لماذا وإلى أين ؟

عن الذاكرة المنتقاة البام، الإسلاميين : ردا على سليمان الريسوني

تابعت باهتمام تدوينتك التي أشرت إلى أنك كتبتها سنة 2019، وقد أثار توقيت إعادة نشرها في هذا الظرف السياسي بالذات أكثر من سؤال، خاصة وأنها تحمل تقييمًا حادًا لتجربة حزبية وسياسية وطنية. ومصدر استغرابي ليس فقط مضمونها، بل سياق استعادتها بعد مرور خمس سنوات، وكأننا أمام محاولة لإعادة تأويل تجربة خارج شروطها التاريخية والسياسية.

تفاعلي مع هذه التدوينة هو من موقعي كفاعل سياسي، مؤمن بأن الإنصاف في التقييم ضرورة أخلاقية قبل أن يكون التزامًا معرفيًا. ذلك أن تبخيس العمل السياسي، أو التعامل مع الأحزاب وكأنها سبب الأزمة وليس جزءًا من الحل، لا يخدم في شيء المشروع الديمقراطي الذي نطمح إليه، بل يرسخ خطابات التيئيس والعدمية التي تُفرغ العمل السياسي من جدواه.

لقد كان حزب الأصالة والمعاصرة، الذي تشرفت بالانتماء إليه في فترة سابقة، فكرة سياسية نشأت في لحظة دقيقة أعقبت انتخابات 2007 و كادت في السياسة و العمل السياسي ان يدخل غرفة ” الإنعاش” وما كشفت عنه من ضعف خطير في المشاركة والثقة. وجاء تأسيس الحزب كإسهام في تجديد النسق السياسي الوطني، عبر محاولة الانتقال من شرعية النضال التاريخي إلى شرعية المشروع، ومن الشخصنة إلى المؤسسة.

ومنذ تأسيسه، أبان الحزب عن قدرة على التجديد الداخلي، وابتكار صيغ تنظيمية متنوعة لترسيخ البعد الديمقراطي، آخرها صيغة القيادة الجماعية. التي تبقى في اعتقادي سابقة تستحق كل تنويه و إشادة ، و تعبر في تقديري المتواضع عن دينامية تنظيمية داخلية لا يمكن إنكارها، وعن سعي مستمر في البحث بدائل تنظيمية في مواجهة الإكراهات.

أما بخصوص ما أشرت إليه برسالة “الإكوادور”، فقد كنت آنذاك منتمياً للحزب، وتشرفت برئاسة مؤتمره الوطني الرابع، وأعتقد أن تلك الرسالة لم تكن إلا تعبيرًا عن تدافع داخلي بين رؤيتين سياسيتين مختلفتين، وهو أمر مألوف في كل الأحزاب الحية. قد يكون خان التعبير هذا الطرف أو ذاك، لكن الأهم أن ما جرى كان تأكيدًا إضافيًا على أننا أمام حزب وطني حي، وليس أداة مصنّعة كما يُروج له البعض.

وفيما يتعلق بموقف الحزب من تجربة الإسلاميين، أعتقد أن الأصالة والمعاصرة، إلى جانب قوى وطنية أخرى، تحمّل مسؤوليته كاملة في التصدي لمسار تغوّل تلك التجربة ومحاولة الهيمنة على الدولة والمجتمع في سياقات تعلم ادق تفاصيلها و معطياتها و ظروفها الإقليمية . وكم كنت أتمنى أن تُنصفوا هذا الجانب، وأن تُسلّطوا الضوء، بنفس الحدة، على محطات ديمقراطية أساسية ساهم فيها الحزب إلى جانب آخرين في حماية التعددية وإنقاذ التوازن المؤسساتي.

أما ما أثرته حول “فساد القيادة”، فدعني أؤكد أن لا أحد فوق المساءلة أو النقد، لكن يفترض، ونحن من موقع النخبة التي يفترض أن تؤمن بقوة المؤسسات، أن نميز بين النقاش السياسي والتقاضي القضائي. ولا ينبغي أن تُستعمل مساطر لا تزال جارية كمرجع وحيد لبناء المواقف أو إصدار الأحكام، لا سيما من طرف من نعرف فيه غيرته على منظومة العدالة. إشكال يهم مختلف الأحزاب والقوى السياسية، ولا يمكن اختزاله في حزب واحد أو قيادة واحدة. وهو ما يطرح تساؤلاً مشروعًا: لماذا هذا التركيز الدائم على حزب الأصالة والمعاصرة؟ أليس من الإنصاف أن نُخضع الجميع لنفس ميزان النقد والمساءلة؟

في الختام، أكتب إليك هذه الرسالة، ليس دفاعًا أعمى عن حزب أو تجربة، بل من منطلق الحرص على خطاب وطني منصف ومسؤول، لا يكتفي بالتشخيص، بل يسهم في البناء. فبلادنا في حاجة إلى من يُسائل التجارب بروح وطنية، لا إلى من يُدينها بمنطق الإقصاء أو التصفية الرمزية.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

1 تعليق
Inline Feedbacks
View all comments
ابو زيد
المعلق(ة)
15 يوليو 2025 18:10

الكل يعرف من اي رحم خرج الحزب…!!
انتظر موت هذا الجيل الذي عايش تلك المرحلة كي تجد للتبريرات موضع قدم…مع كل الاحترام للشرفاء

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x