لماذا وإلى أين ؟

التزاماتنا تجاه الوطن

لحسن الجيت

أينك أيتها الروح الوطنية التي جبل عليها أجدادنا وآباؤنا في زمن ما أحوجنا إليه اليوم. وهي تلك الروح التي نفتقدها  حينما كانت القيم والمبادئالأصيلة لها حضور قوي في الحياة اليومية بالرغم من بساطة تلك الحياة، وخلوها تماما من تعقيدات وحسابات كما هي اليوم طاغية على مشهد اجتماعي وسياسي لم يعد يحمل لنا جينات الأصالة. مشهد يملي علينا القبول بفكرة الانسلاخ وجلد الذات ونحن نتخبط بين الشك واليقين .  وبتنا غرباء في بيئة بمفاهيم فرضت علينا للتعاطي معها وقبلنا بتمريرها تحت يافطة ما يسمى بالحرية وحقوق الإنسانحسب ما يزعمون .

وبين ذاك الذي يزعمونه وما يخططون له تكمن قصة الحق الذي أريد به باطل ليحل الاستنساخ محل الأصيل. فأقل ما في مشروعهم من خطورة أنه ينطوي على تدمير مهضوم للقيم المحددة للهوية الوطنية. 

التكنولوجيا في زمننا هذا غزت كل العالم حتى جزيرة الوقواق، ولو أنها جزيرة من وحي خيالنا،  لمتسلم هي الأخرى من هذا الغزو بمغنى أن جميع العقول تم اختراقها. ولا ينفع أن نوصد الأبواب أو نبني الأسوار على شاكلة سور الصين لنمنع هذا الاختراق الذي يتجاوز بعده العلمي. وإذ الهجمة على ما هي عليه تطال الكبير والصغير من أبناء الوطن عبر الفيسبوك وتيك توك والأنستغرام والحبل على الغارب، فإنه لا مناص لنا من التخلص من السلبياتوالتداعيات المدسوسة في الغزو التكنولوجي سوىالاهتداء إلى كيفية استخدام ذلك العلم في الأغراض النبيلة التي تساهم في بناء المجتمع لا في تدميره، وتساهم في بناء الوطن والمواطن بترسيخ القيم الوطنية في مواجهة ما دأب عليه البعض من نشر فكر لا علاقة له بالبيئة المغربية.

ومن تجليات هذا الصراع  الذي لا لزوم له في الأصل أن تحولت هذه  الوسائط إلى واجهة لفتح النيران بين أبناء المجتمع الواحد وأصبح التشكيك في الهوية يبنى على عقيدة أو على إديولوجية مستوردة  تريدطمس تلك الهوية  واجتثاثها من جدورها التاريخيةوالعرقية. هذا الخطاب المسموم يشحن من قبل بعض قادة الأحزاب التي تقول عن نفسها وطنية فيما تجدها في أكثر من محطة تتخلى عن واجبها الوطني. هؤلاء في خرجاتهم الإعلامية الفيسبوكيةوغيرها يتلكؤون في الاعتراف بمكونات وروافد الهوية المغربية كما نص عليها دستور المملكة ويتحايلون لغاية اليوم على تنزيل القوانين التي تعطي مدلولا حقيقيا وتعزز مشاعر الانتماء لهذا الوطن بعيدا عن الإقصاء.

السوشيال ميديا” أو ما يسمى بوسائل التواصل الاجتماعي باتت هي المتحكم في المشهد الإعلامي وأنها أكثر انتشارا ورواجا في قولبة الرأي العام من الإعلام الرسمي الذي تراجع إلى الخلف ولم يعد بمقدوره أن يلعب حتى دور الرافد في التأثير. 

