2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
الصفقات العمومية في المغرب: عندما يُفرغ القانون من مضمونه

بقلم: د. إدريس الفينة
حين تُطرح مسألة إصلاح قانون الصفقات العمومية في المغرب، يُخيّل إلى البعض أن المشكلة تكمن في النصوص، في حين أن الواقع يشي بعكس ذلك تمامًا. فالقوانين، وإن كانت قابلة للتجويد، ليست سوى أدوات إجرائية لا تُنتج نفعًا في غياب إرادة سليمة وفاعلين نزهاء يحرصون على تطبيقها بروحها لا بحرفها فقط.
لقد أصبح من المؤكد أن الإصلاح التشريعي، بمعزل عن إصلاح الإدارة وسلوكياتها، يظل مجرد حبر على ورق. إن الثقافة السائدة داخل عدد من الإدارات العمومية لا ترى في الصفقات العمومية سوى فرصًا للاغتناء الشخصي، تُخاض فيها المعارك ليس من أجل الجودة، بل من أجل من سيفوز بحصة أكبر من “الكعكة”. وهذا الانحراف البنيوي يفرغ القانون من مضمونه، ويحوّله إلى غطاء قانوني لممارسات تتناقض مع فلسفة المصلحة العامة.
تجربة “حساب تحدي الألفية” الأمريكي، الذي تم تفعيله في المغرب في إطار شراكة تنموية مع واشنطن، تكشف الكثير. فقد خضع هذا البرنامج لقانون الصفقات الأمريكي الصارم، ومع ذلك لم يسلم من التلاعب والخرق، لأن الأفراد الذين أوكلت إليهم مسؤولية التدبير جاؤوا من داخل الإدارة المغربية، حاملين معهم عقلية التحايل والتربح. القانون كان أمريكيًا، لكن الأذهان والممارسات كانت محلية، وهو ما يؤكد أن العطب أعمق من النصوص.
إننا بحاجة اليوم إلى لحظة مكاشفة وطنية، نقرّ فيها أن إصلاح منظومة الصفقات لا يمكن أن يتم دون إصلاح جذري لسلوك الإدارة وثقافتها. نحتاج إلى ندوة وطنية مفتوحة، يتقاطع فيها القانونيون والمقاولون والإعلاميون وممثلو المجتمع المدني، لصياغة تصور جديد يقوم على الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة، وتمكين الإعلام والرقابة المؤسساتية من أداء دورهم دون خوف أو ابتزاز.
قبل سنوات، حضرت لقاء مع رجال أعمال إسبان، سُئلوا فيه عن كيفية مواجهة الفساد في الصفقات العمومية، فأجاب أحدهم بجملة لا تُنسى: “لم نغيّر القانون، بل خضنا معركة ضد الفساد عبر الإعلام والتشهير، وأحدثنا فرقًا ملموسًا”. لم ينتظروا إصلاح النصوص، بل واجهوا الممارسات الفاسدة مباشرة، وجعلوا من ثقافة المحاسبة أداة للإصلاح الذاتي للمجتمع الاقتصادي نفسه.
في المقابل، في المغرب، حين تتجرأ مقاولة على تقديم شكاية ضد تلاعب إداري، تجد نفسها فجأة على اللائحة السوداء، ويُمارس ضدها حصار غير معلن، وتُحرم من فرص التعاقد، لا لشيء إلا لأنها كشفت عن خلل.
هذا هو قلب الأزمة: بيئة تُعاقب من يبلغ عن الفساد، وتكافئ من يتواطأ معه.
لقد حان الوقت لفهم أن الإصلاح يبدأ من هنا، من كسر هذه الحلقة المفرغة، وبناء مناخ يحمي المقاولات النزيهة، ويُقصي العابثين بالمال العام لا أن يحميهم.
إن منظومة الصفقات العمومية هي مرآة لمدى نضج الدولة وشفافيتها. ولا معنى لأي تنمية أو استثمار دون إدارة موثوقة، يُطمئن إليها الفاعل الاقتصادي، المحلي والدولي. وهذا لن يتحقق بتعديلات شكلية في النصوص، بل بإعادة الاعتبار لمنطق النزاهة، وبناء ثقافة مؤسساتية تحترم القانون وتُجسد روحه، لا تُفرغه من معناه.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.
لا تكفي الشعارات و لا ان تكون رجلا لتستثمر…!!
ماذا قدمتم لمحاربة الفساد….للقطع معه…للمحاسبة….لماذا تم اقبار قانون الاثراء…؟؟؟
الوطنية البحثة لا ما اختصر غي زمن التفاهات!! تقتضي مقالات بهذا المستوى!!
و على اصحاب القرار ان يصطفوا مع النقد البناء خدمة لوطننا الذي نحب كل مكويناته!!
جاء قانون الصفقات العمومية و هو الذي اضر اولا بمقاولات النظافة حين أعطى الأفضلية لتعاونيات و اقصى جميع الشركات في غياب تام لمبدا الشفافية و تكافى الفرص