لماذا وإلى أين ؟

بوخريص: الهيئة المغربية المنظمة للمنتدى الدولي للسوسيولوجيا بالرباط تأسست في ظروف غامضة وملتبسة ولا تمثل علماء الاجتماع بالمغرب

تستضيف جامعة محمد الخامس بالرباط والهيئة لمغربية للسوسيولوجيا  المنتدى الدولي الخامس للجمعية الدولية للسوسيولوجيا في الفترة ما بين 6 و11 يوليوز الجاري:

لفهم حيثيات هذا الحدث، والنقاشات الذي أثارها بين الباحثين في السوسيولوجيا وعموم المغاربة في شبكات التواصل الاجتماعي، يأتي هذا الحوار مع:

ذ. فوزي بوخريص، أستاذ السوسيولوجيا والأنثروبولوجيا بكلية العلوم الإنسانية -جامعة ابن طفيل.

1. تنظيم المنتدى الأهمية والدلالة :أي أهمية لحدث تنظيم المنتدى الدولي الخامس للجمعية الدولية للسوسيولوجيا؟وأي دلالة لهذا الحدث؟وأي غايات؟وأي ملاحظات يمكن تسجيلها على طبيعة هذا التنظيم؟

تنظيم المنتدى هو مبدئيا مسألة إيجابية.لكن كان التنظيم سيكون ايجابيا أكثر ومكسبا حقيقيا للمغرب والجامعة المغربية لو انخرطت فيه جميع بنيات البحث والتكوين في المغرب، ونظم فعلا باسم الجماعة العلمية المغربية في حقل السوسيولوجيا.

والحال أن التنظيم لم يكن كذلك وهذا من الأسباب التي كانت وراء ما حدث والذي أدى إلى إثارة نقاشات بين الباحثين، حول قضايا أهمها، ما يتعلق بمشاركة علماء اجتماع إسرائيليين في المنتدى .

فالمنتدى منظم في الرباط وبالضبط في جامعة محمد الخامس، في مؤسسة أو مؤسسات جامعية بعيدة عن البيئة الطبيعية لعلم الاجتماع، تكوينا وبحثا وتأطيرا، بعيدا عن البيئة التي نشأ فيها علم الاجتماع مع رموزه الكبار جسوس والمرنيسي والخطيبي والمكي بن الطاهر وبورقية وادريس بن سعيد والدهان…الخ، أو حتى مع بول باسكون وفريقه في معهد الزراعة والبيطرة

كان من المفروض ان تتحول بنيات البحث والتكوين في علم الاجتماع بالجامعة المغربية إلى أوراش للتفكير والنقاش والإعداد للمنتدى ، وجعل  حدث التنظيم منعطفا نوعيا في تطور البحث والتكوين في علم الاجتماع بالمغرب وتحسين وضعيته الاعتبارية وللارتقاء بأدواره في المجتمع، لمواكبة التحولات الجارية في المجتمع

2. الهيئة المغربية للسوسيولوجيا ومبادرة تنظيم المنتدى الدولي للسوسيولوجي:كيف جاءت فكرة استضافة منتدى دولي للسوسيولوجيا بالمغرب؟ما هي الجهة المنظمة؟ وهل تمثل مجموع الباحثين في علم الاجتماع؟

الهيئةالمغربية للسوسيولوجيا لا تمثل علم الاجتماع ولا علماء الاجتماع بالمغرب. ما يمكن أن أقوله كمشتغل في علم الاجتماع بالمغرب، وهذا ينطبق على عشرات الباحثين، الذين تجمعني معهم علاقة الزمالة وعلاقة الانتماء إلى نفس الجماعة العلمية، إنالهيئة المغربية للسوسيولوجيا، التي تنظم المنتدى الدولي الخامس للسوسيولوجيا باسم الجماعة العلمية لعلماء الاجتماع بالمغرب، وتقدم ذاتها باعتبارها ممثلة لعلماء الاجتماع المغاربة، تأسست في ظروف غامضة وملتبسة، ولا نكاد نعرف من يمثلها، عدا بعض الأسماء المحدودة، ومنها منسق الهيئة ومهندس فكرتها.