الوطنية تقتضي من جميع المغاربة، أيا كانت مستوياتهم ومواقعهم، أن يحسنوا التصرف وأن يدركوا أن استخدام السوشيال ميديا له ارتباط وثيق بالضمير والأخلاق بما يفيد استحضار المراقبة من الذات إلى الذات قبل أية مراقبة من قبل أجهزة الدولة سواء كانت أمنية أو قضائية. فكلكم راع وكل راع مسؤول عن رعيته. فالتكنولوجيا سيف ذو حدين. تحمل لك العلم كما تحمل لك النذالة والرداءة. ويبقى على المواطن أن يختار أين يريد أن يرى نفسههل يريد أن يراها في خانة الخلاعة وفيديوهات الجنس أم يريد أن يراها في خانة العلم والمعرفة؟؟

أسئلة كثيرة يجب على المغاربة أن يحددوا منها موقفهم على أساسها قد يحددون موقفهم من الوطن. فمسؤولية الحفاظ على الوطن هي مسؤولية الجميع ويزداد ثقلها على كل من هو شخصية عمومية سواء بقبعته الرسمية أو بفبعة اعتبارية كشخصية متداولة لدى الرأي العام. وقد يتاح المجال أمام هذا الصنف من المغاربة لاستخدام وسائط التواصل الاجتماعيويفترض فيهم أن يكونون أكثر مطالبة من غيرهم بالتحلي بالحكمة والتعاطي مع قضايا الوطن بكل ما يستوجب ذلك من التزام صادق في الدفاع عنها. وهذا الأمر غير قابل للمزايدة ولا للمساومة. ونستغرب من حال بعضنا أنهم خذلوا الوطن الذي أنعم عليهم من خيراته ما لم يتيسر لغيرهم .فمن أوجب واجبات المواطن هو الذود عن الوطن والدفاع عنه، والأولى بذلك من كان في منصب المسؤولية إلى جانب رؤساء أحزاب. ولأنه قد سبق لهم أن تقلدوا مناصب وزارية ومارسوا السلطة فيفترض فيهم كذلك أن يكونوا أكثر وطنية من غيرهم لا أن يقلبوا “الفيستا” حينما يجدون أنفسهم خارج السلطة. بل أكثر من ذلك لا يترددون في إطلاق العنان لألسنتهم ضد المصالح والخيارات الاستراتيجية للبلاد من خلال التهجم علانية على حلفاء وأصدقاء المغرب. لا يكونون بجانب الوطن إلا إذا كانوا ينعمون في خيرات وبركات السلطة ومتى انتقلوا إلى المعارضة يرفعون سقف الابتزاز للعودة إلى البقرة الحلوب ، وهم في ذلك يتماهون مع أجندة الخصوم.

ويبقى المواطن المغربي البسيط قلبه على وطنه ولو كان به خصاص. أسد يزأر في الشدائد وفي مواجهة التحديات وهو ذات الأسد أرحم من غيره  في التضامن والتآزر وتقاسم الرغيف عند الفواجع. ولأنه كذلك، فإن للدولة واجبات تجاه هذا المواطن لنيل حقوقه وأولاهاالعيش في كنف هذا الوطن بكرامة في مفهومها الواسع والشامل. فلا وطنية بدون كرامة.

ويبقى السؤال مطروحا لغاية هذه اللحظة يفرض نفسه بإلحاح ما هي المسافة التي تفصلنا لتحقيق التوازن في هذه المعادلة؟ لعلها ليست بادية للعيان كما نريد نحن استعجالها لكن بكل تأكيد أن رحلة “المايل” قذ بدأت تتحسس معالم المضمار نحو الأفضل  وأن وصول الغايات لا يتحقق إلا مع وجود صبر ومع تدرج في التضحيات.  

فجميل أن يموت الإنسان من أجل وطنه ولكن الأجمل أن يحيى من أجل هذا الوطن. وهو أغلى شيء في الدنيا  هو المهد الذي ولدنا فيه ووطن الأجيال التي عاشت من قبلنا وأرض الأمل التي تحتضن الأجيال من بعدنا. وليس صدفة أن يكون الوطن واسطة العقذفي شعار المملكة أي في حمى الله وحمى الملك.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x