2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

رفع جيل Z في احتجاجاته الأخيرة شعاراتٍ أثارت نقاشًا واسعًا، منها: «لا نريد كأس العالم، نريد مستشفى»، و«لا نريد كأس الأمم، نريد مدرسة». ورغم صدق هذا الوجع الاجتماعي، تكشف قراءة بسيطة أن هذا الجيل لا يرفض الرياضة، ولا المونديال، ولا الفرح الجماعي، بل ما يرفضه هو أن تتحول هذه الإنجازات الكبرى من مشاريع أمة إلى فتوحات أحادية.
إن جيل Z يريد المستشفى والمدرسة، لكنه يريد أيضًا الملاعب الراقية والفضاءات الرياضية، ويريد أن يُشارك في صنع الحلم لا أن يُستدعى للتصفيق له، يريد بلدًا يحتضن كأس العالم وكأس إفريقيا، ويشعر بأنه شريك في ذلك، لا متفرّج عليه.
في الفكر الاقتصادي التقليدي، كانت الثروة تُنتَج من الفلاحة أو الصناعة أو التجارة، أما اليوم، فقد انضافت قطاعات جديدة كالثقافة والرياضة لتُشكل مصادر نمو حقيقية، فحسب تقرير البنك الدولي (2023)، تُمثل “الاقتصادات الرياضية” أكثر من 2% من الناتج الداخلي الخام في دول مثل فرنسا أو بريطانيا، وتوفر ملايين فرص العمل المباشرة وغير المباشرة.
لم تعد الرياضة مجرد ملعب فحسب، بل منظومة إنتاج شاملة تضم التسويق، والإعلام، والنقل، والإقامة، والصناعة الغذائية، والتكنولوجيا، ولهذا، فإن الاستثمار في الرياضة — إذا تمّ وفق رؤية واضحة وحكامة شفافة — لا يُعدّ تبذيرًا، بل استثمارًا إنتاجيًا يمكن أن يُعيد توجيه الأرباح نحو التعليم والصحة، خالقًا بذلك دورة اقتصادية متكاملة بين التنمية المادية والبشرية.
إن المقارنة بين «الملعب» و«المدرسة» مغلوطة، لأن الملعب الجيد لا يُزاحم المدرسة بل يمكن أن يُموّلها ويُلهمها، الملاعب ليست مجرد إسمنت؛ فما يُشعل الحماسة فيها ليس الحجر، بل الإحساس بأن ما يُنجَز هو ملكٌ جماعي، وهنا تبرز أهمية جعل المشاركة الشبابية جزءًا أصيلاً من كل سياسة رياضية، ليتحول الفضاء الرياضي من رمز للتفاخر إلى فضاء للانتماء.
يقول بيير بورديو إن الرياضة ليست مجرد منافسة أو عرض للقوة الجسدية، بل هي «ميدان رمزي تتجلى فيه علاقات السلطة والثقافة»، فالرياضة تعكس المجتمع وتعيد إنتاج قيمه، ومن هذا المنطلق، فإن الرهان اليوم ليس في المفاضلة بين “الملعب” و”المدرسة”، بل في بناء رؤية متكاملة تجعل من الرياضة رافعة للتنمية، ومن التنمية قاعدة لتوسيع الحق في التعليم والصحة، فالبلد الذي يُحسن إدارة الرياضة ويحوّلها إلى صناعة، يستطيع أن يبني بها مستقبله، تمامًا كما تبني الأمم مصانعها وموانئها.
إن جيل Z لا يحتجّ ضد كرة القدم، بل ضد منطق الفرجة من بعيد، يريد أن يرى وطنه يحتضن كأس العالم، ويبتسم أطفاله في أقسام مضيئة ومستشفيات لائقة، وفي ملاعب يشعر أنه ساهم فيها بفكره أو عمله أو حلمه، إنه وعيٌ جديد، لا يرفض الفرح ولا يخاصم الرياضة، بل يريد أن يكون جزءًا منها، وعليه، فإن جيل Z لا ينتظر المونديال فحسب، بل يريد أن يساهم في الإعداد له.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها