل عديدة، ذكر منها الفوارق الاجتماعية، وعوامل سياسية، إلى جانب التطبيع مع إسرائيل…، مشيرا إلى أن من يصفها بـ ”الأوساط الصهيونية”، صارت تلعب فيها دورا كبيرا.
واسترسل ذات الانثربولوجي أن كلمة ”شلح” كانت منتشرة منذ عهد بعيد، ويطلقها بعض سكان المدن على زوارهم من قاطني القرى، كما كان ”الشلوح” بدورهم يقولون ”عريبان أو أعراب”، وأعطى نموذجا لذلك بسكان جبال الأطلس حيث يهتفون ”ها أعراب هاهو جا أش جيتي دير هنا” كلما أتى شخص من المدينة عندهم. لكن، وفق حمودي، هناك دائما ”حكماء أمازيغ” من يوبخ قائل هذا الكلام.
وأوضح حمودي أن الظاهرة تدخل في ما أسماه بـ ”الهويات المتطاحنة”، وكانت منتشرة حتى بين اليهود المغاربة والمسلمين، وما يرافقها من نعوت قدحية وكلمات نابية مثل ”لكويمين”، لكن هذه السلوكيات، بحسب ذات الانثربولوجي، لا تتعدى فضاءات محددة مثل الكنيسة أو المسجد، وتنتفي تماما في الشارع وفي الأماكن العمومية الأخرى، تجنبا لـ ”إثارة الفتن”.