2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
بين حماية المسؤول ونزاهة التبليغ: قراءة هادئة في النقاش حول المادة 3 من مشروع القانون الجنائي

*عادل سامي
عرفت المادة 3 من مشروع القانون الجنائي نقاشًا محتدمًا، خصوصًا بعد تصريح وزير العدل أمام البرلمان، حين قال: “أعطني أسبوعاً في أي جماعة وسأدخل رئيسها السجن”. تصريح مثير كشف عن توتر حقيقي في علاقة المسؤول المحلي بمحيطه، وعن تحديات مرتبطة بممارسة السلطة في ظل منظومة قانونية معقدة وسياق اجتماعي وسياسي حساس.
الوزير قد يكون مُحقًا حين يشير إلى أن بعض المنتخبين يتعرضون للابتزاز من أطراف تدّعي الدفاع عن الشفافية، وتستغل غموض بعض النصوص أو التعقيد المسطري للضغط على المسؤولين. هذه الممارسات موجودة ولا يمكن إنكارها. لكنها لا يجب أن تحجب حقيقة أخرى لا تقل أهمية: أن المجتمع المدني، حين يكون جادًا ومستقلًا، يلعب دورًا أساسيًا في التبليغ عن الاختلالات، وفي تنبيه مؤسسات الرقابة إلى تجاوزات حقيقية.
ما يثير القلق اليوم، هو أن المادة 3، في صيغتها المطروحة، قد تُستعمل لكبح التبليغ بدل تعزيز المساءلة، وأنها قد تزرع الخوف في نفوس الشرفاء بدل طمأنتهم. إذ لا يُعقل أن نواجه الفساد عبر التشكيك في كل تبليغ، أو بافتراض سوء نية مسبق في كل تحرك مدني.
من جهة أخرى، لا يمكن الحديث عن هذا الموضوع دون التطرق لواقع الجماعات الترابية والإدارات العمومية، التي تعاني في كثير من الأحيان من نقص حاد في التأطير التقني والقانوني. فالمساطر المرتبطة بالصفقات العمومية، ومراسلات الخزينة العامة، أو اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية، أو الإدارات المركزية، تتطلب دراية قانونية وإدارية غير متوفرة دائمًا، لا سيما في الجماعات الصغيرة أو القروية التي يرأسها أشخاص بدون تكوين أكاديمي كافٍ في هذا المجال.
كما أن المؤسسات العمومية، سواء جماعة أو مستشفى أو إدارة، تقوم بعمليات شراء متعددة ومتنوعة، تتطلب مواكبة تقنية متخصصة: من مهندسين ومراقبين في البناء، إلى تقنيي الإعلاميات، والتجهيزات، والنظافة، والتبريد، وغيرها. في ظل غياب هذه الكفاءات، تصبح تلك المؤسسات عرضة للغش من طرف بعض الشركات، مما يؤدي إلى تبديد المال العام، وأحيانًا إلى المتابعات القضائية، رغم حسن نية بعض المسؤولين.
ورغم هذه التحديات، لا يمكن إنكار أن هناك تطورًا مهمًا في مستوى النصوص. فالقانون الجديد للصفقات العمومية جاء بعد تأخر كبير في تحيين سابقه، وضم تحسينات مهمة. كما تقوم الخزينة العامة بجهد معتبر في رقمنة المساطر وتوحيد الإجراءات، مما يسهم تدريجيًا في تحسين الشفافية والنجاعة. إلا أن ذلك يبقى غير كافٍ في ظل بطء التحيين التشريعي، وعدم مواكبته بتكوين ميداني حقيقي ومستمر للأطر المحلية.
في هذا السياق، يبدو من المفيد التفكير في حلول مبتكرة تُقلل من هامش الخطأ وتضمن جودة التسيير. من بين المقترحات الممكنة، إحداث وكالات إقليمية لتدبير الصفقات العمومية، تُجمع فيها الكفاءات القانونية والتقنية اللازمة، وتُشرف على إنجاز وتتبع الطلبيات لفائدة مختلف الجماعات والإدارات على صعيد الإقليم. هذا الاقتراح، وإن كان بحاجة إلى دراسة وتوافق، يمكن أن يساهم في الحد من الهدر وسوء الفهم، ويخفف العبء عن مسؤولين قد لا تكون لديهم الإمكانيات الكافية للتعامل مع التعقيدات اليومية.
في النهاية، ما نحتاج إليه ليس فقط قانونًا يُجرم التبليغ الكيدي، بل رؤية شاملة تجعل من القانون وسيلة لحماية المسؤول النزيه، ومن المجتمع المدني شريكًا فعليًا في البناء الديمقراطي، لا خصمًا في ساحة الاتهام.
*إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي “آشكاين” وإنما عن رأي صاحبها