2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
البجوقي يحلل أسباب اشتباكات بين جماعات يمينية متطرفة ومغاربة في إسبانيا

اندلعت اشتباكات عنيفة بين جماعات يمينية متطرفة ومهاجرين يفترض أنهم مغاربة، في بلدة توري باتشيكو جنوب شرق إسبانيا، مساء أمس السبت 12 يوليو 2025، مما خلف إصابات واعتقالات.
وتأتي هذه المواجهات، المستمرة إلى غاية ليلة اليوم الإثنين 14 يوليوز الجاري، وفق ما ذكرت وسائل إعلام محلية، في أعقاب هجوم تعرض له مسن الأسبوع الماضي، وتعد من أسوأ حوادث العنف من نوعها في البلاد خلال العقود الأخيرة.
فما الذي جرى بالضبط؟ وما خلفيات هذه المواجهات؟ وكيف السبيل إلى محاصرتها كي لا تتطور إلى ما تحمد عقباه؟
حملة اعتداءات ممنهجة تتبع حادثة مزعومة
اندلعت شرارة الأحداث بعد اعتداء مزعوم لشباب مغاربة على رجل إسباني مسن، ليتحول الوضع في طوري باتشيكو خلال ساعات إلى مسرح لفوضى يقودها متطرفون يمينيون ضد المغاربة. ولم تقتصر الهجمات على الشوارع، بل طالت منازل ومزارع يسكنها عمال مغاربة.
عبد الحميد البجوقي، المتخصص في الشأن الإسباني، لجريدة “آشكاين”، أكد أن “شبكات اليمين المتطرف نظّمت ما يشبه “حملات تأديبية” مستوحاة من ”نزعات التطهير العنصري”.
وأوضح البجوقي أن المثير للقلق ليس فقط الاعتداءات، بل قبول قطاعات من السكان للفكرة أن المهاجرين المغاربة ”مجرمون بطبعهم”، وأن “الرد الجماعي مبرر”، وهو ما يعكس، وفق المتحدث، تفكيرا يعيد إلى الأذهان ”صورة خطيرة تُحمِل الفرد وعرقه وزر الفعل”.
“إيخيدو 2000”: مرآة الماضي القريب تتكرر في الحاضر
ليست هذه المرة الأولى التي يتعرض فيها المغاربة لمثل هذا التنكيل. ففي فبراير سنة 2000، شهدت مدينة إلـ إيخيدو (El Ejido) في إقليم ألميريا أعمال عنف واسعة بعد مقتل مواطنة إسبانية على يد شاب مغربي يعاني اضطرابات عقلية.
في الأيام التالية، تعرض المئات من المغاربة للاعتداء، أُحرقت ممتلكاتهم، وهُوجموا في الطرقات والأسواق.
ويشير البجوقي إلى أن السلطات آنذاك “تأخرت في التدخل، وجرى تبرير الغضب الجماعي بـ”الضغط الاقتصادي والاجتماعي”، بدل تسميته بأنه عنف ”عنصري”. ورغم مرور ربع قرن، “لم تُغلق الجراح، بل تتكرر المأساة اليوم بصيغة أخرى”. يشرح ذات الكاتب المغربي العارف بخبايا الجارة الشمالية.

“الموروس” كـ”عدو دائم”.. جذور تاريخية عميقة للكراهية
منذ سقوط غرناطة سنة 1492 وطرد الموريسكيين سنة 1609، لم يكن “الموروس” مجرد “آخر” ديني أو ثقافي، بل “عدوا داخليا في المخيال الإسباني”، كما يوضح البجوقي.
وقد ظلت كلمة “moro”، يوضح المتحدث، تحمل دلالات دونية في الثقافة الشعبية، مقرونة بالعدو والبدائي والمتخلف. ورغم أن المغاربة اليوم ليسوا موريسكيين بالمعنى الحرفي، فإن “الذاكرة التاريخية لا تميز، بل تستدعي الصورة نفسها عند كل أزمة اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية”.
عنف الخطاب اليميني وميوعة المواقف الرسمية
بالنسبة للبجوقي، فإن اليمين المتطرف، خاصة حزب “فوكس” (VOX)، يستغل كل مناسبة لتعزيز خطابه القائم على فكرة “إسبانيا تحت الحصار” وأن “المهاجرين خطر على الثقافة والاقتصاد والأمن”.
