2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

آشكاين/أسامة باجي
في خضم النقاش المتصاعد حول حضور صفحة GenZ212، وكذا حضور جيل Z داخل البيئة الرقمية والواقعية، تبرز الحاجة إلى ضرورة التساؤل حول هذه المبادرة الشبابية، ودعوات الاحتجاج، وخلفياتها، وكيفية التعامل معها.
في هذا السياق، يشرح رشيد العزوزي، وهو دكتور في الإعلام ومتخصص في دراسة التحولات الإعلامية والمجتمعية، في حوار مع موقع “آشكاين”، خلفيات ظهور هذه الحركة الافتراضية ودوافعها، ويدعو إلى ضرورة استيعابها وفهمها، باعتباره المدخل الأساسي، عوض أي مقاربة أخرى.
جيل Z استعمل فيسبوك للتعبير عن احتجاجاته ودعوته للخروج اليوم السبت، هل يُعد ذلك تحوّلاً من الأشكال الاحتجاجية الواقعية إلى الرقمية، خصوصاً أننا أمام جيل نشأ في بيئة رقمية؟
من دون شك، نحن اليوم نعيش تحوّلاً كبيراً جداً في مختلف المجالات، وحقوق الإنسان جزء لا يتجزأ من هذا التحوّل. فقد تغيّر الخطاب، وتغيّرت معه القنوات، وكذلك الأنماط التعبيرية والأشكال التي كانت إلى عهد قريب مركزية.
نحن الآن أمام تغيّرات جذرية لجيل وُلد من رحم أمه وهو محاط بالأوساط الرقمية التي ترعرع في حضنها. هذا التحوّل الرقمي جعل كل المتطلبات تجد صداها داخل مواقع التواصل الاجتماعي وغرف الدردشة. وأبرز مثال على ذلك هو منصة ديسكورد التي اعتمدها جيل Z في تواصله الرقمي حول قضايا عديدة، ولعل أبرزها استضافة الصحفي الاستقصائي عمر الراضي.
هذه المنصة تُعد بدورها منصة شبابية، على عكس المنصات التي عهدناها سابقاً كـ Zoom أو Google Meet، وهذا في حد ذاته تحوّل في استخدام الوسائل الرقمية التي كانت معتمدة من قبل.
هل هذا يعكس أزمة ثقة في المؤسسات التقليدية والأشكال الاحتجاجية الكلاسيكية؟ أم أنه مجرد احتجاج عابر مرتبط بموجة غضب على مواقع التواصل الاجتماعي؟
في اعتقادي، لا يوجد باحث مغربي يختلف حول فقدان الثقة بين الفاعل السياسي أو النقابي وبين الشباب، بل وحتى غياب الثقة قد يمتد في كثير من الأحيان إلى العلاقة بين الفاعل الحقوقي والشباب.
ما يؤكد هذا الطرح هو الخطاب الذي يحاول الشباب تمريره في كثير من الأحيان، سواء عن الفاعل الحقوقي أو عن إعادة إنتاج الخطابات السائدة، أو حتى تبرؤهم من أي محاولة لتبنيهم أو توجيههم. وهنا يمكن أن نستحضر تدوينة نشرتها إدارة صفحة جيل Z، تفيد بأنها لا تنتمي لا لليسار ولا لليمين، بل تتابع الاختيارات الوطنية وثوابتها.
بالعودة إلى الأزمة، فهي ممتدة إلى الشارع الافتراضي وإلى الأجيال الرقمية. فواقع الحال يقول إن المؤسسات السياسية لم تغيّر من طريقة أدائها، إذ لا تزال تتواصل بطرق تقليدية، ولا تزال تعيش خارج البيئة الافتراضية. وحتى عندما تحاول اقتحام هذه البيئة، فإنها تفعل ذلك بأدوات كلاسيكية جداً.
يكفي أن نتصفّح، على سبيل المثال، المواقع الإلكترونية للأحزاب السياسية المغربية أو لبعض المؤسسات السياسية الأخرى، لنجد أنفسنا أمام تشويش بصري وغياب لهوية بصرية تعبّر عن الهوية السياسية لهذا الحزب أو تلك المؤسسة. فحتى الصفحات الفيسبوكية للمؤسسات الوطنية، عدد المتابعين والمعجبين بها بسيط جداً.
هذا يعكس وجود أزمة حقيقية، إذ لا تزال طرق التسيير والتواصل السياسي تقليدية للغاية. كما أن المؤسسات لا تولي أهمية كبيرة لمواقع التواصل الاجتماعي والمنصات التي يستخدمها الشباب، مثل إنستغرام وتيك توك، بل يقتصر حضورها غالباً على فيسبوك وتويتر.
هذا التواجد الباهت لا يُؤثر في الشباب، مما يخلق نوعاً من التوتر أو سوء الفهم، ويجعل من الرأي العام الرقمي الشاب معزولاً حتى عن الهموم الواقعية. وهو ما يدفع هذا الجيل إلى ترجمة تلك الهموم في تعبيرات افتراضية، سواء داخل غرف دردشة مغلقة، أو عبر وصلات رقمية وصور معدّلة ومؤثرات بصرية حديثة.
كيف يمكننا التعامل مع هذا الجيل حتى لا تتحوّل العلاقة إلى صدام أو قطيعة؟ وهل يمكن اعتبار الإعلام قناة أو وسيطاً قادراً على احتواء صرخات هذا الجيل؟
في الواقع، يجب تدارك الوقت قبل فوات الأوان، لأن الهوة تتّسع بين الفاعلين، سواء كانوا سياسيين، نقابيين، حقوقيين أو حتى من المجتمع المدني، وبين الجيل الذي ترعرع ونشأ ويتواجد داخل البيئة الافتراضية، والذي بات منعزلاً عن المجتمع. لذلك، نجد هذا الجيل غالباً ما يبحث عن عالم موازٍ، للفرح، للحزن، وللتعبير عن الغضب والاحتجاج.
الإعلام، اليوم، لا يمكن اعتباره وسيطاً، على الإطلاق. لأنه، وفق متابعتنا للشأن الشبابي في البلاد، يمكن القول إنه لا يعرف شيئاً عن القنوات الرسمية، أو حتى عن الإعلام الإلكتروني.
المطلوب اليوم هو مخاطبة هذا الجيل من موقعه، بلغته، وبأساليبه. يجب أن نقتحم الفضاءات الافتراضية ومواقع التواصل الاجتماعي بكل أصنافها، ونتواجد حيث يتواجد الشباب، ونخاطبهم بخطاب عصري، وبمفاهيم قريبة من اهتماماتهم، حتى لا يكونوا صيداً سهلاً لجهات قد تقودهم نحو ما لا يُحمد عقباه.