2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
شهدت مدينة طنجة جريمة مروّعة، انكشفت خيوطها قبل أشهر، وهزت الرأي العام وأثارت جدلاً واسعًا حول أبعادها. بدأت القصة منذ ست سنوات حين اختفى رب الأسرة بشكل غامض. حينها، ادعت عائلته أنه سافر كما عادته لزيارة الأضرحة والزوايا. قبل اكتشاف الجريمة صدفة، في يونيو الماضي، أثناء تحقيق أمني مرتبط بترويج المخدرات.
في منزل بحي طنجة البالية، تم العثور على جثة رب الأسرة داخل جدار إسمنتي، مكبلة اليدين وفي حالة تحلل شبه كامل. تحقيقات الشرطة التي انطلقت بعد توقيف زوجته وأبنائه الأربعة للاشتباه بتورطهم في قضايا المخدرات، كشفت عن شكوك حول اختفاء الرجل. التحقيقات الدقيقة قادت المحققين إلى اعتراف الزوجة بوجود الجثة داخل الجدار، لتنكشف تفاصيل جريمة بشعة ظلّت طي الكتمان لسنوات.
تفاصيل الجريمة: بين الشعوذة والتعذيب والقتل
خلال جلسات المحاكمة، اعترف المتهم الرئيسي، الابن البكر “محمد .أ”، بدفن والده داخل منزلهم في طنجة البالية خوفا من اكتشاف تقديم أقراص مخدرة له، بعد وفاته، متراجعا عن تصريحات ادلى بها للشرطة عن احتجازه داخل غرفة في منزلهم بحي الزاودية.
بعد الوفاة، لف الابن جثة والده في “زربية”، وأقام عليها صلاة الجنازة قبل أن ينقلها إلى شقة خاله في حي طنجة البالية ويدفنها داخل الجدار.
من جهتها، نفت الزوجة “فاطمة.ت” مشاركتها في القتل، مدعيةً أن زوجها كان دائم الغياب، بينما أشار الابن الآخر “بلال .أ”، الذي كان يقضي عقوبة سجنية وقت وقوع الجريمة، إلى أنه علم باختفاء والده بعد خروجه من السجن، وأن الأسرة أخبرته أن الأب في رحلة.
أما الابنة “دعاء .أ”، فأكدت أنها كانت قاصرًا حينها، لكنها أقرت في محاضر الشرطة أن شقيقها اعتدى على الأب أثناء احتجازه، ما أدى إلى وفاته.
التحقيقات: المخدرات تكشف المستور
في البداية، ظهرت القضية كملف يتعلق بصناعة أقراص الاسكتازي وترويج المخدرات والمؤثرات العقلية، حيث تم توقيف الأسرة بحوزتها كميات كبيرة من الحبوب المخدرة. لكن التحقيقات كشفت عن جريمة أكثر خطورة، بعد ملاحظة تناقضات في أقوال الأسرة حول مكان وجود الأب.
الأدلة الجنائية، إضافة إلى شهادات المتهمين، قادت المحققين إلى اكتشاف الجثة. التحقيق أثبت أن الأسرة استغلت غياب رب المنزل لتورط نفسها في تجارة المخدرات، في حين حاولت التستر على جريمتها عبر دفن الجثة وإخفاء معالمها.
الأحكام القضائية: عدالة تنتصر
بعد جلسات محاكمة دامت لأشهر، أصدرت غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف في طنجة أحكامًا بالسجن وصلت إلى المؤبد و77 سنة موزعة بين المتهمين.
حيث حُكم على الأم “فاطمة ت.” بالسجن 25 سنة نافذ، الابن الأكبر “محمد.أ” حُكم عليه بالمؤبد، بينما نال شقيقاه “بلال.أ” و”مريم.أ” عقوبة 20 سنة لكل منهما، الابنان الآخران “دعاء.أ” و”حمزة.أ” حُكم عليهما بالسجن ثلاث سنوات نافذة. كما صدر حكم بالسجن ست سنوات ضد أحد المتهمين الإضافيين بتهمة الاتجار في المخدرات.
أبعاد القضية: نموذج لتداخل الجرائم
اعتبر قاضي الجلسة أن القضية تعكس نموذجًا خطيرًا لتداخل الجرائم بين التعذيب، القتل، والتورط في تجارة المخدرات. وأكد أن المحكمة حرصت على تعميق التحقيقات للوصول إلى الحقيقة وضمان تحقيق العدالة.
من جهته، التمس ممثل النيابة العامة أقصى العقوبات بحق المتهمين، مع عدم منحهم أي ظروف تخفيف نظرًا لبشاعة الجريمة.
تظل هذه القضية درسًا مؤلمًا يسلط الضوء على التحديات الاجتماعية والأخلاقية التي تواجه المجتمع، ويبرز الحاجة إلى تعزيز دور العدالة والمؤسسات الأمنية في التصدي لمثل هذه الجرائم البشعة.