لكن المؤكد أن غالبية الأساتذة والباحثين في علم الاجتماع بالمغرب، لا علاقة لهم بالهيئة، ولا بالحدث الذي تنظمه.

صحيح أن عشرات الباحثين، غالبيتهم الساحقة، من الطلبة الباحثين في سلك الدكتوراه، يشاركون في فعاليات هذا المنتدى الدولي للسوسيولوجيا، كما شاركوا في منتديات سابقة، غالبا بصفة فرديةأو مع إدراج أسماء أساتذتهم المشرفين على أطروحاتهم.

الملاحظ ان غالبية هؤلاء الباحثين المغاربة المشاركين في المؤتمر، والذين حظيت مساهماتهم بالقبول من قبل سكرتارية المؤتمر، والذين يعتبرون ظاهريا معنيين أكثر بهذا الحدث، الذي سيجمعهم مع باحثين إسرائيليين..

السؤال الذي يطرح نفسه بخصوص مبادرة الهيئة المغربية للسوسيولوجيا المتمثلة في تنظيم المنتدى الدولي للسوسيولوجيا، هو هل يمثل هذا التنظيم أولوية ومطلبا او قناعة مشتركة بين المشتغلين بعلم الاجتماع بالمغرب، أم أنه مبادرة فردية -شخصية، أو لبعض الأشخاص ؟

ما يدعو إلى هذا التساؤل حول إشكالية أو أزمة إنشاء تنظيم أو جمعية وطنية للسوسيولوجيين بالمغرب.

مقارنة مع؛ بل و على غرار ما يجري في العديدمن بلدان العالم، حيث توجد جمعيات وطنية للسوسيولوجيا، تنتمي للجمعية الدولية (الهنغارية، الهندية، الإيرانية، اللبنانية، الإيطالية، اليابانية…الخ) وتقدم مشاريع-برامجها وترشيحاتها فيما يتعلق استضافة المنتدى او في الدفاع عن ممثليها في أجهزة الجمعية الدولية…الخ.

ومقارنة حتى مع الجمعيات الوطنية للباحثين في حقول علمية أخرى ( الجمعية المغربية للبحث التاريخي -الجمعية الوطنية للجغرافيين المغاربة-..الخ).

إشكالية بناء جمعية وطنية للسوسيولوجيين المغاربة ما تزال مطروحة ، وبحدة ببلادنا رغم محاولات الرعيل الأول مع سي محمد جسوس بتأسيس الجمعية المغربية للسوسيولوجيا، التي توقفت بمجرد وفاة المؤسس، ومنذ سنوات والمحاولات جارية لإحياء هذا التنظيم واستعادة شرعيته ووظيفيته بشكل يأخذ بعين الاعتبار تحولات حقل السوسيولوجيا بالمغرب.

وفي خضم هذه المحاولات جرى “تأسيس” الشبكة المغربية للسوسيولوجيا، والتي كنت شخصيا إلى جانب عدد من الباحثين من مختلف الجامعات المغربية من أعضائها المؤسسين…

والواقع أنه باسم هذه الشبكة، جرى تقديم طلب للجمعية الدولية لاستضافة المنتدى الدولي الخامس للسوسيولوجيا، وتم قبول هذا الطلب بدعم من أصدقاء المغرب والسوسيولوجيين المغاربة، وعلى رأسهم الرئيس السابق للجمعية الدولية للسوسيولوجيا…

وإلى اليوم، تواصلت محاولات تأسيس تنظيم يجمع السوسيولوجيين المغاربة، كان آخرها إطلاق فكرة “منتدى السوسيولوجيين والانثروبولوجيين المغاربة” التي لم تكلل بالنجاح لاعتبارات تتعلق بالسلطات المحلية بالرباط، التي إلى اليوم لم تمكن هذا التنظيم من وصل الإيداع القانوني النهائي (وتلك قصة أخرى).

