2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

طالع السعود الأطلسي
التفعيل الملموس للتطوير الاستراتيجي للهوية الإفريقية للمغرب، ولملئها بإنشاء وتنويع المعابر المغربية إلى “الوقائع” الإفريقية في جريانها المتعدد المصبات، الاقتصادية، الاجتماعية والسياسية… ذلك التفعيل أشرع البوابة المغربية إلى إفريقيا لتستدعي “العالم” إليها…
عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، في يوليوز 2016، لم تؤشر وحسب على عودة بلد مؤسس للوحدة الإفريقية وفاعل في الحركية الإفريقية التحررية ضد الاستعمارات التي عانت منها، ووازن استراتيجي في الكيان الإفريقي، بل وأيضا، مثلت مدخلا لاستعادة إفريقيا لذاتها، ولاستنهاض تملكها لمصائرها الإستراتيجية، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية…
المغرب كان انسحب، سنة 1984، من منظمة الوحدة الإفريقية، ولكنه من لم “يغادر” إفريقيا… أبقى لهويته الإفريقية جذوتها… ورعاها بتكثيف وتنويع علاقاته الإفريقية، مع دولها وشعوبها، سياسيا، اقتصاديا ودينيا… وسيقول الملك محمد السادس في خطابه أمام القمة 28 للاتحاد الإفريقي، بأديس أبابا، لترسيم عودة المغرب، يوم 31 يناير سنة 2018، “بأن سنوات البعد المغربي عن الاتحاد الإفريقي سمحت بتبيان مدى حاجة المغرب لإفريقيا، ومدى حاجة إفريقيا للمغرب”… ودلل العاهل المغربي على جدية وجدة التفاعل المغربي-الإفريقي بأنه “ما بين سنتي 1956 و1999، تم التوقيع على 515 اتفاقية (مع دول افريقية) في حين أنه منذ سنة 2000 إلى اليوم (نهاية سنة 2017) وصل العدد إلى 949 اتفاقية، أي حوالي الضعف”…
المغرب لم “يطعم” علاقاته الإفريقية شعارات، تلمع عند إطلاقها وسرعان ما تخبو بعد استهلاكها إعلاميا… المغرب انهمك في إرساء روافع ترسخ في ملموسية الحياة الإفريقية، ما دعا إليه من تنمية مبدأ رابح-رابح في العلاقات جنوب-جنوب، ضمن استراتيجيات التنموية الوطنية…
أبرز علامات ومحطات ذلك المسار… أنبوب الغاز نيجيريا-المغرب، والذي يشرك 13 بلدا إفريقيا، أطلسيا، في مشروع تنموي نهضوي لها جميعها، وتستفيد منه دول افريقية غير أطلسية، وهو على امتداد 56000 كلم…
علامة أخرى بارزة تعزز التوجه الإفريقي للمغرب، وهي معبر جاذب وسلس وموصل للتعاون الدولي مع إفريقيا، وأساسا منه تدفق التعاون الأوروبي معها بنفس جدي وقواعد نوعية… إنه مشروع بناء ميناء الداخلة الأطلسي، وهو “صنو” ميناء طنجة المتوسط، وبصيغة متطورة ومزيدة من حيث تجويد استقبال الناقلات البحرية بكل أنواها، ما يرشحه إلى أن يكون الميناء الأكبر في إفريقيا…
العلامتين الأولى زائد الثانية أنتجتا لدى الملك محمد السادس، المبادرة الأطلسية تجاه دول الساحل والصحراء… وهي في تشكل جسرا لها، يدعم طموحها، لعبور مسار نوعي في طموحها التنموي… ولأن المبادرة جدية وصادرة عن تصور استراتيجي، يواكبها ملك المغرب شخصيا… إذ كان، قد استقبل وزراء خارجية تلك البلدان يوم 28 أبريل 2025، في الرباط… ومؤخرا في نيويورك، عقد السيد ناصر بوريطة اجتماعا مع نظراءه من بوركينافاسو مالي، النيجر، واتشاد، للوقوف على آخر تطورات ومراحل ومتطلبات ارصاء تلك المبادرة عمليا… إنه المغرب الذي يفيد مشروعه التنموي بتوسيع وتنويع شراكاته ومجالاته ومخصباته، وهو، في الآن نفسه يفيد تلك الشراكات بمردودية التعاون التنموي…
إفريقيا اليوم، هي ضمن أساسات المشروع التنموي المغربي، هي في ثناياه البنيوية وفي مراميه الإستراتيجية… وفقط خلال شهر شتمبر (أيلول)، المشرف على التواري، ما يؤشر على الحضور القوي لإفريقيا في السياسات المغربية، السياسية والاقتصادية والدينية…
رئيس الحكومة المغربية، السيد عزيز أخنوش، خلال كلمته في الدورة 80 للجمعية العامة للأمم المتحدة، في نيويورك، عاد إلى التأكيد على أن المملكة المغربية، بالمبادرات والتوجهات الملكية للملك محمد السادس، أوقعت إفريقيا في صلب المبادرات الكبرى لمشروعها التنموي… وأنها ليست وحسب أولويته في علاقاتها الديبلوماسية بل تراها فضاءا طبيعيا لتنميتها… إنه إلحاح مغربي استراتيجي على افريقية المغرب والتي تؤهل المغرب لإفادة إفريقيا…