هذه المقولات، وفقا للبجوقي دائما، “لم تعد هامشية، بل تغلغلت في الإعلام، في الشبكات الاجتماعية، وفي الحوارات اليومية للمواطن العادي”. والأخطر، يضيف الكاتب والإعلامي المغربي، أن “الخطاب السياسي الوسطي لا يقاوم هذه الشعبوية بما يكفي. التصريحات الرسمية المنددة غالبا ما تكون خجولة، مشروطة بـ”لكننا لا نتسامح مع الجريمة أيضا”، و”كأنها تعادل بين الجريمة الفردية والعقاب الجماعي”.
الفلاحون المغاربة: عماد الاقتصاد ومنسيّو السياسات
من المفارقات أن أغلب من طالتهم الاعتداءات هم عمال فلاحة يشتغلون في ظروف قاسية، وغالبا بلا تأمين أو حقوق، وهم من يضمنون بقاء “السلة الغذائية” الإسبانية ”فعالة”.
ففي طوري باتشيكو كما في إيخيدو، يشكل هؤلاء المهاجرون، بحسب البجوقي، “العجلة الخلفية للاقتصاد الفلاحي الذي تعتمد عليه إسبانيا في صادراتها”. لكن حين يقع احتكاك أو جريمة، “تُنسى كل هذه المساهمة، ويتحول العامل إلى “غريب غير مرغوب فيه، رغم أن كثيرا منهم مولودون في إسبانيا ولا يعرفون غيرها وطنا”.
الجوار المغربي-الإسباني: ازدواجية الخطاب
على الرغم من عبارات التعاون، “الشراكة الاستراتيجية”، و”حسن الجوار” التي تكررت في السنوات الأخيرة بين الرباط ومدريد، يكشف ما يحدث في طوري باتشيكو “خللا عميقا”.
ويؤكد البجوقي أنه “لا فائدة من تفاهمات عليا إذا كانت القواعد المجتمعية تعيش على ”إرث الكراهية والرفض”، مشيرا إلى أن “السياسة بدون إصلاح للثقافة العامة تكون كالبناء على الرمل”.
من الضحية إلى العدو: دعوة لحوار تاريخي شامل
يخلص البجوقي في تحليله بأن ما يجري في طوري باتشيكو “ليس مجرد رد فعل شعبي”، بل ”امتداد لسرديات متجذرة تخلط بين التاريخ والعنصرية، بين الأمن والسياسة، بين الدين والهوية”.
ويدعو إلى “حوار تاريخي شجاع مع الذات الإسبانية، عن الموريسكيين، عن “الموروس”، عن من هم الإسبان اليوم، وهل ثمة مكان حقيقي للآخر في سردية الوطن الإسباني؟”.
ويشدد على ضرورة “ملاحقة قضائية صارمة للمنظمين والمتورطين”، و”برامج مجتمعية لتعزيز الاندماج والتلاقح الثقافي”، و”سن تشريعات تتصدى للتحريض عبر شبكات التواصل”.
كما يدعو البجوقي إلى “إصلاح البرامج التعليمية في المدارس إزاء التنوع الديني والثقافي ومحاربة الكراهية والعنصرية ومواجهة الخطاب اليميني المتطرف”، بالإضافة إلى “متابعة إعلامية وشعبية لأي خطاب كراهية، مع ضرورة تدخل قانوني فعال”، ورسم “خطة طريق مشتركة تروم تنزيل آليات التواصل والتعريف بالمصالح المشترك والمصير المشترك”.
فبدون ذلك، يقول البجوقي، سيظل المغرب “مصدر خطر حضاري في الذاكرة الشعبية التي لم تُداوَ من هذه الندوب منذ قرون”.
هناك ايضا شق سياسي يقوم عليه التصور الاديولوجي لحزب فوكس، والذي يتماهى مع العداء الذي تكنه الجارة الشرقية للمغرب، والذي تضرر كتيرا بفعل تحسن العلاقات الدبلوماسية بين الحزب الاشتراكي الحاكم والمغرب وتطور علاقات التعاون بين البلدين الى حدود اندماج مكونات مغربية في إسبانيا في التعبئة الاجتماعية والثقافية، وانخراطها في اوراش التعاون وتقديم الدعم في الكوارث الطبيعية التي عرفتها إسبانيا مما ادى الى تحسن الصورة الايجابية للمهاجر المغربي، وهو ما كان يضرب في الصميم اديولوجية العداء والمغالطات التي يروجها حزب فوكس واطراف تلتقي معه في الهدف والاجندة التي تبني عليها تصورها السياسي لقيادة المرحلة المقبلة من الانتخابات.