كما بدأ يشهد حقل السوسيولوجيا في الآونة الأخيرة توجها متزايدا إلى تأسيس تنظيمات مدنية علمية موضوعاتية، أغلبها ذي نزوع تدخلي…

شخصيا أعتقد أن أولوية أي تنظيم اليوم، يسعى لتمثيل الباحثين المغاربة في حقل السوسيولوجيا، ويطمح إلى أن يتحدث باسمهم، هي في ترتيب البيت الداخلي، وبناء جمعية مغربية للسوسيولوجيين، بهياكل ولجان وبرامج ومشاريع واضحة وموضوع اجماع الغالبية ،  على غرار ما تعرفه الجمعيات الوطنية المنتمية للجمعية الدولية للسوسيولوجيا (الهنغارية، الهندية، الإيرانية، اللبنانية، الإيطالية، اليابانية…الخ)

3.تنظيم المنتدى الدولي الخامس والدعوة لمقاطعة علماء الاجتماع الإسرائيليين: لماذا كل هذا النقاش المثار حول هذه المقاطعة بين الباحثين في علم الاجتماع وبين عموم المغاربة في شبكات التواصل الاجتماعي؟

أعتقد أن الطريقة التي أثير بها النقاش- الذي يفترض أن يكون نقاشا بين أعضاء الجماعة العلمية- والكيفية التي تطور بها  والنتائج التي تمخضت عنه، تعود بالأساس إلى غياب هذا التنظيم المحتضن لغالبية الباحثين في السوسيولوجيا بالمغرب، والممثل لكل الحساسيات والتوجهات الأساسية، والذي كان سيشكل بهياكله ولجانه ومنتدياته،  فضاء للنقاش والتداول، ولبناء المواقف المستنيرة.

لكن في غياب تنظيم مدني أكاديمي يحتضن كل أو على الأقل غالبية الباحثين والباحثات في علم الاجتماع بالمغرب، لجأ الباحثون المغاربة للتعبير عن مواقفهم فرادى وجماعات صغرى، وبأجيالهم المختلفة، إلى الشبكات الاجتماعية ووسائل الإعلامية الورقية والرقمية والسمعية البصرية…لإيصال مواقفهم  من مشاركة علماء الاجتماع الإسرائيليين، لا سيما عقب ما أثير حولها من لدن باحثين وتنظيمات عربية ودولية،

مع ما ترتب عن ذلك من “اصطفافات” ومزايدات وخصوصا من انزياح عن منهجية وأدبيات النقاش العلمي والديونطولوجي بين الأقران…ومع الأسف مع ما ترتب عن ذلك من شخصنة واستهداف للذوات والأعراض وشيطنة للآخر المختلف

وفي هذا الصدد، وبغض النظر عن الاتفاق او الاختلاف مع الزملاء الباحثين، أعلن عن تضامني مع حق الجميع في إبداء الرأي وفي النقاش، وأعبر عن رفض أي مصادرة لحق الزملاء في التعبير عن آرائهم ومواقفهم بحرية، بعيدا عن أي استهداف لكرامتهم ولحياتهم الشخصية والأسرية.

وهكذا، فحملة المقاطعة قادها باحثون شباب في الغالب، ومن خارج الهيئة المغربية للسوسيولوجيا، بصفتها الجهة المحتضنة للمنتدى العالمي، الأمر الذي طرح عدة علامات استفهام لعل أبرزها:

لماذا تأخر هذا النقاش، رغم ان الإعلان عن المنتدى جرى منذ سنتين؟

 لماذا ساد الصمت لأسابيع وشهور، رغم ما جرى من فظاعات في غزة وفلسطين، (خصوصا بعد 7 أكتوبر 2023) ورغم ما عرفته جامعات العالم المرموقة من حراك وتضامن مع غزة ومع الشعب الفلسطيني ضد آلة القتل والابادة الجماعية الصهيونية؟

هل الأمر له علاقة ببداية نشر وتسريب أسماء المشاركين والمشاركات المقبولين وهوياتهم و، وخصوصا ملخصات مداخلاتهم؟

ولماذا تأخر موقف الهيئة المغربية للسوسيولوجيا من النقاش المثار حول مشاركة علماء اجتماع وباحثين إسرائيليين في المنتدى؟