وزير الخارجية المغربي، السيد ناصر بوريطة، أعلن في نيويورك نفسها، “عن عقد أول مؤتمر دولي حول “ضحايا الإرهاب في إفريقيا، والذي سيشكل تحولا نوعيا في الدعم الدولي لضحايا الإرهاب في إفريقيا…”، وذلك يومي 2 و3 أكتوبر المقبل… وعقد هذا المؤتمر في المغرب ليس شكليا، هو تعبير عن الفعالية، السياسية، الاقتصادية والعملية المغربية في التصدي للإرهاب الذي تعاني منه إفريقيا… إذ أن الاحصاءيات تقول بأن حوالي 60 في المائة، من ضحايا الإرهاب هم من إفريقيا… في شهر غشت الأخير، تحدث الإعلام الدولي عن نجاح تدخل للمخابرات المغربية (المعروفة باسم “دجيد”) في تحييد أحد قادة بوكو حرام ، في النيجر، اسنادا لعملية للجيش النيجيري… وهي عملية ضمن الدعم الفعال للمخابرات المغربية في مواجهة الإرهاب في إفريقيا… وهو ما تثمنه دول افريقية عديدة…
مؤخرا أيضا، حضرت إفريقيا في خلفية منجزات ديبلوماسية واقتصادية هامة، فقط في شهر سبتمبر (أيلول) هذا… اتفاق الحوار الاستراتيجي مع الصين، وتدشين معمل المركبات المدرعة الهندي في المغرب…
السياسة الحكيمة للمغرب، منذ استقلاله، بممارسته الاستقلال في إدارة علاقاته الدولية، أتاحت له أن يوفر رصيدا هاما من المصداقية في كل علاقاته الدولية، وبمنأى عن التحالفات والأحلاف، وفيها يفيد ويستفيد في مجالات الاتفاق وباحترام للحق في الاختلاف…
باختصار، الصين تطورت من المرتبة 13 في سلم الاستثمار في المغرب، قبل سنوات، إلى المرتبة الثالثة اليوم… والاتفاق الاستراتيجي الذي وقعه الوزير المغربي للخارجية في بكين مع نظيره الصيني، يروم للوصول بالاستثمارات الصينية إلى ما يفوق 10 مليارات دولار… منها مصنع الألمنيوم الأخضر بقيمة 3 مليارات دولار، ومصنع البطاريات الكهربائية بقيمة 5,6 مليار… وفي كل ذلك تقع إفريقيا في موقع الجاذب والهدف معا…
المغرب، القوي بمشروعه التنموي، الوطني المبنى والإفريقي الأفق، هو الذي شجع الهند على الثقة فيه وفي ممكناته التي تحفل بها، امتداداته الإفريقية، على بناء أول مصنع مغربي-هندي لتصنيع المركبات المدرعة، وذلك في أول خروج لذلك المصنع من الهند… العلاقات تغذي الفعاليات وليس مجرد النوايات الطيبة والشعارات… والهند لمست ذلك، وتلمسه إفريقيا أيضا…
القناعة الدولية بوقف الشغب ضد المغرب في جنوبه، لها اليوم أساس مادي، واقعي وتاريخي… محاولة إطالة عمر “الشعننة” الانفصالية ضد الوحدة الوطنية المغربية، لها اليوم رادع دولي مصمم، ويناصر الإصرار الوطني المغربي الحاسم والحازم…
وأنا أحرر هذا المقال، الخميس 25 سبتمبر، نزل في الإعلام خبر لقاء وزير الخارجية المغربية السيد ناصر بوريطة بمساعد وزير الخارجية الأمريكية، السيد كريستوفر لاندو، والذي أعلن فيه المسؤول الأمريكي أن الإدارة الأمريكية توجه المستثمرين الأمريكان إلى الأقاليم الجنوبية المغربية بأنشطتهم الاستثمارية، في سياق اعتراف الإدارة الأمريكية بمغربية الأقاليم الصحراوية للمغرب… ويضيف بلاغ اللقاء، استعداد الإدارة الأمريكية للعمل بالتنسيق مع المغرب من “أجل النهوض بالازدهار والسلم والاستقرار في المنطقة”… وهي الجملة التي تقول الكثير عن العزم الأمريكي للتدخل من أجل اطفاء موقد العداء للمغرب في جنوبه… والذي طال نصف قرن، وبات مجرد مزعج في وضع منطقة بكاملها…
عطفا على ما سبق، لا يحتاج الأمر لشرح… يحتاج فقط لمن يستنتج منه الموقف الضروري اتخاذه، بلا تردد، لجمع حقائب العداء للمغرب والانسحاب إلى متلاشيات التاريخ…
العداء للمغرب، يلهث في الوقت بدل الضائع، وقد انفض من حوله المدد، ويكاد ينضب… ويبقى مسار المستقبل مفتوحا أمام من ينشد حياة مفعمة بمغانم إعمال العقل وإذكاء الأمل…
*إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها