2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
معتضد يكشف خلفيات التقارب الأمريكي الجزائري وتأثيره على قضية الصحراء

وجّه الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسالة تهنئة إلى نظيره الجزائري عبد المجيد تبون، بمناسبة الذكرى الثالثة والستين لاستقلال الجزائر، عبّر فيها عن متانة الشراكة التي تجمع بين البلدين، مؤكداً على أهمية توطيد التعاون في مجالات الأمن، تأمين الحدود، إضافة إلى الفرص التجارية والثقافية.
وفي نص رسالته الذي نشرتها رئاسة الجزائر، أشار ترامب إلى ما وصفه بـ”الإنجازات المشتركة” التي تحققت من أجل الاستقرار الإقليمي، لاسيما في مجال مكافحة الإرهاب وتعزيز أمن الحدود، معتبراً أن تلك الجهود تصب في صالح الأمن المشترك والعلاقات الاقتصادية بين البلدين. وأكد الرئيس الأميركي أن العلاقات الثنائية بلغت مرحلة تتيح للطرفين العمل على بناء مستقبل أكثر ازدهاراً للبلدين.
كما عبّر ترامب عن أمله في تعزيز التعاون التجاري وتوسيع المبادلات الثقافية، قائلاً إن ذلك من شأنه أن يُسهم في رسم معالم مستقبل أكثر إشراقاً لكلا الشعبين.
من جانبه، بعث وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو برسالة مماثلة، أكد فيها على تقدير واشنطن للعلاقات الثنائية مع الجزائر، وتطلعها إلى مواصلة التعاون، خصوصاً في مجالات التبادل التجاري والتقارب بين الشعوب.
من جهة أخرى، يترجم التقارب الامريكي الجزائري في توقيع مذكرة تفاهم للتعاون العسكري بين الجزائر وقيادة أفريكوم الأميركية، إلى جانب زيارة مسؤولين كبار من كبريات شركات الطاقة الأميركية، مثل “إكسون موبيل” و”شيفرون”، للجزائر خلال الأيام القليلة الماضية.
هذا التقارب المتنامي في عهدة تبون الثانية يثير تساؤلات عديدة، خاصة في ظل السياق الإقليمي المتعلق بملف الصحراء المغربية، وإمكانية تأثير هذا التقارب على مسار حسم هذا الملف في الأشهر القليلة المقبلة، كما أشار إلى ذلك السفير المغربي لدى الأمم المتحدة، عمر هلال.
تفاعلا مع ذلك، يري الخبير في الشؤون السياسية والإستراتيجية؛ هشام معتضد، أن رسالة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى عبد المجيد تبون بالرغم من أنها تأتي في لحظة إقليمية حساسة وتعكس محاولة أميركية لإعادة تنشيط خطوط التواصل مع الجزائر في ملفات محددة، إلا أن ذلك لا يمكن اعتباره بالضرورة تحولًا في الموقف الأميركي المبدئي تجاه القضايا الكبرى في المنطقة، وعلى رأسها قضية الصحراء.
وقال معتضد في تصريح لصحيفة “آشكاين”، إن هذا التحرك الأميركي يُقرأ كتكتيك احتواء مزدوج، يُطمئن الجزائر دون التخلي عن الشراكة العميقة مع المغرب، مضيفا أن الرسالة تبدو محسوبة في مضمونها وتوقيتها، وتفتح باب التفاعل السياسي دون الالتزام بتغيير جوهري في مواقف واشنطن تجاه النزاع الإقليمي.
وبخصوص توالي زيارات مستثمرين أميركيين وتوقيع مذكرة تفاهم مع “أفريكوم”، يعتبر المحلل السياسي أن ذلك يُظهر رغبة في تعزيز الحضور الأميركي في الجزائر كجزء من إعادة توازن استراتيجي إقليمي، لكنه يظل مشروطًا بسقف واضح لا يمس الثوابت الأميركية في الشراكات الدفاعية والأمنية في شمال إفريقيا.
والرغم من أن هذا التقارب قد يُستثمر في ملفات اقتصادية وأمنية، لكن يصعب، وفق المتحدث، اعتباره تقاربًا سياسيًا كاملًا أو إعادة اصطفاف جيوسياسي، خاصة وأن الجزائر لا تملك أوراق تأثير كبرى في مراكز القرار الأميركية بشأن ملف الصحراء، مقارنة بما يملكه المغرب على هذا الصعيد.
وبحسب الخبير في الشؤون السياسية، فإن التقدير العام يشير إلى أن واشنطن تنظر إلى الجزائر كشريك ظرفي في بعض الملفات، خصوصًا المرتبطة بمراقبة الساحل واحتواء التغلغل الروسي، لكنها لا ترى فيها فاعلًا يمكنه موازنة الدور المغربي القائم على ثوابت استراتيجية واضحة وممتدة.
في المقابل، يردف متحدث “آشكاين”، أن المغرب يستمر في بناء تراكمات قوية على المستويين الميداني والدبلوماسي، ويُسجل حضورًا فعالًا في مراكز القرار الأميركية، سواء داخل الإدارة أو في أوساط مراكز التفكير والنفوذ، ما يجعل أي رسائل “ودية” موجهة للجزائر تظل رمزية أكثر منها عملية.
واعتبر معتضد أن ملف الصحراء يشهد تحولات حقيقية على الأرض يقودها المغرب بثقة وتصعيد محسوب، وهو يدرك أن الطريق إلى الحسم يمر عبر خلق وقائع سياسية وتنموية وقانونية، وليس عبر الدخول في سجال حول إشارات دبلوماسية غير مُلزمة.
وخلص الخبير في الشؤون الإستراتيجية، بالتأكيد أن المغرب يعوّل في هذه المرحلة على تثبيت مكتسباته وتعزيز منطق الحكم الذاتي كحل وحيد وواقعي، ويبدو واثقًا بأن أي محاولات لإعادة تدوير التوازن في الخطاب الأميركي لن تؤثر على المسار الذي بات يملك قوة دفع ذاتية إقليمية ودولية يصعب كبحها.
ليس هناك في السياسة وفي العلاقات الديبلوماسية عدو دائم ولا صديق دائم، لكن العدو القاتل للدبلوماسية هو الجمود والانتظارية التي قد تحول المواقف التابتة. لدولة صديقة الى مواقف ضرفية، وقد تتحول مع نفاد الوقت الى مواقف غير دات جدوى او الى مواقف غير ضرورية.