هل يبرر هذا التأخر بكون الجمعية الدولية للسوسيولوجيا مسؤولية عن فعالياته العلمية ؟

 أليست الهيئة جزء من الجماعة العلمية المغربية المحتضنة للمنتدى، ويفترض أن تتفاعل مع يعتمل فيها من قلق واحتجاج ؟…

4.المنتدى الدولي الخامس للسوسيولوجيا وخبر تأسيس شبكة لأصحاب الميولات الجنسية: وماذا عن هذا الخبر الذي سرعان ما تم نفيه؟

في الواقع ما أثير من نقاش حول مشاركة علماء الاجتماع الإسرائيليين، لتقديم سرديات معززة لحرب الإبادة الجارية في غزة وفلسطين، يمكن أن يثار حول قضايا أخرى شائكة. فتنظيم المنتديات الدولية الأكاديمية والمدنية له منطقه الخاص، فبالعودة إلى تجارب تنظيم المنتديات العالمية(مثال المنتدى الاجتماعي العالمي) ومسألة المشاركة فيها أو احتضانها ببلادنا تطرح دائما مثل هذه القضايا الشائكة، من قبيل:

  • مشاركةالتنظيمات المدنية الإسرائيلية الداعمة للمشروع الصهيوني.
  •  تطرح القضايا والتنظيمات والممارسات التي قد يعتبرها المغاربة متعارضة مع قيمهم وثوابتهم…
  • مشاركة باحثين ينتسبون للبوليزاريو أو الجزائر أو باحثين يمثلون جامعات فرنسية أو اسبانية يدعمون الطرح الانفصالي، ويروجون لسردية البوليزاريو التي تستهدف سيادة المغرب ووحدته الترابية…

فمثل هذه التحديات تطرح إشكالات على المنظمين وعلى مجموع الباحثين في علم الاجتماع، وتطرح مسألة أي موقف يمكن تبنيه تجاهها. وفي مثل هذه الوضعيات، أن يكون للباحثين المغاربة تنظيم يتوافقون فيه حول المواقف والآراء التي تتطلبها مثل تلك التحديات، أفضل من مواجهتها فرادى وبدون نقاشات وتوافقات قبلية…

السوسيولوجيا، والعلم عموما، ومسألة الحياد الأكسيولوجي:

ومن الأفكار التي أثارت نقاشا مستفيضا، الفكرة المتعلقة بمسألة الحياد الأكسيولوجي neutralité axiologiqueعند ماكس فيبر. فما المقصود بذلك؟ولماذا أثارت كل هذا النقاش بين الباحثين في علم الاجتماع وعموما الفيسبوكيين؟

شخصيا استغربت لحجم وقوة النقاش المثار حول المسألة. بدا لي الخوض في الموضوع، وخصوصا الإحالة على السوسيولوجيا الكلاسيكية (فيبر)، كما لو أننا بصدد اختراع العجلة. والحال أننا نفترض أن هذا المبدأ من مرتكزات علم الاجتماع التي ندرسها لطلبتنا في بداية تكوينهم.

ثم إن النقاش حول هذه المبدأ تطور كثيرا بعد فيبر ، مع تطور “حرفة عالم الاجتماع” ، وخصوصا بدءا من السوسيولوجيا المعاصرة، وبعض أعلامها وأدبياتها التي صارت الآن كلاسيكية بدورها..

بالنسبة لماكس فيبر، لا يحق للعالم أن يستغل هالته العلميةمن أجل فرض وجهة نظره الشخصية ولا يحق له التشيع للآراء والمذاهب، في خضم ممارسته العلمية. ويتحدث ماكس فيبر عن مبدأين منهجيين يضمنان المصداقية العلمية ويحققان النزاهة الفكرية l’intégrité intellectuelle ، هما : مبدأ ضبط “العلاقة مع القيم” و مبدأ “الحياد الأكسيولوجي”.

