2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
من لغة التحفيز إلى لغة المحاسبة.. قراءة في آخر أربع خطب ملكية بمناسبة افتتاح البرلمان

كل جمعة ثانية من أكتوبر، يطل الملك من منصة البرلمان ليخاطب ممثلي الأمة، لا بصفته رئيسا للدولة فقط، بل باعتباره مرجعا لتوجهاتها الاستراتيجية الكبرى.
وبخلاف خطب الأعياد الوطنية، فخطاب افتتاح الدورة التشريعية، لا يوجه مباشرة إلى عموم المغاربة، بل إلى ” برلمانيي وبرلمانيات الغرفتين”، ما يجعل منه لحظة سنوية دستورية بامتياز تحدد فيها أجندة السياسة العمومية، وتوجه فيها بوصلة الحكومة والبرلمان نحو أولويات المرحلة.
على مدى أربع سنوات من عمر الولاية التشريعية الحالية (2021–2024)، اتخذ الخطاب الملكي طابعا متدرجا يواكب تحولات البلاد وأزماتها، من تدبير مخلفات الجائحة إلى ورش الاستثمار والماء، مرورا بمدونة الأسرة وزلزال الحوز، وصولا إلى قضية الصحراء المغربية التي تصدرت خطاب 2024.
لقد حافظت كل الخطب الملكية بمناسبة افتتاح البرلمان على خيط ناظم واحد هو مساءلة النجاعة والمؤسسات، وتذكير الفاعلين السياسيين بمسؤولياتهم أمام المواطنين.
من هذا المنظور، أكد الدكتور بالقاسم امنزو، أستاذ التواصل السياسي بجامعة ابن زهر، أن الخطب الملكية الأربعة التي وجهها الملك منذ انتخابات شتنبر 2021 “تعكس تحولا في طبيعة الخطاب الملكي من مستوى التأطير العام إلى مستوى التدبير الدقيق للملفات الكبرى”، مبرزا أن “الملك لم يعد يكتفي بتوجيه رسائل سياسية، بل صار يقدم تقويما مؤسساتيا لأداء الحكومة والبرلمان”.
وقال امنزو، ضمن تصريح لجريدة “أشكيان” الإخبارية، إن “خطابات افتتاح البرلمان تحولت في السنوات الأخيرة إلى مرجع سنوي لتشخيص الأعطاب التي تعيق الدولة في تحقيق وعودها للمواطنين، سواء تعلق الأمر بضعف النجاعة أو غياب التنسيق أو ضعف الرقابة”.
ويرى امنزو أن اللافت في الخطب الأخيرة هو “الانتقال من لغة التحفيز إلى لغة المحاسبة”، مشيرا إلى أن “الملك صار يستعمل ضمير الجماعة (نحن) حين يتحدث عن إنجازات الدولة، لكنه يستخدم ضمير الغائب (هم) حين يشير إلى التقصير أو غياب الفعالية”، وهو ما يعكس – برأيه – “رسالة ضمنية إلى الفاعلين السياسيين بأن المسؤولية لم تعد شعارات، بل التزاما أخلاقيا ومؤسسيا أمام المواطنين”.
وشدد الدكتور المتخصص في التواصل السياسي على أن “الخطاب الملكي لم يعد مجرد توجيه سياسي من فوق، بل أصبح وثيقة تواصلية بامتياز، تُحدد إيقاع الدولة وتضبط خطابها العمومي”.
بهذا المعنى، تشكل الخطب الملكية الأربع الأخيرة مسارا متصاعدا نحو تكريس مفهوم “الدولة الفاعلة” بدل “الدولة المتفرجة”، و“المؤسسة المسؤولة” بدل “المؤسسة المبررة”.
فالمعاني التي بثها الملك في خطب 2021 و2022 حول السيادة الوطنية والماء والاستثمار، وجدت امتدادها في خطاب 2023 حول العدالة الاجتماعية ومدونة الأسرة، ثم تبلورت في خطاب 2024 الذي أعلن مرحلة “ترسيخ السيادة واستكمال البناء المؤسساتي”، كما يقول الدكتور امنزو.
ونبه إلى أن “الملك استعمل البرلمان كمنصة لمساءلة المؤسسات لا لتزكيتها، وكأن كل خطاب افتتاح هو امتحان سنوي في السياسة العمومية”.
ومن خلال هذا التراكم، يمكن القول إن خطاب افتتاح البرلمان تحوّل من مجرد لحظة بروتوكولية إلى أداة تقييم استراتيجية لمدى نضج الدولة ومؤسساتها.
وفي انتظار الخطاب الملكي اليوم الجمعة 10 أكتوبر الجاري، تتجه أنظار المغاربة إلى البرلمان، بحثا عن أجوبة لأسئلة تتراكم منذ سنوات. فجيل جديد من المواطنين، هو جيل “زيد”، خرج إلى الشارع وملأ الفضاء الرقمي احتجاجا على تدهور الخدمات العمومية، وارتفاع تكاليف العيش، وتآكل الثقة في المؤسسات.