يقوم المبدأ الأول على ضبط “العلاقة مع القيم” من خلال وعي العالم بذاتية اختياراته الخاصة وقيمه الخاصة، التي هي مصدر تحيزاته في مجال البحث. فبحكم أن النشاط العلمي يبدأ بانتقاء الموضوع والأدوات والتساؤلات…الخ، فإن النزاهة الفكرية تفترض تفسير هذه الاختيارات وتبريرها. حتى يكون القارئ/المتلقي على بينة من منطلقات الباحث وخلفياته ومنهجيته ونتائجه.

ويقوم المبدأ الثاني على ما يسميه “الحياد الأكسيولوجي”. ويتمثل في رفض كل حكم قيمة jugement de valeur. ورفض أيضا فكرة أن تكون قيمة ما أسمى من قيم أخرى بواسطة استدلال علمي وموضوعي أو بواسطة تصور متعالي للعلم.

ويرى عدد من شراح ماكس فيبر، بأنه هو نفسه من خلال تأكيده الشديد على مبدأ الحياد الأكسيولوجي، أضفى قيمة عليه، ومنحه وضع قيمة، يتعين على العالم الالتزام بها لضمان المصداقية العلمية والنزاهة الفكرية.

ويمكن القول إن مبدأ الحياد الاكسيولوجي يمثل بديهية بالنسبة للباحثين، لكن ليس الأمر كذلك تماما في العديد من السوسيولوجيات، سواء في البلدان الغربية أو في بلدان الجنوب ومنها المغرب.حيث تتأرجح السوسيولوجيا (والعلم عموما) بين مسألة الحياد الأكسيولوجي والالتزام الشخصي الأخلاقي والسياسي. وغالبا ما يعكس الحديث عن الالتزام  التأثير قوي للماركسية في العلوم الاجتماعية، ويمكن أن نضيف التأثير الاسلاموي في العلوم الاجتماعية، من خلال التأكيد على أن من واجب الباحثين عدم الانسحاب من دائرة الشأن العام وأنه من الواجب أن ينقلوا معارفهم للفاعلين السياسيين والاجتماعيين..

غير أن الميل إلى “أدلجة” المقاربة العلمية، كما قال الخطيبي، يهدد بتحويل السوسيولوجيا الى أداة للمواجهة السياسية بدلا من أن تكون سلاحا علميا، لأن المبالغة في الاعتماد على الإيديولوجيا، تؤدي إلى النقص المنهجي والخصاص على مستوى الوضوح النظري…

ولو أنه بالنسبة لعالم اجتماع مثل بيير بورديو، فقد أكد في عدد من نصوصه (“قضية العلم” و”من أجل معرفة ملتزمة” …)، على عدم التعارض بين المعرفة المنضبطة للحياد الأكسيولوجي ولشروط العلمية (وفق مقتضيات حرفة عالم الاجتماع) وبين المعرفة الملتزمة في الآن نفسه.

واعتبر بأن التعارض يكون فقط بالنسبة لأولئك الذين يرون التدخل خارج المجال الأكاديمي خرقاً خطيراً لـ”الحياد الأكسيولوجي neutralité axiologique“ الشهير، والمتماهي خطأً مع الموضوعية العلمية l’objectivité scientifique.

صحيح أن أفضل خدمة يمكن أن نسديها للسوسيولوجيا هي ألا نطلب منها أي شيء، فعالم الاجتماع، ليست له مهمة أو  غاية انتدب من أجلها، اللهم تلك التي يفرضها عليه منطق بحثه. لأن الهدف الرسمي للباحث، مهما كانت الضرورات الخارجية التي يخضع لها، يظل دائما هو المساهمة في إثراء المعرفة العلمية، أو على الأقل ينبغي أن يكون كذلك.  لكن الباحث، من خلال التحليل الذي يقوم به للمشاكل التي تعترض الناس، يتيح لهم أن يكتشفوا بأنفسهم، المفاتيح الضرورية لتغيير واقعهم ، عندما يصبحوا أكثر وعيا به...وهكذا يدخل الباحث إلى النقاش العمومي، إنجازات واكتشافات العلم، التي غابت عنه بشكل مأساوي-يقول بورديو.

هذا، وإن كانت عالمة اجتماع مثل ناتالي هاينيش، تنتقد هذه الأكاديمية الراديكالية l’académisme radical لدى بورديو وأتباعه، وتنتقد نزعتهم النضالية. وهي لا تنتقد نزعة الالتزام والنضال في ذاتها وبإطلاق، وإنما عند ممارستها في غير مكانها. والمكان الذي تقصده هنا ليس بالمعنى الطوبوغرافي المتمثل في مؤسسات وبنيات التعليم العالي، لأنه في نظرها يحق لعلماء الاجتماع  النضال النقابي، بل والسياسي ، وتصريف مواقفهم من كل القضايا الوطنية والدولية، لكن غير المستساغ هو أن ينتقل ذلك النضال النقابي والسياسي والأخلاقي أو الديني إلى  المدرج،وإلى مضمون الدرس أو المحاضرة ،وإلى صفحات البحث أو المقالة العلمية، المنشورة في مجلة علمية ذات لجنة تحكيم من الأقران…

فالخطاب العلمي في هذه الدوائر العلمية ينبغي أن يتحرر من كل رؤية سياسة أو أخلاقية أو دينية أو نقابية، وأن ينضبط فقط لمبدأ الحياد الأكسيولوجي و للرؤية الابستيمية والمنهجية.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

4 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
عبد المطلب أباتراب
المعلق(ة)
7 يوليو 2025 14:31

السلام عليكم ورحمة الله
ننتمنى من جميع العاميلن بحقل السوسيو لوجيا أن يعيدوا الإعتبار لأهم مكون من مكونات النسيج الإجتماعي المغربي وهو مكون البربر لأننا نحن البربر (عرب إفريقيا) أكثر عروبة من سكان الخليج ولا يمثلنا القراصنة والمرتزقه من الغجر المتأمزغين فإسم البربر الشريف الدي إفتخار به أجدادنا الفاتحين والمرابطين والمجاهدين والعلماء والفقهاء والشرفاء والسلاطين لم يتجرء أحد من الغزاة الرومان والقوط والصليبين والبرتغالين والإمبريالين على إنكار عروبتنا مثلما يفعل دالك اليوم الغزاة من الصهاينة المتأمزغين
وإسم البربر الدي نفتخر به ما هو إلا إسم عربي فصيح وتوصيف لمن يسكنون مجال جغرافي فهو البر والبادية والعروبيه نقيض سكان القلاع والحصون ولا يحمل اي دلالة إجتماعيه او تحقيريه فالإنسان في المغرب على مر العصور ينسب إلى جهته وقبيلته كقولنا السوسي والريفي والصحراوي والجبلي والشاوي والدكالي ….او ينسب الى مدينته كقولنا الطنجاوي والفاسي والمراكشي والسجلماسي… ولم يوصف أحد من المغاربة على مر التاريخ بوصف الأمازيغي لأن هذا الوصف عنصري وشتيمه في جميع الحالات لأنه مرتبط بمازيير (السماد العضوي )

عمر عمر
المعلق(ة)
6 يوليو 2025 14:34

هذا السعي إلى العلم! أليس الإشتغال على العلم هو نفسه من أجل الإنسان ؟ الزعلة العلموية والحديث عن العلم الخالص هي في جوفها تحمل إيديولوجيا معية أليس كذلك ؟ فيما سيفيدنا العلم الذي لا يناصر قضايا الإنسان ؟

احمد
المعلق(ة)
6 يوليو 2025 12:15

إذا كانت الحيادية والموضوعية مطلوبة في محتوى البحث وأدوات التحليل، فإن الموضوعية والحيادية لا تتحقق في توضيف البحت واستعمال نتائجه واختيار أهدافه، وهذا لا يضمن الحيادية حتى في ما نسميه علوم حقة.

محمد
المعلق(ة)
6 يوليو 2025 10:54

انها السياسة ادخلتموها إلى حرم الجامعة حتى انتم متخصصي علم الاجتماع كنا نظن انككم اعقل وارزن

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

4
0
أضف تعليقكx
()
x